الدولار الجمركي.. إشعال نار التضخم
الخرطوم: سارة إبراهيم
أجازت الحكومة تعديلات في موازنة العام الحالي، شملت التعديلات رفعاً تدريجيًا لدعم الوقود وتنفيذ تعويم جزئي في سعر صرف الجنيه مقابل النقد الأجنبي، وإجراء تغييرات على الدولار الجمركي لمدى زمني يستمر لعامين حتى الوصول إلى السعر الحقيقي.
هذه الخطورة وصفها مهتمون وخبراء ومراقبون للوضع الاقتصادي أنها تساهم في ارتفاع الأسعار ويؤدي إلى اشتعال نار التضخم الذي وصل إلى معدل كارثي، مشيرين إلى هروب المستثمرين خوفاً من تآكل رؤوس الأموال في حال التطبيق.
وفي سياق متصل، قال المستشار الاقتصادي د. عبد الله الرمادي إن تعديل سعر الدولار الجمركي يقصد به صعودًا وكنت أتمنى أن يقصد به نزولًا في سعر الدولار، وأن يكون الرفع تدريجياً، معناها المبالغ ليست بالبسيطة إذا تمت بالتدريج وهذا في حد ذاته تضخم بامتياز في بلد وصلت فيه معدلات التضخم إلى ١١٤ ٪ .
وقراءة الخبراء الاقتصاديين أنها تجاوزت الـ ١٣٦٪ وهذا معدل ينذر بخطر، ويشل ويوقف حركة الاقتصاد لما يحدثه من انعدام للرؤية في المستقبل ولا يستطيع المستورد أن يستورد ولا المستثمر أن يستثمر، وهذا أخطر شيء وعجلة الاقتصاد تتعطل نتيجة لعدم وضوح الرؤية ويؤدي إلى هروب المستثمرين خوفًا من تآكل رؤوس الأموال، فضلًا عن سحب الكثيرين أموالهم من المصارف وشراء الأصول الثابتة كالذهب والسيارات وغيره، وبالتالي تتوقف عجلة الإنتاج، ويكون هناك عجز في إيرادات الدولة والركود ضرره بالغ على الاقتصاد. وقال الرمادي لـ (الصيحة): ما كان ينبغي الإقبال على هذه الخطوة لأنها تفاقم المشكلة الاقتصادية، وقال إن الدولار الجمركي الآن في حدود الـ ١٨، وهذا سعر غير واقعي، وشدد على أهمية أن يكون هنالك سعر صرف واحد لماذا تترك فئة الرسوم ثابتة وتحرك سعر الدولار، وهذه بدعة كان لوزارة المالية أن لا تدخل فيها، وهذا موروث من سياسات سابقة وسعر الصرف المتعدد علة لأزمة الاقتصاد منذ زمن طويل وما زالت مستمرة، كانت هناك سبعة أسعار للدولار، وهذه عملية مخلة لذا لابد من عمل رسوم جمركية مختلفة وتحريك الفئات، وإن لجوء وزارة المالية لهذا مرده للعجز في الموازنة وهذا يوفر لها موارد، ولكن له مضار كبيرة، لأنه يشعل المزيد من نار التضخم وصب للجاز على نار التضخم المشتعلة وحذر من المغالاة في هذه الزيادات.
من جانبه أكد مراقب للشأن الاقتصادي ــ فضل حجب اسمه ــ أن القرارات لا تتخذ هكذا لابد من دراسه مستفيضه لواقع الحال في البلادـ لأن تأثيراتها كبيرة، وينعكس ذلك على المواطن الذي اكتوى بنيران الغلاء وجشع التجار، وتوقع في حال تطبيق زيادة الدولار الجمركي خروج العديد من المشتثمرين من البلاد لأنهم لا يستطيعون المغامرة بأموالهم، لذلك لابد من دارسة كل الجوانب التي تخص هذا القرار.
وفي ذات السياق، قال الخبير الاقتصادي د. حسين القرني إن الدولار الجمركي هو رسوم حكومية تفرضها الدولة على الواردات، وقد تكون هذه الرسوم شاملة كل الواردات أو تكون هنالك استثناءات لسلع معينة والمعروف أن الدولار الجمركي يختلف عن الحسابي أو الرسمي للحصول على ايرادات من السلع المستوردة من الخارج، وقال في حديثه لـ(الصيحة) إن الفترة الأخيرة رفعت الحكومة الدعم عن الجازولين والبنزين بنسبة معينة، ولا زالت تتحدث عن رفع الدعم عبر الموانئ البحرية والبرية والجوية، لأن الدولار الجمركي يمثل مصدر إيرادات لخزينة الدولة ويدعم الميزانية وغالباً ما تستعمله السلطات في تحسين ميزانيتها وتحسب به الدخل لمقابلة مصروفات الحكومة، وأشار القروني إلى الآثار السالبة المترتبة على القرار من ارتفاع تكلفة الواردات التي تفرض عليها جمارك لتحسن من وضع الميزانية كلها من شأنها زيادة تكاليف السلع المنتجة محلياً، ومن المعروف أن زيادة الجمارك تؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات المحلية التي يتم إنتاجها من سلع مستوردة مما يؤدي إلى زيادة التضخم، وحينها يضطر المواطنون لترك شراء السلع وينخفض الاستهلاك لتلك السلع أو وقف الشراء، وهذا له انعكاسات اقتصادية واجتماعية كبيرة. وقال: إذا كانت الجمارك شاملة لكل الواردات يمكن أن يؤثر سلباً على كثير من الأنشطة والأعمال التجارية والصناعية والخدمية بسبب ارتفاع الأسعار وقد تكون له انعكاسات على مستوى عدد العاملين في النشاط المعين وشدد على ضرورة الموازنة بين الفوائد الاقتصادية والآثار الاجتماعية عند تطبيق أي رسوم جمركية على الواردات.