ما وراء !!
صلاح الدين عووضة يكتب :
وراء ما هو عادي..
أو بعض ما يبدو لنا عادياً – وطبيعياً – من حوادث…. وأشياء…. ورؤى…. ومرئيات ..
والبارحة كنت أقراً كتاباً….عادي ..
فتذكرت – عند فقرةٍ ما – أمراً حدث لي في زمان طفولتي الباكر… عادي… عادي جداً ..
ما هو غير عادي أن في ذياك الزمان كان عمري عامين فقط..
وأن الذي أرجعني إليه – كما آلة الزمن – كلمةٌ وردت في الفقرة هذه هي) مراجعة)..
طيب لماذا الآن فقط وهي كلمة عادية؟…ومرت علي كثيراً؟..
أو بعبارة أخرى : ما الذي جعل طاقة ذاكرتي تنفتح في هذه اللحظة على تلكم الذكرى؟..
إنه الطقس؛ لقد كان مماثلاً تماماً للذي حدثت فيه تلك الحادثة..
فهكذا يعمل الجزء الذي هو بمثابة مخزن للذكريات الأليمة – أو القديمة – من عقل الإنسان..
تحفزه كلمة… أو رائحة… أو طقس؛ فتكون بمثابة المفتاح..
المفتاح السحري الذي يفتح قفل طاقة بعينها؛ هي التي تكمن (ورءاها) الذكرى المعنية..
فعشت لحظات حادثتي تلك في كسر من الثانية ..
وهنا نحسب بحساب الزمان العادي؛ أما بغير العادي فقد كانت المعايشة ذات زمن طويل..
بطول الوقت الذي ذهبت فيه إلى جاري – وصديق طفولتي – صلاح..
ثم طفقنا نلعب… إلى أن دفعني – بلا قصد – نحو صفيحة ماء صابون يغلي على النار..
فانسكب جانب منه على معدتي… ما زالت آثاره باقية إلى الآن..
فتم أخذي إلى المشفى على عجل؛ وهناك سمعت عبارة (لابد من المراجعة بعد أيام)..
كل ذلك ولي من العمر سنتان فقط..
فما من ذكرى – في حياة الإنسان – تندثر عدماً ؛ وإنما تكمن في مخزن ذكرياته الما ورائي..
وحتى ما نسميه (النداهة) هو ذكرى ما ورائية..
مثل حادثة سماع اسمي يُنده به – ذات نهار بالبلد – من جوف مكان يبعد عن الطريق كثيرا..
وهو المكان ذاته الذي ناداني فيه طفلٌ قبل أعوام خلت..
فكل ما هو (ما وراء) قد يبدو لنا غامضاً…ومثيراً…وغير عادي ؛ بينما هو عادي جداً..
وحتى السياسة فيها غموض الـ ما وراء هذا أحياناً..
مثل ذاك الذي سُمي – في مصر – الرجل الذي (وراء) عمر سليمان…أواخر أيام مبارك..
بينما هو الرجل الذي كُلف بمهمة مراقبته ؛ ليقول الذي قال..
تماماً كما كان البشير – هنا في السودان – يتحدث عن العربة التي كانت وراءه يوم الانقلاب..
ولم تكن سوى العربة المكلفة بمتابعته حتى مبنى القيادة العامة..
ومن قام بتكليفها هم قادة الجماعة الإسلامية التي كانت (وراء) انقلاب الثلاثين من يونيه..
وفي أيامنا هذه هنالك (شخص) مثله يُظهر غير ما يبطن..
أو إن الذي يبدو للناس من أمامه – زهداً وطيبة وبساطة – هو غير ذاك الكامن من ورائه..
والكامن هذا عكس الظاهر؛ وهو الحقيقي..
أو – بعبارة مباشرة غير ذات ورائيات – طمع الانفراد بالأمر وحده ؛ دون الآخرين..
ومن أراد أن يرى حقيقة هذا الذي نقول فليحفز ذاكرته..
فسوف تنتفح في عقله طاقة ذكريات قريبة…قريبة جداً…ليعيش لحظاتها بتفاصيلها كافة..
تفاصيل التحشيد…. والتجييش…. والتلميع؛ ليكون الأول..
وهو الـ (ما وراء) !!.