د. الصاوي يـوسف يكتب :
الأزمات التي تحيط بالبلاد، من أزمةٍ سياسية جعلت البلاد تتجمد في نقطةٍ لا تقدم منها ولا تحول، وأزمةٍ اقتصادية جعلت الدولة تصل مرحلة العجز عن دفع المرتبات، ودعك عن توفير السلع الضرورية، وأزمةٍ مجتمعية جعلت الناس كلهم في حالة حرب وصراع مع بعضهم، وأزمة بيئية تتمثل في تراكم النفايات ومياه الأمطار والطين، وغيرها من أزمات شملت كل أوجه الحياة، هذه الأزمات لا ينكرها أحد ولا تحتاج إلى دليل ولا إلى تعداد وإحصاء، رغم اختلاف الناس حول تشخيص مسبباتها وطرق علاجها.
فما الحل؟ وما المخرج الممكن؟ حيث نحتاج مخرجاً قليل التكلفة، سهل التطبيق، ويقع في إطار الممكن والمستطاع.
لا أعتقد أن الحل هو في تغيير الحكومة، رئيسها أو وزرائها أو بعضهم. فالحكومة ليست أداة سحرية تستطيع بكوادرها أن تنجز ما أعجز الحكومات قبلها. والمشكلة ليست في شخص هذا الوزير أو ذاك. المشكلة هي في الطريقة التي نفكر بها وندير بها أمورنا. فقد كان تشخيصنا للمشكلة خاطئاً من أول يوم. إذ كان البعض يظن أن المشكلات كلها ستحل نفسها تلقائياً بمجرد زوال نظام الإنقاذ، وكان البعض يظن أن المشاكل ستختفي بمجرد قدوم هذا الخبير أو ذاك، والذي سيأتي معه بالسلام من أو ل وهلة، وبالعون الدولي الملياري من أول يوم، وبالسمن والعسل والتنمية والرفاه من أول لحظة.
الحل عندي أن يجلس بعض العقلاء من أهل المبادرة وأهل الحرص على بقاء وصلاح الوطن، كما كانوا يسعون فيما مضى بمقترحاتٍ للوصول إلى تسويةٍ مقبولةٍ في قضايا الانتقال. على هؤلاء الحكماء الآن أن يتداعوا إلى مؤتمر مصغر، يخرجون منه بمقترحات لإدارة الفترة الانتقالية، بدءاً من تحديد الوثيقة الدستورية الملائمة، وبرامج الحكومة ومهامها، وانتهاء بتحديد مواصفات الفريق الذي سينفذ تلك البرامج ويدير تلك الفترة. فالعلل معروفة، والحلول معروفة، ويبقى أن يتراضى الناس عليها، ويوثقوا ذلك توثيقاً يلتف حوله الناس ويؤمنون به، بعيداً عن التعصب للجماعة الصغيرة والعصبة والحزب، وبعيداً عن الهتافية والشعارات التي لا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت. ولنؤجل خلافاتنا إلى موضعها في حملة الانتخابات القادمة، ولنعمل الآن ببرنامجٍ قوميٍّ يمثل الحد الأدنى من المتفق عليه. فلا خلاف على ضرورة السلام والاستقرار، وسيادة حكم القانون، وحفظ الحقوق، وكرامة المواطن وحرياته، وتحقيق الانطلاقة الاقتصادية باستخدام مواردنا وطاقاتنا الذاتية، وتحرير البلاد من القيود والعوائق وكل أسباب التعطيل. إن الثورة الحقة هي فتح أبواب الأمل والعمل، والثورة الحقة هي عودة النظام والقانون، وإحقاق الحقوق. وهي ليست هتافات وشتائم وحرق لساتك وإغلاق الشوارع بالمتاريس، وهي ليست ناراً من الغضب والكراهية تحرق الجميع وتهد المعبد على رؤوس الجميع، بل هي تضحيةٌ وبناءٌ وصبر، وتراكمٌ للقليل المبارك حتى يصبح كثيراً، ورعايةٌ لشتلة النهضة حتى تغدو شجرة وارفة.
أوجّه ندائي هذا لقادة المجتمع، لا قادة الأحزاب، ولقيادات الفكر والقيادات الأهلية والدينية، ولقيادات القوات المسلحة بالمعاش، والشخصيات القومية المستقلة والحادبة على البلاد ومستقبلها، بعيداً عن تفكير العقول الصغيرة المحصورة في مكاسبها الذاتية والحزبية، وفي عقلية الحرب ضد الجميع، والفوز بكل شيء دون الآخرين.