الدجل والشعوذة في السودان بعبع ووهم يتعامل به الساسة والمثقفون والرياضيون
الخرطوم: عوض عدلان
أثارت التغريدة التي نشرها أمين المسلمي مدرب المريخ المقال على صفحته في الفيس بك بأن أعداء المريخ لجأوا للسحر والشيوخ والشعوذة لإقالته من تدريب النادي الكبير، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان مدى مقدار إيمان البعض بقدرة السحر والشعوذة على فعل أشياء قد تكون بعيدة المنال.
الإيمان بالسحر والشعوذة والدجل لا يتوقف على فئة معينة، بل يمتد تقريباً الى كافة فئات المجتمع من مثقفين وساسة ورياضيين وخلافهم وهناك قضايا أثارت العديد من ردود الفعل خلال السنوات الماضية.. وفي هذا التحقيق نقف على بعض تلك الآراء حول هذه القضية .
الرياضيون علي القمة
تجلس الأندية الرياضية والإداريون على رأس قائمة المتعاملين مع الشيوخ والسحر والشعوذة لكسب المباريات الصعبة والمفصلية. المحلل الرياضي الشهير كمال آفرو اعترف بذلك مؤكداً أنهم وفي إحدى المباريات أحضروا (فكي) بالطائرة من نيجيريا ونزل في أفخم فنادق الخرطوم واستلم جزءاً من الاتفاق مقدماً ورغم ذلك خسر الهلال المباراة.
وقال آفرو إن تجربة الأندية الرياضية في هذا المجال كثيرة وتحتاج لمجلدات وفيها يعتمد الدجال على الحظ فإذا انتصر الفريق نال أكثر مما يتوقع وإذا خسر الفريق فإنه يتعذر بالعديد من الأسباب الخارجة عن إرادته وبكل تأكيد لا يستطيع أحد مقاضاته.
السياسيون أيضاً
العديد من السياسيين خاصة في العهد البائد ظلوا يتعاملون مع شيوخ الدجل والشعوذة، يقول مدير مكتب وزير سابق إن الوزير الذي ظل يتنقل في العديد من المناطق الحساسة بالدولة كان يطلب منهم تغيير الكرسي الذي يجلس عليه عقب توليه منصباً جديداً فقد كان يخاف من (العمل) الذي ربما يكون موضوعاً داخل الكرسي، بينما كان يهرع إلى الدجالين إذا ما واجهته عوائق في العمل، وهذا الأمر يتعامل به العديد من المسئولين الآخرين.
حالة ضياع
خبير علم الاجتماع يوسف إدريس، تحدث عن هذه الظاهرة قائلاً: انتشار ظاهرة الدجل والشعوذة جاء نتيجة لحالة الضياع التي يعيشها المجتمع السوداني فضلاً عن التفكك الأسري بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الراهنة ما جعل الكثيرين يتشبثون بكل شيء حتى وإن كان وهماً، الأمر الذي أدى إلى انتشار ظاهرة الشعوذة والدجل، فحالة الضياع العميقة التي يعيشها البعض والتي تجسدت في حالة التفكك الأسري والاجتماعي التي تعاني منها كثير من الأسر نرى البعض يتعلقون بأي بصيص أمل من أي شيء أو أي شخص حتى وإن كان يمثل خطورة على حياتهم لأنهم في أمس الحاجة للشعور بالأمل ومستقبل باهر حتى وإن كان شعوراً مزيفاً.
ويواصل: إن المشعوذ قادر على دراسة الحالة النفسية لضحيته خاصة النساء لأنهن أسهل الضحايا ويسعين لتحسين أوضاعهن بالأخص إذا كانت فتاة غير متزوجة أو لم تنجب، فهنا يمكنها أن تصدق أي بريق أمل خاصة إذا أصابها اليأس من الطب والأطباء، لذلك تركض خلف المشعوذين.
البحث عن أمل
المشعوذون يزرعون الأمل في نفوس ضحاياهم حتى وإن كان وهماً، فهم يدركون كيفية التعامل مع المرضى عكس الأطباء، فضلاً عن أن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المجتمع والتي جعلت البعض يعانون من خلل في السلوك والعقائد والإيمان، فضلاً عن الفضاء الفكري والغموض خاصة في الطبقات الوسطى التي تعاني من عدم الاستقرار من كافة النواحي، وهذه الحالة سوف تنعكس سلباً أيضًا على المجتمعات العليا التي تعاني من الهلع، لذلك لجأ البعض إلى الشعوذة والدجل، وأيضا تطور الحياة أدى إلى تطور وسائل الدجل والشعوذة التي أصبحت تواكب التكنولوجيا.
وفي كثير من الأحيان تظهر الخدعة الجماعية كما حدث عن بئر القضارف التي تشفي وطفل رشاد الذي ادعى أهله قدرته على شفاء العديد من الأمراض، بل وصل الأمر إلى الادعاء بأنه يمكن أن يعالج شلل الأطفال وإعادة البصر للمكفوفين، وظاهرة العلاج بالكي في منطقة الكريمت وغيرها من الظواهر التي تظهر في بعض الأوقات.
بحث دائم
استشاري علم النفس دكتور محمد شكاك، حلّل الظاهرة من منظور نفسي، وقال إن الإنسان دائمًا ما يبحث عن الجوانب الروحية والغيبية ويحتاج اليها كجزء من تكوينه النفسي، وإنه بدأ بعبادة الأصنام والشمس وغيرها، إلا أنه اعتنق الإسلام، ولكن لازال يحتفظ بالجوانب الغيبية في دواخله، وقد أساء البعض تفسير الآيات القرآنية، وأصبحت مكان استغلال للمشعوذين والدجالين، لذلك ظهرت حالات الإصابة بالعين والسحر ووجود الجن وما تم ذكره في القرآن دعم هذا الجانب، فالإنسان يبحث عن هذه الأشياء لاعتبار أنها سبب مهم في حياته وتحقيق أهدافه.
والمشعوذ أو الدجال شخصية مضطربة واحتيالية ويتمتع بدرجة ذكاء عالية جداً بشكل مقنع ويهتم بشكله الخارجي وأدواته التي يعمل بها والحديث الذي يؤثر على الآخرين بصورة تجعلهم يصدقونه ويثقون به، وكلما زاد الضغط النفسي والمعاناة خاصة في المجتمعات الفقيرة زاد البحث عن الغيبيات للبحث عن الراحة النفسية.