الخرطوم- جمعة عبد الله
تعاني البلاد منذ فترة ليست بالقصيرة من صعوبات اقتصادية كبلت قدرة الحكومة علي معالجتها، ولا تنحصر الأزمات في جانب معين، فمن سعر الصرف المتهاوي يوماً بعد آخر، إلى غلاء الأسعار ونقص الوقود، ودقيق الخبز، وتذبذب الإمداد الكهربائي، وإشكالات لا تنتهي.
ومنذ مطلع العام الجاري تواصل اضطراب الأسواق، وشهدت حركة التجارة ومبيعات السلع تراجعاً ملحوظاً كما تراجعت القوة الشرائية لأدنى مستوياتها، فيما عانت متاجر الكماليات من ركود غير مسبوق، حيث اقتصر الشراء على السلع الاستهلاكية وبعض المستلزمات الضرورية.
وتشير الوقائع حسب البيانات الرسمية إلى منطقية هذه الأزمات في ظل تراجع الإنتاج المحلي بكل القطاعات.
وبشكل عام ينتج السودان 55 بالمائة من احتياجاته من المشتقات النفطية المختلفة، يقل فيها حجم الجازولين بشكل كبير، و30 بالمائة من حاجة الدواء، و 25 بالمائة من القمح المخصص لدقيق الخبز، فيما يكلف سد فجوة الدواء المقدرة بـ 70% بالمائة من الحاجة 600 مليون دولار، مقابل ملياري دولار للدقيق.
وبنظرة سريعة على هذه الأرقام لا تجد الحكومة خياراً سوى سد الفجوة بالاستيراد، لضمان توفير هذه السلع للمواطن، ولا تعجز الحكومة عن سد هذا العجز، لكنها تعجز عن توفير الاعتمادات المالية اللازمة لمقابلة تكاليف الإنتاج، مع شح النقد الأجنبي.
وتشهد البلاد منذ عدة أشهر، أزمة اقتصادية غير منكورة، تمثلت أبرز انعكاساتها في تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع التضخم والأسعار الذي شمل كل السلع دون استثناء بنسب تتباين بين “150 – 300%”، مع أزمة سيولة سببت ركوداً بائنًا في النشاط التجاري، مما أدى لإرغام المواطنين على حصر احتياجاتهم في خيارات أقل تشمل السلع الأساسية أولاً.
وتباينت أسعار السلع الاستهلاكية، رغم وفرتها النسبية، حيث يباع جوال السكر الكبير بـ “3600” جنيه، كما ارتفعت أسعار الزيوت والنشويات والمواد الغذائية والحبوب بنسب متفاوتة، وشهدت أسعار الخضروات استقراراً على أسعار مرتفعة وبلغ سعر كيلو الطماطم 200 جنيه، ونفس الأمر لمواد البناء حيث تراوح طن الاسمنت بين “23- 24” ألف جنيه، والسيخ “95- 110” ألف جنيه، كما ارتفعت تكاليف المعيشة بارتفاع أجرة السكن وتكلفة النقل والمواصلات.
وحذرت خبيرة الاقتصاد، د. إيناس إبراهيم من خطورة تجاهل الوضع الاقتصادي الحالي، وقالت لـ “الصيحة”، إن الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية حقيقية تشكل أرضية لإصلاح الوضع المعيشي للمواطن وتجنب انفلات الأوضاع في حال استمرار الأزمة هكذا دون حلول جذرية، وقالت إن البيئة الاقتصادية الحالية لا تساعد على تحقيق أدنى طموحات المواطنين، ودعت لأن تشمل الإصلاحات المقترحة، التركيز علي المشروعات الإنتاجية خاصة الزراعة وما يتصل بها من الصناعات التحويلية، ورفع حجم الصادرات وتذليل العقبات الحكومية أمام المنتجين والتي قالت إنها تتمثل في تعدد الرسوم والجبايات لحد أخرج الكثيرين من دائرة الإنتاج لصعوبة العمل في ظل أوضاع غير محفزة للإنتاج وكثيرًا ما يتكبدون الخسائر.
وتتمثل إحدى أهم مشكلات البلاد في التزايد السنوي لمعدل الاستهلاك مع تناقص الإنتاج أو بقائه على معدل ثابت لعدة سنوات، وهو ما يتجلى بالفعل في قطاع المشتقات النفطية، حيث أثر نقص الوقود المنتج في مصافي التكرير في مشكلات، أما مشكلة نقص الأوراق المالية فكانت عرَضًا لمشكلات أخرى مثل ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية وتراجع قيمة العملة الوطنية بسبب المضاربات فسعى البنك المركزي لمعالجتها عبر التحكم في ما توفر من كاش بالبنوك.
ويقلل أحد وكلاء وكيل الدقيق سابقاً، بإحدى محليات الخرطوم، تحدث لـ “الصيحة” ـ مفضلاً حجب هويته ـ من فاعلية زيادة حجم الدقيق دون التشديد في معايير الرقابة، مرجعاً سبب الشح لتغير وعدم ثبات سياسات استيراد الدقيق والقمح، موضحاً أن قرارات وسياسات الحكومة المتضاربة والتي تتغير كل حين لها دور كبير من الأزمة الحالية، داعياً لوضع سياسات مرنة تراعي استيراد الدقيق جاهزًا وتنظيم الاستيراد وتطوير نظام طحن القمح المنتج محليًا.
ويقول التاجر، عبد الباقي الشيخ حسين، صاحب محل إجمالي بالخرطوم، إن ركود السوق “ليس جديداً” رغم زيادة حدة الركود بسبب تردي الوضع الاقتصادي خلال العام الاخير، وقال إن أسباب الركود متعددة، موضحاً أن الغلاء يتصدر هذه الأسباب، بالإضافة إلى الوضع المعيشي الذي يواجهه أغلبية المستهلكين، مشيراً إلى أن غالب المتوافدين على الشراء يبتغون السلع الأساسية التي تنحصر في السكر والدقيق والزيوت والشاي وبعض الأغراض المنزلية اليومية.