محيي الدين شجر يكتب :
اعتراضات وإغلاق للطريق القومي الذي يربط البحر الأحمر بالعاصمة الخرطوم من قبل محتجين على تعيين ولاة في ولايات القضارف وكسلا والبحر الاحمر ..
يجب أن نسلم أولًا أن مثل تلك الاعتراضات لم تكن موجودة طوال فترة النظام المخلوع، حيث لم نسمع ان مجموعة ما لها رأي في أي والٍ من ولاة تلك الولايات الشرقية، إن كان من مواطني الولاية أو من غيرها.. فحكم البحر الأحمر كل من أبو علي المجذوب ومحمد طاهر إيلا وحاتم الوسيلة وعلي أحمد حامد وآخرين.. وحكم كسلا إبراهيم محمود وآدم جماع وصلاح علي آدم وغيرهم.
وحكم القضارف إبراهيم عبيد الله والمرحوم ميرغني صالح وكرم الله عباس الشيخ وآخرون. ..
كما يجب أن نقر أن من نتائج الثورة الظافرة أن يخرج الناس معترضين أو مؤيدين ولا يقابلون بالكبت والقتل والقنابل المسيلة للدموع. ..
ولكن في نفس الوقت علينا أن نمارس الحرية في معناها الحقيقي بالتظاهر والمسيرات دون إحداث أضرار بالدولة السودانية بأن يعبر المحتجون عن آرائهم في المدن لا بقطع الطرق القومية وإحداث الأضرار بحركة السير ..
أنا لم أجد سبباً مقنعاً لخروج أولئك على ترشيحات الولاة في تلك الولايات الثلاث لسبب بسيط أنهم مؤقتون وفي فترة انتقالية وجاء ترشيحهم من قبل تجمع الحرية والتغيير كما تنص الوثيقة الدستورية وبالتالي لا مجال للاعتراض بما أن الاختيار تم وفق الأسس المتفق عليها .. إلا إذا كان اعتراضهم مبنياً على سبب قبلي بحت.
ومع احترامي الشديد للناظر ترك ناظر عموم قبائل الهدندوة، فإنه لم يكن موفقاً في اعتراضه أو في رفضه لوالي كسلا الجديد صالح عمار.
والناظر ترك رجل يجد منا كل الاحترام لقيادته قبيلة محترمة ولها تاريخ ناصع وتليد، ولكن الترشيحات لم تكن ترشيحات قبلية، كما كان يفعل النظام المخلوع ليعترض، بل هي ترشيحات ذات أسس مختلفة ولأجل أهداف محددة تم التوافق عليها داخل مكونات الحرية والتغيير والمجلس السيادي . لقد قال ترك معلقاً على اختيار والي كسلا: القضية ذات أبعاد معروفة للقاصي والداني، ورأينا واضح تحدثنا عنه بكل شفافية، وقلنا للمركز قبل فترة كافية من تعيين الولاة يجب ألا يتم اختيار والٍ لكسلا من المكونات التي تجمعها خلافات مع قبائل أخرى، لأن هذا من شأنه تأزيم الأوضاع ولن يصب في مصلحة الشرق عامة وكسلا على وجه الخصوص، ولكن الحكومة ضربت بوجهة نظرنا العميقة عرض الحائط ومضت في طريقها واختارت الوالي.
وأضاف قائلاً: لماذا لا يذهب عمار إلى ولاية أخرى، فنحن لسنا ضد تعيينه في شخصه) انتهى حديثه.. )
إن السودان لن تقوم له قائمة ولن يعرف درب التقدم إلا إذا ابتعدنا عن القبلية وفارقنا العنصرية التي أحدثت شرخًا واسعاً في المنظومة المجتمعية وبخاصة في شرق السودان.
وللتاريخ أقول إن كل قبائل الشرق قبل مجيء الإنقاذ كانت تعيش في بوتقة واحدة يربطهم الهم المشترك وأواصر القربى بل كل العموديات والبطون متداخلة وبينها روابط اسرية.
ولكن سياسة الثلاثين عاماً الماضية والتي نفذت تحت شعار فرق تسد هزمت كل القيم وأصبحت القبلية هي المسيطرة على عقول الناس ولم تسلم كل الولايات من داء القبلية بما في ذلك الولاية الشمالية لنسمع أن ذلك المسؤول دنقلاوي وذاك شايقي.
كل العالم تطور حينما ترك القبلية جانباَ واحتكم إلى سلطة القانون ولا شيء سواه.
لقد ألغى الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري نظام الإدارة الأهلية برمته، لأنه رأى أن البلاد تتطور بالقوانين لا بالرجاءات والترضيات وحقق نتائج باهرة.
وحينما جاءت الإنقاذ بانقلابها المشؤوم أعفت كل القيادات الأهلية واستعاضت عنهم بقيادات أخرى لتحركهم بأصابعها تنفذ بهم برامجها.
بل إن الصراع القبلي وصل أشده إبان فترة الإنقاذ وبخاصة بولاية البحر الأحمر حينما كان هنالك تمييز بين القبائل وتعمير لمناطق تلك القبيلة وإهمال للأخرى.
لقد أرست الإنقاذ نظاماً قبلياً يفرق أكثر مما يجمع يزرع الفتن أكثر مما يبث الطمأنينة.
إن ما يدور في الشرق الآن من توترات ما كانت لتقوم إذا كانت الحكومة المركزية على قلب رجل واحد.
إن الشرق يكتسب أهمية كبرى لموقعه الاستراتيجي ولتوسطه دولاً تفكر في مصالحها قبل اي تفكير آخر ولهذا يبقى عرضة للمحاور، مصر من جهة والسعودية من جهة وارتريا من جهة ثالثة، وجميع تلك الدول لها مصالح ترعاها وأطماع ترجوها من الشرق.. وهنالك من يضع الحطب على النار المشتعلة ويمدها بالأكسجين لتزداد النار اشتعالاً.
نعم، ما يجري في الشرق لم ينفجر من فراغ، وهنالك من يحاول استثمار أي سانحة لتمرير أجندته. وإذا عينوا شخصاً غير صالح عمار لوجد اعتراضاً أيضاً ورفضا من آخرين.
دعونا يا اهل الشرق نستجيب للقوانين ونحترم اختيارات الحرية والتغيير حتى وإن كانت خاطئة ونراقب بعد ذلك أداء الولاة ومن ثم نقرر لنحافظ على مكتسبات الثورة وأن لا نغوص في مستنقع القبلية الدامي.
إن الشرق لا يحتمل الصراع، والثورة جاءت لأجل تغيير المفاهيم البالية والصراع يؤدي إلى الفتنة.
وفي تقديري الخاص أقول إن صالح عمار الذي بدأ مسيرته برسالة لأهل كسلا هو اختيار موفق لأنه تحدث عن تصالح وتوافق بين مكونات الولاية.. جاء يحمل الخير لكل أهل كسلا ويريد أن يثبت بأنه جدير بالمنصب.
دعوه يرسي السلام الذي كان راسخاً بين أهل الشرق..
أما الحديث عن مؤهلاته وعدم استحقاقه المنصب فإنه حديث مردود فمن قبل حكم أميون الولايات ولم يعترض أحد.
هي فترة محدودة.. فاحكموا عليه بعمله.