الطاهر ساتي يكتب:
:: وفي الذاكرة، في خِضم ثورة إسقاط النظام، كان هناك نشاطٌ أسبوعيٌّ في جدول تجمُّع المهنيين تحت مسمى (ح نبنيهو)، حيث كانوا يدعون الثُّوّار إلى إصحاح البيئة في أحيائهم وأسواقهم.. وكان الثُّوّار يُلبُّون النداء – في طول البلاد وعرضها – بهِمّةٍ ونشاطٍ.. سقط نظام البشير، وأصبح تجمُّع المهنيين هو النظام الحاكم، وكذلك سقط ذاك النداء – ح نبنيهو – من جدول أعمال تجمُّع المهنيين، والذي أصبح تجمُّعيْن مُتنافريْن، يتصارعان حول حساب “فيسبوك”..!!
:: ثم صراعٌ عنيفٌ حول قضايا ليس من بينهما قضية (ح نبنيهو).. وكما انشغل تجمُّع المهنيين – لحد الانشطار – بالسياسة والأجندة الحزبية، انشغل الثُّوّار بالمواكب السِّياسيَّة أيضاً.. لم نسمع نداءً للتجمُّعيْن – أو نرى لهما موكباً – من أجل الإنتاج والبناء، رغم أنّ أزمة السودان الكُبرى في عدم البناء وقِلّة الإنتاج.. فالبذل في ساحات البناء كان يجب أن يكون بذات قُوة البَذل في ساحات الفداء.. فالبناء ليس (فرض كفاية)، بحيث يُشارك فيه البعض ويسقط عن الآخرين..!!
:: وكما قاد الشباب في معارك الثورة بوعي ووطنية وحماس، كُنّا نأمل أن يتواصل نداء تجمُّع المهنيين للشباب في معارك التنمية والبناء بذات الوعي والوطنية والحماس.. وعلى سبيل المثال الراهن، التحسُّب لمخاطر السيول والأمطار بالمدن والأرياف بالسواعد والمعاول كان يجب أن يكون تحدياً للشباب في أرجاء البلاد، لتجتاز البلاد فصل الخريف بأمان.. وهذا ما لم يحدث.. فالبرك الآسنة تغرق المُدن، والسيول تجرف القُرى.. وتجمُّع مهني يبايع الحلو والخطيب، والآخر يتابع الميرغني والتوم هجو..!!
:: فالخريف رمزٌ للخير والنماء، لو تحسّبنا لمَخاطر أمطاره وسُيوله وأحسنّا استغلال مياهه.. ولكن في موطن عقول السلطات التي لا تتقن التفكير الاستباقي، صار الخريف رمزاً للكوارث ومصدراً للخوف والصراخ.. وليس في الأمر عجب، هكذا دائماً الحال بالدول التي لا تعرف معنى التحسُّب للأزمات المُوسمية.. واليوم (نبصم بالعشرة)، لم يُبادر أي مُكوِّن من مُكوِّنات الحكومة – طوال أشهر الصيف والشتاء – بالتفكير في تجهيز نُمُوذج من نماذج التّعامل الجيد مع مخاطر أمطار وسيول هذا العام، وكذلك لم يُبادر أيِّ مُكوِّن من مُكوِّنات الحكومة بالتّحسُّب والوقاية..!!
:: التفكير الاستباقي الذي يتحسّب لمخاطر الأشياء، كان ولا يزال مَفقوداً في عُقُول أجهزة وسُلطات الدولة، وغائباً أيضاً في مُكوِّنات الحكم، ولذلك تتجلّى – في مثل هذه الأيام – من مشاهد وأحوال الناس والبلد ما تبكيك دماً ودموعاً.. فالخريف لم يكن في أيِّ مُوسمٍ من المَواسم، ولا في أيِّ بلدٍ من البلاد، رمزاً للخَراب والدّمار، ولكن في بلادنا فإنّ الخريف مُوسمٌ للمراثي والاستجداء.. قُرى بأكملها تتوسّد مجاري السيول، ولم تجد من يُبادر بتوفيق أوضاعها بالتخطيط والتوزيع، بحيث لا تجرفها السُّيول..!!
:: وشوارع المُدن تحتفظ بمياه الأمطار لحين التبخُّر، وليس هناك مَن يُبادر ويحث المُجتمعات بتحسين أحوال ميادينها وشَوارعها، بحيث لا تتحوّل إلى بحيرات ومُستنقعات.. ثُمّ أنّ التخلُّص من البِرَك الآسنة بعد هُطُول الأمطار ليس بحاجةٍ إلى مؤتمر أصدقاء السودان أو سمنار أعداء السودان.. طاقات الشباب قادرة على إصحاح البيئة ودرء الكوارث، وكل المطلوب قيادة واعية تستغل هذه الطاقات لصالح الوطن والمُواطن، وليس فقط لصالح الأحزاب..!!