تقرير- نجدة بشارة
في الوقت الذي تترقّب فيه كافّة الأطراف السياسية والعسكرية، التوقيع على اتفاقية للسلام الشامل بين الحكومة وحركات الكفاح المُسلّح بجوبا، وبعد أن عادت الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو مجدداً للجلوس على الطاولة التي غادرتها مراراً وتكراراً مُغاضبةً، ورغم إعلانها عن التزامها بوقف إطلاق النار، تفاجأ مواطنو جنوب كردفان بتجدُّد الاشتباكات المسلحة في منطقة “خور الورل” بالولاية، جنوب شرق مدينة الدلنج وهي من المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية – شمال. و راح ضحية هذه الاشتباكات عدد من الضحايا، بجانب نهب وتدمير المُمتلكات العامة والخاصة. وبالمقابل، فإنّ القوات المسلحة، والحركة الشعبية – تبادلا الاتهامات بشأن هذه الاعتداءات، فما الذي يجري في جنوب كردفان؟
تَوتُّر مُتصاعدٌ
قالت القوات المسلحة في بيان لها، إن قوات تتبع لمجموعة الحلو، نصبت كمائن وزرعت ألغاماً في طريق مرحال لرعاة كانوا في طريقهم من الجنوب إلى الشمال ومعهم قوة من الجيش تعمل على حراستهم وذلك بمنطقة “خور الورل” بولاية جنوب كردفان، لكن الحركة الشعبية أشارت في بيان لها إلى أن القوة العسكرية المُرافقة للمرحال استخدمت القوة من أجل عبور المرحال المُتّجه إلى مناطق القوز ما تسبّب في نزوح العديد من المُواطنين من مناطق (رجل المرافعين – الظلطايا) ومناطق أخرى. وأوضحت في البيان أنّ هذه الخروقات نفسها حدثت في 14 أكتوبر 2019 ممّا أدّى إلى انسحاب الوفد من المفاوضات.
ما وراء الحدث:
يقوم عادةً الرعاة من القبائل العربية في مرحلتين خلال العام يطلق عليهما “المرحال”، تكون الأولى من الجنوب إلى الشمال خلال أشهر هطول الأمطار من يوليو إلى سبتمبر، ومن الشمال إلى الجنوب أكتوبر وحتى يونيو. وكثيراً ما تقع اشتباكات بين القبائل العربية من الرُّحّل وقبائل أفريقية من المزارعين. وفي أكتوبر من العام الماضي 2019، وبعد سقوط النظام المعزول وقعت ذات الاشتباكات في فترة عبور المرحال، مما أدّى إلى انسحاب الحركة الشعبية من الانسحاب من طاولة جوبا وتصاعدت التوتُّرات حتى كادت أن تخرج عن السيطرة؛ لكن زيارة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، التاريخية إلى مدينة “كاودا” بولاية جنوب كردفان (جنوب) معقل التمرد للحركة الشعبية – شمال وجدت الارتياح والقبول من مواطني جنوب كردفان ومن الحركة نفسها.
وتحدث مُتابعون يومها عن بُشريات اكتمال ملف السلام وحقن المرارات والغُبن مع العهد الجديد للثورة والحكومة الانتقالية، وكبادرة لحُسن النوايا، أعلنت الحكومة السودانية من جانبها وقف إطلاق النار، ثم شرعت حركة الحلو للتفاوض في جوبا وطرح مطالب أهل جنوب كردفان.
إلى أين؟
في المُقابل، استنكر المتابعون على منصات التواصل الاجتماعي هذه الاعتداءات، في الوقت الذي تتوحّد جهود الحكومة والحركة للتوصل إلى سلام شامل ينهي سنوات الحرب ويحقن الدماء.. وتساءلوا عن مُستقبل السلام بالمنطقة إلى أين؟ في ظل تجدد الصراع؟ ولفت بيان الجيش السوداني الى حساسية الظروف التي تجدّد فيها النزاع، ووصف البيان الأحداث (بأنها أتت في وقت مُحادثات السلام جارية في جوبا، وهنالك وقف لإطلاق النار من جانبها)، واستنكر البيان أنه في الوقت الذي تستمر فيه إجراءات بناء الثقة بين كافة الأطراف وفي ظل مفاوضات السلام الجارية في جوبا، إلا أن البيان أكد على أنهم ملتزمون بواجب التأمين اللازم لحركة المُواطنين وضمان ممارسة حياتهم الطبيعية وحمايتهم مع الالتزام التام بوقف إطلاق النار وإجراءات بناء الثقة.
أحداث عابرة
وقال المحلل السياسي والمراقب لعملية السلام د. عبد الله آدم خاطر لـ(الصيحة)، إن قضية السلام أصبحت استراتيجية ودستورية مُسلّم بها، لذلك لن تؤثر الأحداث الإثنية المحلية والمتكررة، ولا تعني تليين إرادة السلام أو التأثير على مسيرته؛ سواء كان من جانب الحكومة السودانية أو الحركة الشعبية، وقال خاطر أرى أن ليس هنالك أيّة فرصة من الجانبين للتراجُع نتيجة لأحداث قبلية عابرة، خاصةً وأن قضية السلام أصبحت دولية ويترقّب العالم التوقيع والاتفاق عليها في الأيام القريبة القادمة.
إدانة واستنكار
فيما أدان واستنكر، فصائل العائدين بالداخل من الحركة الشعبية، الكفاح المسلح، الأحداث التي وقعت بجنوب كردفان، وحمّلوا الطرفين الحركة الشعبية والحكومة، تجدُّد الاشتباكات في ظل وجود تعهُّد من الطرفين بوقف إطلاق نار قانوني واتفاقيات ملزمة، وأرجعوا الى أن أسباب هذه الصراعات تعود للإثنية والحزبية التي باتت تُشكِّل معضلة حقيقية أمام السلام. وقال عضو الحركة الشعبية المنشق سعودي عبد الرحمن محمد يحيى في حديثه لـ(الصيحة): على الأطراف أن تُقدِّم تنازلات حَقيقيّة في هذه المرحلة مع ضرورة رفض الانحياز من كل الأطراف، ويجب احترام الاتفاقيات التي يُوقِّعها قياداتهم في جوبا، وقال ان الحكومة حتى الآن لم تستطع أن تقدم اختراقا حقيقيا لملف السلام ولم تطرح حلولا جذرية لقضايا المُواطنين، ووجّه العائدون رسائل إلى المجلس السيادي البرهان وحميدتي، بأن السودان الآن أمامه فرصة تاريخية بفرض السلام فرضاً على كل الأطراف الآن، وإلا انفرط العقد وسيصعب حينها إيجاد فرص جديدة.