الانتهازيون.. كيف يتلوَّنون؟
الخرطوم: صلاح مختار
الأزمات قد (تولد) الانتهازيين، أو ربما هكذا فسّرت بعض القوى السياسية من الأحزاب، وبينهم شركاء الحكومة السابقة، الأوضاع الهَشّة والأزمات ليستغلوا بها ظروف البلاد المُتمثلة في تدهور الاقتصاد، وجائحة كورونا، لاقتناص الفرص (والاصطياد في الماء العكر)، بمحاولة كشف سوءات الحكومة الانتقالية ومواضع الضعف فيها، ليزيدوا من رصيدهم السياسي. ومؤخراً نشط بعض السياسيين من داخل هذه الأحزاب في انتقاد الحكومة بالحديث سراً وجهراً عن ضعف أدائها، حتى إنهم حدّدوا ميقاتاً لقرب أوان زوالها..!
ربما الحديث الغاضب الذي انتقد فيه نائب رئيس المجلس السيادي رئيس اللجنة الاقتصادية الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والذي أكد فيه أن العمل الاقتصادي يدار حالياً وفقاً لمصالح و(لوبيات) هي ذاتها كانت تعمل مع النظام السابق لكنها (تلونت) وفقاً للتغيير الذي حدث. وأشار إلى أن هذه المافيا تعمل على تدمير البلاد بسرعة، مؤكدًا امتلاكه أدلة تثبت تورطها في أعمال مضرة بالاقتصاد، وأفاد أن القائمين على أمر المافيا يظهرون بمظهر العفة إلا أنهم مجرمون.
إذاً كيف يتلون الانتهازيون للوصول إلى منصة المصالح الذاتية أو الشخصية، وما هي المنصات التي ينتقلون منها لتحقيق مآربهم وهل الحالة مرضية أم طبيعية؟
القيادات النفعية
يعزو بعض المراقبين صعود ظاهرة الانتهازية إلى فترة الإنقاذ والتي قالوا إنها عمدت إلى استخدام سياسة تفكيك الأحزاب وتشظيها وتقسيمها من خلال استخدام سياسة الترغيب والترهيب لاستمالة بعض القيادات النفعية لإضعاف الحزب، ثم الإجهاز عليه، ربما تلك الخاصية كانت واضحة مع الأحزاب الكبيرة مثل حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي اللذين تشظيا لأكثر من حزب ومسمى مما أفقدهما كثيرا من نقاط القوة والثبات في مواجهة الأزمات، ومنها انتقل بعض قياداتها للمشاركة في الحكومة والدفاع عن شعاراتها، وعندما طالب البعض بالانسحاب منها واجهت بالرفض، ويقول مصدر لـ(الصيحة) إن المؤتمر الوطني كانت لديه حوارات مع معظم القوى السياسية الموجودة، الآن البعض منها شارك في الثورة، وقال هنالك لجان تشاور بينهما، وأكد أن كثيرا من القيادات التي تعمل الآن كانت لها بصورة أو باخرى اتصالات وعلاقات بالوطني، بيد أنه أكد أن ذلك ليس جرماً بوجود انتهازية، مبينًا أن بعض تلك القوى كانت تعمل وفق اتفاق، ولكنها آثرت المعارضة من الداخل حتى إسقاط النظام، وأكد أن الإنقاذ مكنت لعناصرها في الحكم والإدارة والاقتصاد مبيناً أنها موجودة، ولكنها تتلون وفق معطيات الواقع السياسي الآن، وقال: هي تعمل مع كل الأنظمة وليس لديها ولاء.
تذويب داخلي
ولأن السياسة لا ثوابت لها ولا تحكمها الأخلاق، بالتالي تصبح مدخلاً لكثير من الانتهازيين وتجار الحرب وسماسرة الكوارث, ولذلك عندما انشطرت الحركة الإسلامية في التسعينيات بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، فضلت بعض القيادات العودة إلى الحاضنة القديمة، فيما أنتجت الحوارات التي كانت تجريها مع القوى السياسية إلى توظيف بعض القيادات وتذويبها داخل واجهات التنظيم.
مجرد خطة
سبق لرئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي، الإشارة إلى قناعة كثير من الأحزاب والقوى السياسية بفشل الحكومة الانتقالية، خصوصاً حزبي الأمة القومي والمؤتمر السوداني، اللذين يسعيان إلى واقع جديد يحقق طموحات أهل السودان، ليس ذلك فحسب، حيث نشط عددٌ كبيرٌ من سياسيي أنصار النظام السابق وشركائهم من الأحزاب السياسيين على منصات التواصل الاجتماعي من توجيه انتقادات لاذعة للحكومة بسبب مطالبها لإغلاق العاصمة تحسباً لجائحة كورونا، وشرعوا بالطعن في مصداقيتها، لدرجة التقليل من خطورة كورونا، والذهاب في اتجاه أن الدعوة للحظر الشامل مُجرّد خطة لجأت إليها الحكومة لإخفاء آثار الانهيار الاقتصادي.
وتساءل متابعون عن تأثير مثل هذه الممارسات السياسية التي وصفوها (بالرخيصة) في التأثير على حكومة حمدوك؟ ولماذا يلجأ بعض السياسيين إلى الانتهازية والحيل السياسية في إظهار ضعف الحكومة مقابل تلميع أحزابهم على حساب إحباط المواطن؟.
الانتهازيون هُم
لم يذهب بعض المُحلِّلين بعيداً ورأوا أن شماتة الأعداء الآن باتت أشد وطأةً مما اقترفوه من المظالم في عهدهم البائد، وقالوا إن كثيراً من أنصار النظام السابق أصبحوا انتهازيين يتقنون فن تفصيل الأقنعة، وقادرون، ومن دون حياء أو خجل بأن يقدموا أنفسهم مجدداً (ليبعثون) رغم سقوطهم المشهود، والانتهازيون من أحزاب الفكة، لديهم قدرة فائقة على تمييز الأكتاف ونوعيتها، فهم يعرفون جيداً الكتف التي تُؤكل، والأخرى التي يربت عليها، والضعيفة التي يتسلّقونها ليصعدوا عليها. ولفت بعض المراقبين إلى نشوء ظاهرة الانتهازية من خلال جولات التفاوض في جوبا حيث أكدوا أن بعض القوى الضعيفة سياسياً وعسكرياً في الميدان آثرت التواجد في ميدان التفاوض للحصول على مكاسب سياسية في أي اتفاق سلام مقبل، بل إن بعض الوسائل التي تشكل عنصراً مهماً لسطو الانتهازية هي وسائل الإعلام، حيث أكد أن بعض تلك القوى تركز تواجدها على وسائل الإعلام والوسائط الإعلامية أكثر مما في الواقع السياسي والاجتماعي الداخلي، ولذلك حريصة على أن تكون بين ردهات التفاوض بمسميات مختلفة، ولكنها في الواقع ظاهرة سياسية ليس إلا. وتلجا بعض الانتهازية السياسية إلى توظيف الواقع المعطوب في تشويه الصورة النمطية للواقع.
أسس وأخلاق
ويرى المحلل السياسي عبد الرحمن أبو خريس، أنّ الممارسة السياسية في السودان تفتقر إلى أخلاقيات الممارسة وسط بعض السياسيين، حيث يسعى بعضهم إلى توظيف الأحداث والأزمات التي تُواجه الحكومة لتقليل أدائها ونعتها بالضعف، وأردف في حديث لـ(الصيحة): إن الأحزاب المعارضة في السودان على السواء السابقة والحالية، تتقن ذات الممارسات دون النظر بالاعتبار إلى الوطن والمُجتمع، وكأنها ضده، وأن الصراع السياسي في السودان ليس قائماً على الأسس والمبادئ، وقال إنّ الأوضاع الصحية الآن ظاهرة عالمية لا تقتصر على بلادنا، وكان حرياً بالسياسيين التضامُن الآن على الأقل مع الحكومة وترك مُمارسة (لعبة المصالح) حتى انجلاء الأزمة ثم لكل حديث مقال.
الجانب الأكبر
عقب الثورات عادةً ما ترتفع توقُّعات الناس إلى عنان السماء، وعادة ما تعجز أيّ سلطة انتقالية عن تلبية الجانب الأكبر من هذه الطُموحات، وهو ما يؤدي إلى انتكاسة أو ميلاد نظام يكون في بعض الأحيان أكثر هَشاشةً، وبالتالي يُساهم في نشاط المُعارضة المُضادة التي تَسعى للاستثمار في هذه الثغرات من الأزمات التي ورثتها حكومة الثورة، لتُواجهها بها لتقصير المرحلة الانتقالية، ويقول أبو خريس وصحيحٌ أنّ السلطة الانتقالية بحكم التعريف بها هي في الأساس سُلطة ضعيفة، لأنّها من ناحية غير مُنتخبة، ومن ثَمّ ليست مطلقة اليد بشكلٍ كاملٍ كسُلطة تنفيذية وفق نظام التوازن والمُحاسبة الذي يضمنه وجود سُلطات ثلاث مستقلة: التنفيذية والتشريعية والقضائية، إلا أنّ الانتهازية السياسية عُرفت على أنها الممارسة الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف، وهناك من رأى أن الانتهازية تحوّلت في الحياة العامة إلى سلوك بشري تُمارسه شريحة من الناس هم أرباب مصالح.
بورصة سياسية
المحلل السياسي د. عبد الله آدم خاطر، قال لـ(الصيحة) إنه من الصعب أن نتحدث عن الممارسات والصراع الذي يدور في الساحة السياسية الآن بأنها حالة انتهازية سياسية كاملة، خاصّةً وسط ما نعانيه من صُعُوبات وأزمات حالياً، وفي ظل خروج البلاد من أزمة ضخمة، هي أزمة نظام، ظل يجثم على صدرها ثلاثين عاماً.. وهذا يتطلب الكثير من الجُهُود لإعادة بناء الدولة، وبذلك الاعتماد على قُوة العمل المُشترك في التّواصُل بين القيادة والقاعدة الشعبية وهذه مثلها والبورصات تعلو وتهبط، وأعتقد أنّ الموالين للنظام السابق، (يطربون) لمثل هذه الأزمات، للاستثمار في مكاسبهم الذاتية..!
منصات الانطلاق
الصورة التي ينطلق منها الانتهازيون ليست ثابتة وتفتقر الى الثوابت التي تعطي المصداقية لأي عمل وعندما كانت الثورة في أيامها الأولى كان الإجماع يلتف حولها ربما أن المصائب تجمع المصابينا يرى مصدر لـ(الصيحة) مع مرور الوقت ـصبح الملل يدب في اوصال الانتهازية التي كانت تنظر إلى النتائج قبل العائد، وتشكلت تلك الفئات في مواقع كثيرة بالدولة وقال: قد يكون هؤلاء امتداد للانتهازية التي تمددت من النظام السابق ولكنها لم تجد في النظام الجديد ما يسد رمقها بفعل إجراءات ثورية طالت مصالحها، وبالتالي تلجأ الى مصادر أخرى في تحقيق مصالحها تحت أي تنظيم أو تأييد أي من العناصر أو المكونات الداخلية أو تلجأ إلى إضعاف المكون الداخلي الذي كان ينتمي إليه أو استغلال الظروف الاقتصادية في إنهاك الاقتصاد أو إفشال الدولة.