محمد عثمان إبراهيم يكتب :
أسس الجنرال هيربرت كتشنر كلية غوردون التذكارية في العام ١٩٠٢م كمدرسة أولية ثم بعد أعوام قليلة صارت ثانوية، ثم أضيفت إليها دورات دراسية فوق الثانوي بغرض محدد وهو تخريج موظفين ذوي مهارات محدودة لمساعدة الحكم الإستعماري في إدارة البلاد بدلاً عن أو بالإضافة إلى المصريين والشوام وغيرهم. وقد أسماها على الجنرال تشارلسغوردون الذي كان قد قتل قبل أعوام قليلة في الخرطوم على يد جنود الإمام المهدي.
بعد استقلال البلاد تم ترفيع الكلية لتتحول إلى أول جامعة في البلاد ومنذ ذلك الوقت لم تكف الجامعة عن توفير ما تحتاجهم البلاد وما لا تحتاجهم من التنفيذيين الرفيعين والوزراء والحكام. حكم حزب جامعة الخرطوم (غير رسمي) السودان بشكل منفرد مرات عديدة باستثناء الرئيس إسماعيل الأزهري الذي تلقى تعليمه الثانوي في كلية غوردون والجامعي في الخارج، والإمام الصادق المهدي الذي لم يكمل دراسته فيها. وفي المرات التي فقدت الجامعة السلطة كانت تشارك القوات المسلحة كمعاون لها في الإدارة التنفيذية ويمكن ملاحظة هذا الأمر بشكل ظاهر في حكومات الجنرالات جعفر نميري وعمر البشير.
هكذا ظل حزب جامعة الخرطوم حاكماً منفرداً أو مؤتلفاً منذ استقلال البلاد وهذا وضع يشكل عبئاً على الجامعة وعلى طلابها، كما إنه بهذا المعنى شريك في الأزمة الوطنية التي ما برحت البلاد تعيش تحت وطأتها منذ رحيل الاستعمار قبل ٦ عقود ونيف.
***
من داخل حزب جامعة الخرطوم هناك شعب (كليات) تسيطر كل مرة على السلطة ففي عهودالزعماء المحجوب والأزهري ونميري كانت الأكثرية من دارسي الإنسانيات والمعارف النظرية، بينما يلفت النظر في عهد الإنقاذ تحكم (عصبيات) الكليات العلمية. وقد رأينا استئثار خريجي كلية الطب بنفوذ كبير في تبدلات عهد الإنقاذ مثل علي الحاج، ومجذوب الخليفة، وغازي صلاح الدين، ومصطفى عثمان إسماعيل، وإبراهيم أحمد غندور، ومحمد مختار حسن حسين، والطيب إبراهيم محمد خير (سيخة)، وعبدالحليم المتعافي وآخرين.
وحصلت كلية الهندسة أيضاً على نصيب لافت من السلطة ومن كبار ممثليها صلاح عبد الله (قوش)، ومحمد عطا المولى عباس، وأسامة مختار، وكمال عبد اللطيف، وأسامة عبد الله، وحسب الله عمر، والرشيد فقيري، وعمر نمر، وقبلهم الراحل محمود شريف وغيرهم.
وفي الحكومة الحالية فإن الغلبة الآن لكلية الزراعة ومنهم عبد الله حمدوك، والشيخ خضر، وعلى فضيلي جماع، وعيسى عثمان شريف (أقيل مؤخراً)، إضافة إلى أحمد مالك أبوسن، وصلاح عوض (الأعضاء غير الرسميين في الحكومة).
***
تشكل جامعة الخرطوم منافساً حقيقياً للأحزاب السياسية في نشرات الأخبار فهي كل يوم لديها مبادرة سياسية من لجنة الحوار والسياسات، إلى مبادرة المين. روود، إلى مبادرة ال٥٢، إلى منبر شرق السودان، إلى الخطة الاقتصادية، إلى المنتدى التفاكري لترقية البيئة والخدمات، إلى المائدة المستديرة، وإلى كل ما يمكن أعضاء مبادرة الأساتذة من البقاء أطول فترة ممكنة تحت ضوء كاميرات الإعلام. قدمت مبادرة الأساتذة البروفيسورة انتصار صغيرون إلى الوزارة، وقدمت خالتها البروفيسورة فدوى طه إلى مجلس السيادة وحين خسرت المقعد تم تعويضها بإدارة جامعة الخرطوم.
في أنشطة ومبادرات جامعة الخرطوم المتناسلة تجد كل شيء لكنك لا تجد شيئاً واحداً فقط وهو مناقشة قضايا التعليم عموماً والتعليم في ذات الجامعة بشكل أكثر تحديداً!
نلتقي