العصيان التنظيمي.. عندما تتقاطع المصالح!
الخرطوم: صلاح مختار
فتح إعلان قائمة ولاة الولايات الباب أمام حزب الأمة القومي الذي وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه، إذ منحت القائمة (6) من منسوبيه ولاة لبعض الولايات رغم أنه ــ أي حزب الأمة ـ أكد أنه لم يستشَر في تلك الأسماء، ورغم أنه أعلن من قبل رفض المشاركة في الجهاز التنفيذي لبعض الولايات، كان يطمح في (4) ولايات على أكثر تقدير، ولكن فوجئ كما الكثيرون بأن القائمة أعطته أكثر مما كان يتوقع، بيد أن المشكلة عند حزب الأمة أن القائمة التي دفعت بها الحكومة لا يعلم بها وأنها كما قال البعض حيكت بليل وجاءت دون الطموح، وبالتالي سارع برفضها بل طلب من منسوبيه الانسحاب منها .
والي غرب دارفور عبد الله الدومة عندما سألته (الصيحة) عن طلب حزبه بتقديم استقالتهم من الموقع أقر بأنه تم ترشيحه من قبل الحزب، بينما أكد أن المجتمع المدني في الولاية وقف معه وأيده، وأصبح هو المرشح الوحيد الذي يمثل رغبة إنسان الولاية التي دفعت به بشدة ووقفت معه. وأكد أنه سيجري موازنة بين رأي الحزب وموقف جماهير الولاية، لكنه أكد (حتماً أنه لن يخذل المجتمع المدني الذي عقد عليه آماله)، مما يفسر ضمناً أنه لن يتنازل عن منصب الوالي وسيتمسك بموقعه الذي اختاره له المجتمع المدني وسينحاز لذلك دون اعتبار للموقع التنظيمي.
قصص ومواقف
الواقعة ليست بالضرورة هي الأولى، لأن المسرح السياسي السوداني مليء بالقصص والمواقف التي فضل فيها بعض السياسيين الذين ينتمون تنظيمياً إلى أحزاب معروفة فضلوا التمسك بالمواقع التنفيذية على الانسحاب أو تقديم استقالتهم، وبالتالي أصبح الموقف التنظيمي لا يشكل عازلاً أمام القيادي للتمسك بموقفه عندما تتقاطع المصالح الشخصية مع التنظيمية، وللأحزاب السودانية التي شاركت النظام السابق مواقف كثيرة آثرت فيها قيادات كرسي الحكم على صف التنظيم، ولذلك كان مدخلاً للتشظي وانشطار الأحزاب.
مصدر موثوق قال لـ(الصيحة)، إن الحالة ليست مرضية بقدر ما هي واقعة تتقلب فيها الحسابات الشخصية على الانتماء السياسي، وأضاف: في الحالتين الالتزام التنظيمي سيكون أمام اختبار الفوز والنجاح للشخصية المختارة لتولي الموقع التنفيذي، ففي حالة النجاح بالضرورة سينعكس على الحزب والعكس هو الصحيح. ولذلك السؤال الذي يطرح نفسه ما هي المبررات التي تجعل الالتزام الشخصي مقدماً على التنظيمي؟ وهل الالتزام التنظيمي أصبح غير مؤثر عندما تتقاطع المصالح؟.
مصالح ذاتية
البعض يرى أن الولاء التنظيمي أصبح مهدداً في ظل المصالح الذاتية والخاصة لبعض المنسوبين للأحزاب بالحكومات السابقة واللاحقة، وبالتالي القضية ليست حكراً على الفترة الانتقالية الآن، وإنما ظلت تتواجد في كثير من الحكومات السابقة، ومن تلك النماذج في عهد الإنقاذ عندما أعلن رئيس حزب الأمة جناح نهار سحب منسوبيه من الحكومة إلا أن قيادات في (حزب الأمة الفيدرالي) أعلنت، استمرار الحزب في حكومة الوفاق الوطني، وتجميد نشاط رئيسه، الذي أعلن في وقت سابق الانسحاب من الحكومة ضاربين بقرار رئيس الحزب عرض الحائط.
ويقول وزير الثقافة، الأمين السياسي للحزب في ذلك الوقت، عمر سليمان، إن الحزب مستمر في حكومة الوفاق الوطني. وأضاف أنه (متمسك بتوصيات الحوار الوطني). وتابع أن (قرار المشاركة في الحكومة اتخذه المؤتمر العام للحزب، والـجهة الحزبية الأدنى ليس لها الحق بفض الشراكة).
فض الشراكة
لم يذهب بعيداً مساعد رئيس حزب نهار، إسحق آدم بشير بالتمسك بالموقف التنفيذي مؤكدًا أن 30 قيادياً من الحزب يرفضون خطوة رئيسه بـ(فض الشراكة). وقال الأمين العام للحزب، عبد الحفيظ الصادق، إن “رئيس الحزب ساق المكتب القيادي إلى قرارات أحادية، وقاد الحزب إلى المجهول”. وأعلن عن “تجميد نشاط رئيس الحزب، وتكليف مساعد رئيسه، اسحق آدم بشير، بقيادة الحزب في الفترة المقبلة”. وأوضح أن الحزب لديه “ثلاثة وزراء ولائيين (في حكومات ولايات)، و8 نواب في البرلمان، و15 آخرين في برلمانات الولايات، وهم ملتزمون بخط المؤسسة، والعمل من أجل ترسيخ الديمقراطية”.
الموقع التنفيذي
والمشهد السياسي السوداني مليء بتلك النماذج من تمسك بعض الوزراء بمناصبهم مخالفين قرارات حزبهم بالانسحاب، ومن هؤلاء عندما طلب جماعة الإخوان المسلمين من القيادي بالحزب د. عصام أحمد البشير بالانسحاب من الحزب فضل الانضمام للمؤتمر الوطني والبقاء في موقعه التنفيذي من الانصياع إلى قرار التنظيم بالاستقالة أو الانسحاب من موقعه.
نفض اليد
وفي وقت مضى، قاطعت قيادات غاضبة بالحزب الاتحادي الديمقراطي المؤتمر الصحفي الذي عقدته قيادات الحزب بالأمانة العامة، وطالبت بنفض يد الحزب من المشاركة في الحكومة فوراً بعد أن وجهت اتهامات مباشرة للمؤتمر الوطني بالتورط في الصراع الدائر في الحزب حالياً بين إشراقة والأمين العام.
بيد أن مساعد الأمين العام للشؤون السياسية محمد يوسف الدقير أوصد المجال أمام أية مطالبات فردية بفض شراكة الحزب الاتحادي، مع المؤتمر الوطني والخروج من الحكومة، وقال إن قرار المشاركة في الحكومة اتخذته مؤسسات الحزب وهي الوحيدة التي تملك حق إلغائه.
خلف الكواليس
لقد ظل رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل مثيراً للجدل، سواء كان خارج الحكومة أو داخلهاً، معارضاً أو موالياً لها، الرجل يعرف كيف يدير مصالحه. وفي عهد النظام السابق أعلن زهده عن تولي أي منصب، بيد أن خفايا وكواليس السياسة كانت تتجه إلى وجود صفقة بينه وبين الحكومة خاصة وأنه يشارك في التشكيل الوزاري الجديد بوزير تنفيذي واحد في الولاية الشمالية، وثلاثة نواب في البرلمان ونائب واحد في مجلس الولايات، فضلاً عن عضو في المجلس التشريعي لولاية الخرطوم. بيد أنه غادر مغاضباً حكومة معتز موسى خاصة بعد رفضه المشاركة في تشكيلتها الأخيرة بعد إزاحته من وزارة الاستثمار رغم ملاحقة المؤتمر الوطني له من أجل تسمية ممثل له في الحكومة، إلا أن الرجل رفض بشدة المشاركة في الحكومة والاكتفاء بالاستمرار في الحوار الوطني.
الشكل الهرمي
وفي نفس الاتجاه، هنالك قيادات إسلامية آثرت البقاء عندما حدث الانشقاق أو المفاصلة الشهيرة التي قادها الأمين السابق الراحل د. الترابي فيما عاد البعض منهم الى تنظيمه الأول بعد الانشقاق، بعض المراقبين أكدوا أن الذين عادوا إلى حضن المؤتمر الوطني في ذلك الوقت استرقوا بريق الوظيفة وآثروا الانشقاق عن البقاء، وأكد البعض أن الذين عادوا من المؤتمر الشعبي الى الوطني تم ترفيعهم بشكل هرمي الى المستويات الأعلى منهم على سبيل المثال حامد ممتاز الذي تدرج الى أن وصل إلى وزير ديوان الحكم الاتحادي.
نقض الوثيقة
المناوئون للاستمرار في سلطة الإنقاذ طالبوا عبر مذكرتين طالبتا قيادة الحزب باتخاذ موقف بفض الشراكة، وكان آخرها بسبب الاحتجاجات الأخيرة. معتبرين أن المؤتمر الوطني نقض وثيقة المخرجات، منوهاً إلى أن السياسة متحركة وليس من مبرر لاستمراره في السلطة. ومع استمرار موجة الاحتجاجات كان يأمل شباب الشعبي أن يجبر ذلك قيادة الحزب على تبني موقف أخلاقي بالخروج من الحكومة، خاصة أن الداعمين للشراكة أظهروا انحيازاً واضحًا للاحتجاجات.
هرم الحزب
أما الحزب الاتحادي الأصل فليس بمعزل عن تلك الحالة العامة. لقد كانت أصوات الصراعات داخل بيت المراغنة تطغى على أصوات قيادات وكوادر الحزب والطائفة التي تنادي بفض الشراكة مع السلطة. ولكن طبقاً لـ(الجزيرة نت) يستبعد القيادي البارز في الاتحادي الديمقراطي الأصل علي السيد اتخاذ القيادة بعد تعيين جعفر الميرغني نائباً لرئيس الحزب موقفاً بفض الشراكة، رغم تأييد قواعد الاتحادي وقيادته الوسيطة لحراك الشارع. وما ما يراه البعض استبعاداً للبعد التنظيمي وأن الامر لا يعدو سوى توجيهات داخليه للابقاء على الحزب في الجهاز التنفيذي. ويعزو عضو الحزب الاتحادي الأصل الطيب أحمد المكي ــ المصدر السابق ــ عدم انسحاب حزبه من الحكومة لتروس في أعلى هرم الحزب وضعها المؤتمر الوطني بالتآمر مع قادة اتحاديين. ويقول المكي “حتى عهد قريب برر الميرغني مشاركته في الحوار بأنها من أجل الوطن والمواطن، لكن الآن الوطن يتشظى والمواطن يتلظى”.
ضعف بنيوي
معظم القوى السياسية لأنها هشة تنظيمياً فإن تفلتات منسوبيها يصبح حدثاً مؤكداً ويرجع ذلك إلى الضعف البنيوي أو الهيكلي للأحزاب التي فشلت في عقد مؤتمراتها لتصعد قيادات جديدة على المسرح السياسي وحتى يكون هنالك شكل جديد ومقبول للحزب ولكن القضية كما يراها المحلل السياسي د. أبوبكر آدم في حديثه لـ(الصيحة) عندما يتم تكليف عضوية الحزب او التنظيم بمواقع تنفيذية ويتم ابعادهم منهما أو مطالبتهم تنظيمياً بالانسحاب أو تقديم استقالتهم منها يكون أمام خيارين أحلاهما مُر، بيد أنه قال غالباً ما يتغلب الخيار الشخصي على التنظيمي لجهة أن معظم الأحزاب لا تستطيع بناء نفسها لوقت طويل وهو ما حدث لحزب الأمة الذي فوجئ باختيار قياداته ضمن تشكيل الولاة الجدد ربما لأن لديهم رأياً أو قائمة بآخرين ولكن يمثل الدفع بتلك القائمة محاولة لإضعافه على أسوأ الفروض.
سلوك الحزب
ولأن البعض يرى أن حزب الأمة يرجح التيار الأسري أكثر من الاعتناء بالتنظيمي للحزب في الحكم، فإن ذلك السلوك كما يراه أبوبكر ولّد نوعاً من التراخي، بالتالي العضوية تفشل في اختبار التنظيم امام الخيارات الأخرى التي تغلب فيها المصلحة الشخصية أكثر من الحزبية. ولذلك حد الولاء الحزبي يكون ضعيفاً جداً ويظهر ذلك في هشاشة الأفكار مما تنشأ معه الأفكار والرؤى المختلفة واعتبر تعيين الولاة من حزب الأمة اختباراً حقيقياً لتماسك الحزب وعضويته، وأن أي محاولة لإبعاد أي من المعينين هو إضعاف للحزب أكثر مما هو مكسب، وأكد أن تمسك بعض القيادات بموقفها الرافضة لقرار الحزب بالانسحاب يشكل مؤشراً خطيراً، ولذلك السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن أن يتغلب خيار المجتمع على خيار الحزب السياسي.