تقرير: منال عبد الله
تجاوزت الاحتجاجات والتظاهرات بالبلاد الظرفين الزماني والمكاني، وأضحت لا تتقيد فقط بالتظاهرات المعلن عنها عبر الوسائط أو الجهات الرسمية، بل تتم بالاتفاق والتواثق بين مجموعة صغيرة أو كبيرة من شرائح المواطنين المختلفة، ولم يثن سقوط نظام الانقاذ البائد الأفراد والجماعات من الخروج إلى الشارع وإغلاق الطرقات الرئيسية والقومية، بل واقع الحال يؤكد أن هذه الظاهرة أصبحت من السمات العامة للشارع في طرق وكباري محدودة جداً بالخرطوم، ويؤدي إغلاق أي منها بواسطة المحتجين إلى إحداث شلل تام في حركة المرور ووقوع الكثير من الحالات الإنسانية الحرجة وسط القاصدين للمستشفيات ومؤسسات العمل المختلفة، وبات في حكم المؤكد أنه عقب أي قرارات رئاسية أوغيرها بروز أصوات مضادة عبر التظاهرات الاحتجاجية, ومناهضة تعيين الولاة أمس الأول بإغلاق طرق قومية من آخرالمشاهد . (الصيحة) استقصت حول الظاهرة وماهية الحدود التي كفلتها القوانين لممارسة حرية التعبير.
آخر الاحتجاجات
أغلق مئات المحتجين بمدينة كسلا أمس الأول الطريق الرابط ببورتسودان، وتعمد آلاف المحتجين إغلاق “العقبة”، المدخل الوحيد في الشارع الرئيسي المؤدي إلى بورتسودان، وأحرقوا إطارات السيارات” وبحسب شهود عيان تحدثوا ” لسودان تربيون” فإن المواطنين تدافعوا لمقر الاعتصام الذي بدأ قبل يومين أمام أمانة الحكومة بولاية كسلا ، رفضاً لقرار تعيين الحكومة الانتقالية للوالي صالح عمار، وحمل مأمون باركوين القيادي بحزب مؤتمر البجا المعارض مسؤولية تفجر الاحتجاجات الرافضة لوالي كسلا الجديد عمار صالح والحرية والتغيير ورئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك لاعتماده مرشحاً وصفه بأنه غير مرضيٍّ عنه وسط مكونات الولاية لأسباب قطع بأنها موضوعية، واتهم جهات لم يسمها بالسعي لتأجيج الصراع من أجل أجنده ذات أوجه محددة.
شرعية التعبير
علمت (الصيحة) أن إغلاق الطريق القومي الخرطوم بورتسودان في مدينة سنكات والاحتجاجات على تعيين الولاة بالشرق خاصة ولايتي كسلا والقضارف أدى إلى توقف حركة المواطنين والعمل التجاري تماماً.
وفي ذات الأثناء أغلق مئات المحتجين طريق التحدي اعتراضًا على تعيين السيدة آمنة أحمد وألياً لولاية نهر النيل. وتؤكد القوانين والدساتير الدولية والمحلية على أن الحريات المدنية تمثل حماية حريات الفرد من الحكومة تماماً، وهي التي تعطي الحريات المدنية وتضع حدوداً للحكومة حتى إنها لا تستطيع إساءة استعمال قوتها أو تتدخل في حياة مواطنيها، وتشمل الحريات المدنية الحق في الاحتجاج السلمي، وقد بينت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن حرية التعبير هي حق إنساني أساسي، وهي محك الاختبار لكل الحريات التي كرستها الأمم المتحدة، وأكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أن “حق حرية التعبير يشكل واحداً من الأسس الجوهرية للمجتمع الديمقراطي وأحد الشروط الأساسية لتقدم وتنمية الإنسان”.
حقوق مكفولة
الأمرالذي أكد عليه طارق النعمة المحامي حول أن حق التعبير بكافة الأشكال هو حق كفلته جميع القوانين الدولية والمحلية، والاحتجاجات والتظاهرات متاحة في ظل الحكومة المدنية ولا اعتراض عليها ولكن تنظمها القوانين المحلية وقانون الحكم المحلي الخاص بكل منطقة، مبيناً في حديثه لـ(الصيحة) حول المسألة أن الإشكالية الأساسية في الفوضى التي تمارس الآن واستغلال هامش الحريات التي كفلها التغيير الحالي ترجع إلى ضعف القوانين المحلية والتي من شأنها أن تمنح التصديق للاحتجاجات والتظاهرات السلمية الزمان وخط السيرالمحددين حتى لا تعترض وتحجم حقوق المواطنين الآخرين بفتح مسارات أخرى، وحتى تتمكن المحلية التي تنطلق فيها التظاهرة من تجهيز الحماية الأمنية المناسبة للمحتجين لكي لا تؤدي إلى تفلتات أمنية تفقدها سلميتها، وفي حال أن أحدهم لم يتقيد بمكان أو زمن التظاهرة المصدق من الجهة المسؤولة بالمحلية يكون بذلك عرض نفسه لاتخاذ إجراءات قانونية ضده، وأشار النعمة إلى أهمية التقيد بالأطر السليمة لممارسة الحريات والتعبير بطرق ووسائل بعيدة عن الفوضى من قبل المواطنين، لافتاً إلى أنه في الدول الديمقراطية جميعها تتم الاحتجاجات السلمية إبان التصديق لها، وأن السودانيين الذين كانوا يخرجون في تظاهرات بأوروبا وأمريكا تضامناً مع مجريات الثورة بالسودان كانوا يستخرجون تصديقات رسمية من الجهات المعنية بتلك البلدان.
حق أصيل
ومن جهته، قطع الفريق شرطة دكتور عادل العاجب يعقوب نائب مدير عام قوات الشرطة – المفتش العام الأسبق بأن حرية التعبير هي حق دستوري مكفول للناس، ومن حق أي شخص التعبير بصورة واضحة، كما أنه حق كفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحريات، وأيضاً كفله العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر من الأمم المتحدة، والدستور السوداني أيضاً عزز حرية التعبير، ولكن بحسب حديث العاجب لـ(الصيحة) أن بعض الدول تقيد الحق، حيث أن من يريد أن يعبر عن رأية لابد أن يحصل على إذن زماني ومكاني معين حتى لا تتضرر مصالح الآخرين، بالحصول على إذن من السلطة المختصة لكي يعبر عن رأيه في وقت ومكان معين، مشيراً إلى أن إغلاق الطريق القومي الخرطوم بورتسودان يتضرر منه مستخدمو هذا الطريق عند إغلاقه، ووصف الأذونات أو التصاديق التي كانت تصدر من الجهات المختصة في وقت سابق بأنها كانت صعبة وفيها مصادرة للحقوق، مشدداً على أن حق التعبير حق أصيل ولا يصادر وحق ثابت، وأوضح أن الغرض من التصاديق أن السلطة المختصة بالدولة تحافظ على الأمن حتى لا يستغل التعبير الجماعي ويؤدي إلى أضرار وإشكالات أمنية.