الناهضون والقاعدون..!!
الطاهر ساتي يكتب :
:: لعلكم تذكرون، في يونيو 2016، كان الخبر هو تسلم الخطوط الجوية الإثيوبية أول طائرة أيرباص من طراز (A350XWB) في أفريقيا، وبهذا أصبحت الخطوط الجوية الإثيوبية أولى شركة طيران تمتلك هذا الطراز في أفريقيا، وكذلك أولى شركة طيران تُحلِّق بالطائرة التي سعتها (343 راكباً)..!!
:: وفي 27 يناير 2018، تَمَكّنت إثيوبيا من امتلاك مصنع لتشغيل طائرات الأيرباص (A350) كأول دولة تحتضن مصنعاً لتشغيل طائرات الأيرباض (A350) في القارة الأفريقية، وتمّ إعداد هذا الجهاز بنظام الحركة الكهربائية الكاملة الذي يُوفِّر أداءً أفضل مع توفير الحفاظ على الطاقة والمنافع البيئية..!!
:: وبالأمس، 27 يوليو 2020، قال الخبر بالنص: رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يتسلّم أول سيارة كهربائية تم تجميعها بالكامل في إثيوبيا، وقام العداء السابق ورئيس مجلس إدارة شركة “ماراثون موتورز” للسيارات – وكيل شركة هيونداي في إثيوبيا – هيلي جبر سيلاسي بتسليم السيارة لرئيس الوزراء..!!
:: وليس في مثل هذه الأخبار ما يُدهش العارفين بما يحدث في إثيوبيا رغم أنف المتاعب المحلية والتدخُّلات الخارجية.. بلا بترول، وبلا صَخب سِياسي، تنهض إثيوبيا من كَبوتها وتمضي بخُطىً ثابتة لتُودِّع عُهُود الفقر والحَرب والنُّزوح (قريباً جداً).. بهُدوءٍ، نجحت إثيوبيا في جذب المُستثمرين لحد التنافُس في كل مناحي الحياة الاقتصادية والخدمية..!!
:: لقد جذبت إثيوبيا المُستثمرين، ولم تتوسّل إليهم أو تتسوّل، بحيث لم نسمع بمسؤولٍ إثيوبي تجوّل في دول الخليج وشرق آسيا – مُتأبِّطاً الوفد المُنافق له – بحثاً عن أموال المانحين، ليعطوه أو يمنعوه.. ولم نُشاهد في التلفاز الإثيوبي الزخم السياسي، ولا في قاعاتهم تكدُّس السمنارات وكثافة الورش وسيول الخطب وحُشود (السّماسرة والهَمباتة)، كما يحدث في هذا الوطن المنكوب..!!
:: بل، بمُنتهى الهُدوء، قبل عقدين من الزمان، عقدوا العزم على مُكافحة الفساد (أولاً)، ونجحوا في المكافحة بامتياز.. وما نجحوا إلا بواسطة جهاز مركزي سلطة أفراد شرطته أقوى من سلطة رئيس مجلس وزراء إثيوبيا وأعضاء حكومته والبرلمان أيضاً.. أُكرِّر، نجحوا في مُكافحة الفساد بواسطة جهاز مركزي جُزء من مؤسسية الدولة، وليس بواسطة لجنة مُراد بها التّهريج السِّياسي وتخدير الرأي العام وصناعة مانشيتات الأخبار..!!
:: ثُمّ أعدوا خرائط الاستثمار، ودراسات جدوى المشاريع المطلوبة، حسب طبيعة المَناطق المُستهدفة.. ثُمّ أعدوا قانون الاستثمار الجاذب، وأسّسوا المُؤسّسية بحيث لا يظلم القانون غريباً، ولا يُحابي قريباً.. فانهمرت رؤوس الأموال – من كلِّ فجٍ عميقٍ – على تلك المشاريع الاقتصادية والخدمية والسكك الحديدية والطرق والجسور.. وبشهادة المُنظّمات الدولية، فإن إثيوبيا هي الأوفر حظاً في جذب المُستثمرين، والأفضل مُكافحةً للفساد والمُفسدين.. وكل هذا بلا أيِّ صخبٍ سياسي..!!
:: وعلى سبيل المثال، لنجاح الدولة الإثيوبية، وفشل الدولة السودانية، تجاوز حجم الاستثمار السوداني بإثيوبيا (2,5 مليار دولار)، وتم تصنيف السودان كثاني أكبر استثمار أجنبي بإثيوبيا، أي بعد الصين مُباشرةً.. ثم يكفي نجاحاً أنّ إثيوبيا من الدول الخمس الأسرع نُموّاً في العالم (7.5%، 2017)، مَع التّرشيح بالدُّخول في قائمة أكبر أربعة مراكز صناعية في إفريقيا في العام (2025).. وكما الدولار، تجاوز البر الإثيوبي أيضاً الجنيه السوداني، بحيث يساوي (3.5 جنيه)..!!
:: ومَن يرصد أحاديث المسؤولين هُناك، يجد الطموح عظيماً، أي بحجم المشاريع العظيمة.. وما سَدّ النهضة إلا مُجرّد وسيلة لغايات كُبرى في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة و.. و.. و.. ورغم المتاعب القبلية والتدخُّلات الخارجية، هناك إرادة وطنية مُتماسكة تعض على الثوابت والمَصَالح العامّة بالنواجذ، أي ليسوا كقوم يخلطون في صراعاتهم ما بين العام والخاص، وما بين الوطن والحزب، ليدفع المُواطن الثمن موتاً وفقراً ونزوحاً ولجوءاً وإحباطاً.. فالدولة هُناك أجهزة وقوانين وكفاءات، وليست لجاناً ومُحاصصات و(شُلليات)..!!
:: نعم، الأجهزة والقوانين والكفاءات هي المُؤسّسية التي تُحلِّق بالدولة الإثيوبية نحو عوالم (التنمية الحقيقية)، رغم أنف المتاعب المحلية والتدخُّلات الأجنبية.. هنا بعد الثورة، توقّع الشعب دولة المُؤسّسات، وليس دولة اللجان والمُحاصصات و(الشلليات).. فالمُؤسّسية هي التي تُطوِّر حياة الناس وتحمي الحُقُوق، وتُراقب الواجبات وتُحاسب المُخطئ وتُحفِّز المُجتهد.. وكما نهضت بها إثيوبيا، فبالمُؤسسية – وليس باللجان والمُحاصصات والشلليات – تنهض كل الشعوب والأوطان…!!