تبايُن المواقف السياسية.. الوفاء للأفكار
تقرير: النذير دفع الله
الأفكار لا تحتمل الخيانة وترتد إلى صاحبها بينما يظل الوفاء للأفكار وليس للسياسة مقولة ظلت تلازم البعض سياسياً حتى اليوم، بينما أصحاب المواقف الهشة والمنافع الذاتية تبدلت لديهم الآراء والمواقف وأصبحت المبادئ ليست سوى زاد للوصول إلى المناصب، وهو ما يشكل أزمة ظلت تعاني منها الساحة السياسية على مر تاريخها القديم والحديث، وهو ما يفتح الباب للأطماع السياسية والسلطة، وبالتالي حدوث الانقلابات العسكرية وإلا لماذا تكون المواقف عند المعارضة مستقيمة وعكسها تماماً عند الوصول للسلطة كأنها لم تكن بالأمس.
مواقف المعارضة
أعلنت بعض أحزاب المعارضة منها الحزب الشيوعي رفض الاتفاقات الجزئية الممهدة إلى محاصصات ووظائف تعيد إنتاج الحرب بشكل أعمق من السابق التي أقيمت في أديس أبابا بأنها شأن يخص المشاركين فيه، وأن الجبهة الثورية جزء من تحالف نداء السودان، ونادت المعارضة منها الحزب الشيوعي بضرورة الحل العادل والشامل للجميع الذي يوقف الحرب ويرسخ الديمقراطية والسلام بمشاركة كل الحركات والجماهير في مناطق الحروب وضرورة عودة النازحين إلى قراهم وتعويضهم وإعادة تأهيل مناطق الحروب، وقيام التنمية المتوازنة والدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع، ورفض الحزب الاتفاق الذي وقعته قوى إعلان الحرية والتغيير مع المجلس العسكري، وقال إنه كرس الحكم العسكري وكان ضروريًا أن يأتي المرسوم الدستوري أولًا وبعده يأتي الاتفاق السياسي.
وكانت قوى إعلان الحرية والتغيير قد عملت على تنظيم مسيرات في العاصمة وعدد من الولايات رفضاً للمحاصصة الحزبية، وشددت على التزامها بميثاق إعلان الحرية والتغييرن والتأكيد على الالتزام بحكومة الكفاءات الوطنية لتأتي ذات قوى إعلان الحرية الحرية والتغيير خلال الأيام الماضية في ترشيح مكوناتها والدفع بهم ليكونوا ولاة للولايات بدلاً من العسكر في محاصصة واضحة وبائنة لا تخفى منها خافية في سلوك ينافي كل تلك الشعارات التي رفعت بأن الفترة الانتقالية هي للكفاءات فقط وليس للأحزاب أو المحاصصة الحزبية .
تبايُنات رفع الدعم
خلال العام 2013 وعقب إعلان الحكومة السودانية وقتها عن خطتها رفع الدعم عن المنتجات البترولية والقمح، شنت عليها المعارضة هجوماً عنيفاً بل سارع تحالف أحزاب المعارضة السودانية للإعلان من جانبه عن الانتهاء من ترتيبات الخروج في مظاهرات سلمية متزامنة فى المركز والولايات حال إقرار الحكومة رفع الدعم عن السلع والمحروقات، مؤكداً أن هذه الخطوة ستكون البداية الحقيقية لإسقاط النظام، وأن الثورة الشعبية تأتي بغتة. وكان رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي قد شن هجوماً عنيفاً على السياسات الاقتصادية للحكومة السودانية وحملها مسئولية وقوع الضرر على المواطنين الفقراء لاتجاهها لرفع الدعم عن القمح والمحروقات. وكانت لجنة الخبراء الاقتصاديين بتحالف قوى الحرية والتغيير قد حذرت من اتخاذ أي قرار برفع الدعم عن الوقود باستغلال جائحة كورونا، وحثت رئيس مجلس الوزراء على منع وزير المالية من الحديث حول هذه الخطوة.
واعتبرت اللجنة رفع الدعم خطاً أحمر, لتأتي ذات الحكومة الانتقالية وتُعلن عن تشكيل لجنة مصغرة لمناقشة خيارات موضوع رفع الدعم عن البنزين والجازولين في موازنة 2020، باعتباره القضية الأساسية، وقالت الحكومة الانتقالية إن موازنة العام المالي 2020 تقترح رفع الدعم عن البنزين والجازولين بصورة متدرجة، مقابل مضاعفة أجور العاملين بالدولة، وذكر الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل محمد صالح في وقت سابق أن الحكومة تتجه لتقديم الدعم الاجتماعي النقدي المباشر للقطاعات الفقيرة، إضافة إلى زيادة الإنفاق على التعليم والصحة لتحقيق مجانيتهما بالمستشفيات الحكومية.
مبارك الفاضل
لم يكن مبارك الفاضل من أصحاب المواقف الثابتة من النظام البائد، فقد كان مبارك متأرجحاً بين الحكومة والمعارضة وظلت مواقفه رمادية اللون بين المعارضة أحياناً وبين الانخراط في الحكومة ومغازلتها أحايين كثيرة، فتارة هو معارض وأخرى هو مؤيد ومقرب، فإذا كان الأمر له جاءه مسرعاً، وإذا كان عليه أعرض وأدبر حيث تتناقض آراؤه وهو معارض مع آرائه، وهو داخل السلطة، فذات المبارك الذي كان يعانق الإنقاذ حتى لحظاتها الأخيره جاء مرة أخرى ليقتحم ميدان الاعتصام قبل أن تستوي الثورة وتؤتي أكلها ليضع لنفسه موطئ قدم ليقدم لاحقًا خلال مؤتمر صحفي بمنزله الإشادة بالمجلس العسكري الانتقالي، ومنتقداً المعارضة قائلاً إن من الخطأ عدم الاعتراف بالمجلس العسكري، فالوضع الأمني معقد ولا بد من الاعتراف بأن القوات النظامية شريك أصيل في التغيير، وبموجب الطوارئ القوات المسلحة أصبحت هي السلطة الشرعية، وأضاف: حاول المجلس العسكري اختبار قوى إعلان الحرية والتغيير بأنهم الممثلون الشرعيون للحراك، لكنهم قدموا له تصوراً ليس فيه مصدر تشريع، وانتقد مبارك المجلس العسكري في اعتقال رموز النظام ودعوته للأحزاب الصورية التي كانت تشارك النظام وحصر مبارك أسباب الأزمة السياسية الحالية في التمسك بأجندة حزبية ضيقة هزمت الموقف.
مدني عباس
مدني عباس مدني، الذي كان يجوب ميدان الاعتصام وقبلها الطرقات دعماً للتظاهرات المطالبة بإسقاط النظام البائد ولكن بعد سقوط النظام تمايزت وتباينت الصفوف فتجمع المهنيين قائد الحراك رفض مشاركة أي من أجسام الحرية والتغيير في الحكومة الانتقالية، وكذلك عباس الذي قال إنه لا يرغب في ترشيح نفسه لأي منصب، ولكن سرعان ما تفاجأ الشارع بتعيينه وزيراً للتجارة والصناعة، وبعدها وعد مدني بحدوث انفراج خلال ثلاثة أسابيع ومؤكدًا على التزام الدولة بالاستمرار في دعم الخبز حتى نهاية الفترة الانتقالية، بل وشدد على أن مخزون الدقيق يكفي حتى مايو الماضي، وهي أصعب فترة عانى فيها الناس من شح الخبز وحتي اليوم، وقال كذلك إن الحكومة بصدد توقيع اتفاقيات لتأمين القمح حتى نهاية العام، وقال إن الوزارة حددت وزن قطعة الخبز بـ 45 جراماً بجنيه واحد، ولكنها اليوم أصبحت غير معروفة الشكل لتعدد الأوزان جراء الفوضى قبل أن يأتي عباس معتذراً للشعب السوداني لعدم حدوث انفراج في أزمة الخبز خلال الفترة التي حددها بثلاثة أسابيع واختفاء صفوف الخبز، بل ذهب مدني لأكثر من ذلك، وقال إنهم بصدد التصديق لمخابز تجارية خلال 45 يوماً وفق ضوابط جديدة على أن يختلف شكل الخبز التجاري وحجمه عن الخبز المدعوم، وأقر أن الدقيق المدعوم يصل لغير المستحقين بنسبة 50%, ونبه إلى تدشين خط ساخن للشكاوى حول الدقيق والخبز وهدد بسحب تراخيص الوكلاء الذين لا يلتزمون بتوصيل الدقيق إلى المخابز، كما هدد بإغلاق المخابز وسحب الرخصة في حال عدم التزام المخبز بإنتاج الرغيف، واعتبر تخزين الخبز جريمة يعاقب عليها القانون، وعزا الأزمة لتهريب الدقيق وإشكاليات، ولا زال الأمر كما هو.
وحسب مقربين أكدوا ان حديث مدني للاستهلاك السياسي فقط أما واقعياً فلا يوجد شيء مما ذكر فأزمة الخبز ما زالت وفوضى الأسواق كما هي، وهنا تتبدل المواقف عند المعارضة والمطالبة وعند الواقع وتقلد المناصب.
خالد مصطفى
هكذا تتبدل المواقف بذات الطريقة والسرعة نفسها، وإلى شمال كردفان أستاذ خالد مصطفى الذي كان قبل أيام أو شهور من يتزعم ملف الخدمات من دقيق ووقود وغيره وهو ما كان يهتف ويصيح ضد التغول والدكتاتورية والظلم بل والمطالبة بإقالة الوالي من الجناح العسكري، هو ذاته خالد الذي ظهر وفي أول تصريح له من خلال وسائل التواصل قال (إذا رأيتموني أقود الأتوز وأشتري التبش من الفارشات في الأرض فلا تستغربوا)، ويأتي أمس في تصريح عبر الصحف ليقول إن من أغلقوا الشوارع بالمتاريس وأحرقوا اللساتك احتجاجاً على تعيينه (مارسوا حقاً دستورياً في دولة مدنية)، وأضاف أن الحراك المناهض لتعييني لا يزعجني لأن من الطبيعي أن لا تنال رضا الجميع، وأكد خالد أن ترشيحه تم عبر مركزية الحرية والتغيير على مستوى الولاية، بينما أكدت لجان المقاومة أن الأستاذ خالد مصطفى لا يصلح لقيادة الولاية وترفض تعيينه وتطالب بتنحيه أو عزله، فإذا كان الأمر كهذا منذ البداية فكيف سيكون الأمر في النهاية,
حسن إسماعيل
لم يكن رحيماً أو عطوفاً على حكومة المؤتمر الوطني، فقد نال منها من خلال المخاطبات والندوات السياسية وكان موقفاً شجاعاً وبطوليًا وجد رضاء وقبول الشارع الذي كان يتأهب ليخوض ثورة جديدة ضد النظام البائد ولكن سرعان ما تبدلت المواقف والمبادئ بعد أن تم تعيينه وزيراً في ذات الحكومة التي كان يسيء أليها أمس فحدثت المزاوجة والتوافق بل والدفاع عنها إلى درجة أنه أكد خلال بعض اللقاءات الإعلامية مدافعا عن دخوله للحكومة واستند على تلك الأسباب قائلا: زهدت فيما هو مطروح في المعارضة، وإذا وقفنا مع القوى المطروحة كبديل فسنأتي بعبء أكبر على المواطن، وأضاف: إذا قيادات المؤتمر الوطني أخذت إجازة ثلاث سنوات في ماليزيا وتركت الحكم للمعارضة فإنها لن تستطيع توفير الكهرباء للقصر الجمهوري، وشدد حسن: لا توجد قوى حزبية لم تشارك في انقلاب عسكري فإنها إن لم تشارك أيدت ودعمت، بل لا يوجد حزب تنطبق عليه علامات الديمقراطية كلها أحزاب معطوبة.
مصلحة ذاتية
أستاذ العلوم السياسية بروف عبدو مختار قال(للصيحة) إن ما يحدث من تبدل للمواقف والمبادئ هي علة السياسة السودانية، وهي أزمة أخلاق في المقام الأول حيث لا نمارس السياسة بأخلاق ولا نلتزم بالقيم، وإنما المصالح الشخصية حسب مقتضيات الأحوال المتقلبة والأوضاع السياسية، مضيفاً ان الآراء أصبحت تسير حسب المصالح مما يشكل أزمة للضمير الوطني خاصة في دولة تربى مجتمعها على القيم، ولكن أنتجت ساسة كأنهم منفصلون عن المجتمع الأصيل.
وأكد عبدو أن معظم الساسة في الساحة السياسية لا أخلاق لهم، وهي أهم ما أدى لعدم الاستقرار السياسي في السودان، حيث تفتقر كثير من الأحزاب السياسية لعدم الالتزام بالأخلاقيات والافتقار للضمير الوطني الذي يجعل المصلحة الوطنية فوق الذاتية، لذلك يعتري الساحة السياسية الفساد المدني، وهو أكبر عامل مساعد للانقلابات العسكرية، وأوضح عبدو: ما ينتج من أزمة الضمير والأخلاق للأسف ساعٍ لأن يتحالف كبار القادة لدينا مع الخصوم وانشقاق التيار السياسي على حساب الأحزاب السياسية الكبيرة منها السيوعي والأمة والحركة الإسلامية، مما دعا لغياب الفكرة والمصلحة الوطنية التي ترفد أولئك بالدعم، وشدد أن الصورة تكون أوضح في إطار الحركات الدارفورية التي تشظت لعدد من الحركات دون اختلاف في الفكرة أو الأيدلوجيا وإنما للتفرد والبحث عن الزعامة.
خيانة الأفكار
القيادي بحزب المؤتمر الشعبي قال (للصيحة)، إن التباين في الآراء المواقف يمليه أكثر من دافع منها افتقاد المبدئية والعدالة أو افتقاد الاستقامة الخلقية في العمل السياسي أو أو افتقاد العدالة في النفس أو الآخر، مضيفًا أن الانتهازية في العمل السياسي تشكل مفارقة ما بين الرأي الصادر عن المعارضة والحكومة.
وأشار أبوبكر أن الوضع العادل هو أن يشكر الشخص المعارض للسلطة حسناتها والعكس، وبالتالي النقد بناء على تناول الإيجابيات والسلبيات، موضحاً: عندما ينتقل الشخص للسلطة ينبغي أن يفتح الرأي العام للحرية للتعبير والنقد والإعلام والبلاغ، لأن رأي الإخرين هو الرأي الموجه للاستقامة على الطريق، ومن خلال النقد الذاتي يتبدّى الرأي الصحيح سيما وأن حرية النقد تفيد الحكومة قبل أن تفيد المعارضة التي ينبغي أن تكون لها موضوعية في نقد الحكومة حتى يحترمها الرأي العام.
وشدد أبوبكر: إذا تبدلت المواقف من المعارضة للحكومة يغيب الرأي العام، وفي الأفكار والمواقف السياسية بين المعارضة والحكومة وندد بأن الذين يغيرون رأيهم في الافكار ترتد على خائنها، ويظل الوفاء للأفكار مقولة نرددها كثيرًا لأنها لا تحتمل الخيانة.
وأضاف: في عهد الوسائط الجديد كل الرأي مسجل يمكن للمعارضة أن تستدعي كل الرأي الذي كان يصدر عنك قبل أن تتقلد السلطة، ويمكن للحكومة أن تخرج للرأي العام الذي كان يصدر عنك عندما كنت حكومة، وبالتالي المقارنة والمقاربة بين الرأيين للرأي العام حينها الرأي العام لن يحترم كاتباً أو رأياً يكذب أهله، لذلك على المرء أن يستقييم على المبادئ والمواقف وهو معارض أو في السلطة.
وقال أبوبكر إن كل المعارضة التي كانت تملأ الدنيا ضجيجاً هي الآن من تصادر حرية التعبير والإعلام بل تشدد تشديدًا لم يسبق في تاريخ السودان في جرائم السجن الوجوبي للصحفيين والناشطين السياسيين من خلال التعديل الذي تم لقانون جرائم المعلوماتية، وهذا لن يكسب احتراماً أمام الرأي العام ولا الثوار الذين كان لهم القدح المعلا في الثورة، ولا في نظر التابعين بينما تأتي الأهمية في حرية الإعلام والنقد مهمته أن تفيد الحكومة قبل المعارضة.
وأقر أبوبكر بمفارقتهم الحكومة عندما لم يحدث اتفاق في الإجراءات التنفيذية، الأمر الذي كان سبباً في المفاصلة.