د. خالد فرح يكتب :
حتى هذه اللحظة، لم يخرج أي من عقلاء الإسلاميين، ليقدم نقداً موضوعياً ذاتياً عن فشل تجربتهم لحكم السودان طوال الثلاثين عاماً، ولم يجتمع أي منهم لمعرفة ودراسة الأسباب التي أدت إلى سقوط حكمهم، وسقوطهم في نظر ونفسية الشعب السوداني لهذا الحد البعيد. فبدلاً من بحث أزمة التنظيم وما أصابه من انهيار، ظلوا منشغلين في كيف يسقطون حكومة الفترة الانتقالية بسياسة الحرب والحريق. فهل يعقل أن سيواصل الإسلاميون بنفس العقلية التي أسقطتهم سياسة (المكائد، والدس والحفر)، هل هذا هو الطريق الوحيد الذي سيعيدهم إلى الحكم مرة أخرى.
توقّعتُ بعد سقوط الإنقاذ أن يخطو غندور في اتجاه آخر، بوصفه أحد عقلاء الإسلاميين، والأوفر حظاً لكونه لم يكن في سدة الحكم حين السقوط، وكانت الفرصة مواتية إذا انتهج نهجاً عقلانياً مغايراً لما حدث، كان سيقربه أكثر عند الشعب السوداني. وربما تكون الفرصة متوفرة بالاعتراف بالأخطاء وتقديم بعض المنتفعين الذين ارتكبوا الفساد إلى القضاء وتبرئة جزء من ساحة الحركة الإسلامية من كل ذلك الفساد البشع.
لكن للأسف الشديد لم تشفع لغندور درجته العلمية، ولا خبرته السياسية بل انقاد لعقلية الطيب مصطفى التي لا تعرف سوى سياسة حرق الزرع والضرع وقتل أبناء الوطن في مقاله المشهور(نطمع في المزيد يا حميدتي).
على كلٍّ، ما وقع على الإسلاميين من سقوط لم يصدقه حتى الإسلاميين أنفسهم، والدليل على ذلك أنهم مصابون حتى الآن بأزمة نفسية عميقة وحيرة وحسرة على ما وقع عليهم، لذا تجد كل تصرفاتهم عبارة عن إسقاطات نفسية تفتقد البصر والبصيرة.
من يُخبر الإسلاميين أن اللعبة السياسية فى البلاد، أصبحت واضحة ومكشوفة للشعب السوداني، وهو لا يحتاج إلى أن يُخدَع مرة أخرى سواء من الإسلاميين أو الحكومة الانتقالية بقيادة دكتور حمدوك. لذا الطريق الوحيد إلى العودة للشعب، هو التصالح معه وإرجاع الحقوق والمساهمة في إعادة إعمار ما دمرته الإنقاذ.
وحتى تلك اللحظة، لا أحد منهم يبحث في أن تعود الحركة الإسلامية إلى سيرتها الأولى، تضج الأسافير بالكذب الصراح، والشائعات المغرضة والحديث الهابط.. وتلفيق التهم للمسؤولين، والسخرية من رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، دكتور نصر الدين عبد الباري وزير العدل، تناسوا أن هذه السياسة تزيد كل يوم من ابتعادهم أكثر وتقرّب الناس إلى الحكومة الانتقالية.
فكانت آخر حِيَل الإسلاميين هي الخروج على قرارات وزير العدل عبد الباري بحكم أنها مجافية للشريعة وانتهاك صارخ للدين الإسلامي، وكأن الإسلام كان مصوناً إبان عهدهم، إن كنتم صادقين فيما تقولون فالأوجب أن يطبق وزير العدل الشريعة الإسلامية في المتورطين في الفساد من الإسلاميين أنفسهم قبل أي تعديلات أخرى. يقيني بالله إن كان الإسلاميون يريدون وجه الله من حكمهم، كما يدّعون لما سقطوا هذا السقوط المدوي، ولما فضحهم الله بهذا الفساد الذي يشيب له الولدان.
الإسلاميون يجب أن يعرفوا أنهم لا يملكون أي تأييد من الشعب السوداني، ولن يسمح بعودتهم، بل سيبتعدون أكثر كلما استمروا في هذه السياسة، ويجب أن يعترف عقلاء الحركة الإسلامية أن هذا الطريق سيعرضهم للهلاك، ومن المؤسف أن تنتهي الحركة الإسلامية إلى هذا الحد وينبري للدفاع عنها أمثال د. عبد الحي يوسف، ود. محمد الجزولي اللذين كانا خصماً على التنظيمات الإسلامية الأخرى.
الذي يخطط كل هذا السخف، هذا الشخص يلقي على الإسلاميين كل يوم مزيداً من الهلاك، بل يهزم كل يوم فكرتكم، ويُشهّر بكم ويضعكم موضع الأرجوز والسخرية في الأسافير لو كنتم تتابعون. فليعلم عقلاء الحركة الإسلامية إن كان هناك عقلاء حريصون على ما تبقى من سمعتها، إن الذين يديرون طريق عودتكم، للحكم هم أصحاب المصالح، والمنتفعون وفاقدو المناصب، فهم ليسوا حريصين على مبدأ أو أخلاق، فلا تجعلوهم، يورِدوكُم مورد الهلاك أكثر من ذلك.
أنتم في حاجة إلى تحسين الصورة الذهنية التي فقدتها الحركة الإسلامية، هذا ربما يتم بالاعتراف بالأخطاء وتصحيح ما يمكن تصحيحه، وترك الأمور لمقبل الأيام عسى ولعل أن يجعل الله لكم مخرجاً. ولكن هذا الطريق الذي تسيرون فيه سيقودكم إلى مزبلة التاريخ إن لم تكونوا وصلتموها الآن.
أنتم في معادلة مثالية جعلتكم تعيشون ظروفاً ممتازة أكثر مما كان متوقعاً لكم في بداية الثورة، فماذا لو طبق شعار الثورة، “أي كوز ندوسو دوس”، بدلاً من سلمية سلمية؟ وماذا لو حدث هذا التغيير عبر انقلاب عسكري للبعثيين الذين قتلتم زملاءهم فى مجزرة رمضان؟ لكنتم اليوم في مقابر جماعية مجهولة المكان . لذا عليكم بأن تحمدوا الله، وأن حمدوك لا يزال يسعى لخلق حكومة تنموية، لا حكومة ثورية. بل تحمدون الله أن مجلس السيادة بشقيه المدني والعسكري متهاون في تحقيق العدالة حتى على الذين ثبت تورطهم بالفساد. وبما أن كل محاولاتكم بشأن إسقاط هذه الحكومة باءت الفشل، فيجب عليكم أن تغيروا من هذه العقلية التي كانت خصماً عليكم.
هل يعقل أن كل ما تملكون من حلول تتمثل في إسقاط الحكومة والعمل على محاصرتها، وكتم أنفاسها بإنتاج الأزمات لشغلها عن أداء مهامها والانقضاض عليها، هذا ما تبقى من فكر ورؤى للحركة الإسلامية؟ يطول الوقت ويقصر وأن لا خيار لكم سوى مساعدة الشعب السوداني للخروج من أزماته، إذا أردتم العودة إليه مستقبلاً، فلا تحرموا أنفسكم من هذه الفرصة الأخيرة.