(الجمعة) في الخرطوم.. إلى متى يستمر مسلسل الإغلاق؟!
الخرطوم – محمد جادين
مَضت “الجُمعة” الثالثة وصباحات الخرطوم على غير عاداتها مُثقلة بالقيود والإجراءات الأمنية المُشدّدة، الشوراع خالية من المارة والضجيج.. وسط الخرطوم يغط في نومٍ عميقٍ بعد أن باتت كل الطرق لا تؤدي إلى “الجامع الكبير” و”القيادة العامة”، لا حِراكٌ في “السوق العربي”، اختفى “الفرِّيشة” والجائلون وقبلهم بائعات الشاي، المحال التجارية مُوصدة ولم تسترد كامل عافيتها منذ جائحة “كورونا” وإن بدأت تنتعش عقب رفع الحظر الجزئي، ولكن في “الجمعة” تعود إلى ثُباتها بفعل الإجراءات الأمنية وإغلاق الجسور تحسُّباً لتظاهرات مُعلنة تقف خلفها تيارات إسلامية تدعو للخروج ضد الحكومة الانتقالية وتأخذ كل أسبوع تسمية جديدة، والسؤال إلى متى تَستمر هذه الإجراءات في ظل الدّعوات المُتكرِّرة للخروج كل “جمعة” وما هو المَخرج لعودة الحياة الى طبيعتها؟!
استبقت لجنة أمن ولاية الخرطوم “الجمعة”، وأعلنت أنّه ولدواعٍ أمنية سيتم إغلاق عددٍ من الجسور بالخرطوم تشمل النيل الأبيض الحديدي، النيل الأزرق الحديدي، المك نمر اعتباراً من الساعة الثانية عشرة منتصف ليل “الخميس” وحتى إشعار آخر، ولم تفصح لجنة أمن الولاية عن أسباب الإغلاق.
وشهدت الخرطوم أمس، احتجاجات محدودة عقب صلاة “الجمعة” استجابة لدعوات التظاهر ضد التّعديلات القَانونيّة الأخيرة سُميت بـ”جمعة الغضب”، وخرجت مواكب أبرزها من مسجد “خاتم المُرسلين” بحي جبرة، وحي الجريف غرب، وبعض مساجد أم درمان، وكَانَ اللافت ظُهُور القيادي البارز بالمؤتمر الوطني المحلول، ورئيس البرلمان السابق بروفيسور إبراهيم أحمد عمر بعد غياب طويل وهو يتقدّم المواكب الرافضة لتعديلات القوانين.
وتداول ناشطون على نطاقٍ واسعٍ، صور القيادي بالنظام المخلوع وهو يتقدّم الموكب الذي خَرَجَ في أم درمان عقب صلاة الجمعة، فيما شَهدَ عدد من المساجد في العاصمة والولايات مواكب مُشابهة رُدِّدت فيها شعارات رافضة للتعديلات.
ويرى الداعون إلى التظاهرات، أنّ التعديلات ضد الشريعة الإسلامية هي السبب الرئيسي لخُرُوجهم إلى الشارع، بينما يرى خُبراء أنّ السِّريَّة التي رافقت تعديل تلك القوانين والإعلان المُفاجئ عن إجازتها هو ما خَلَقَ ريبة كبيرة بشأنها وهو ما ذهب إليه الخبير القانوني أبو بكر عبد الرازق القيادي بالمؤتمر الشعبي، ونوّه إلى أنّ أهم ما هزم هذه التعديلات لدى الرأي العام “السِّريّة” التي حِيكت بها، وأشار إلى أنّها لم تظهر للعلن ولم تجد حظها من التداول إلا بعد الثاني والعشرين من أبريل الماضي بعد نشرها في الجريدة الرسمية “الغازيتا”، وشدد عبد الرازق في حديثه لـ(الصيحة) على أن الإجراءات الأمنية المُشدّدة بإغلاق وسط الخرطوم كل جمعة أو عقب الدعوة لأيِّ تظاهرات كانت، لا يُمثل حَلاً لِحَالة الاِحتقان في الشّارع قبيل أن ينعت هذه الإجراءات بالمُخالفة للدستور، لجهة أنّها تُحد من حرية الحركة والتعبير، وتؤدي إلى الإضرار بحياة المُواطنين وكَسب عَيشهم خَاصّةً العاملين في وسط الخرطوم، لافتاً إلى أنّه حَال استمرّت مثل هذه الإجراءات الأمنية ستجد مُعارضة ومُقاومة، فضلاً عن عدم جدواها، ونوّه عبد الرازق إلى أن مجلسي السيادة والوزراء فشلا في تسويق تَعديلات هذه القوانين للرأي العام، وقال: “ليست كلها شرٌ وبالنسبة لي تُمثل برنامج المؤتمر الشعبي”، وأضاف: “نحن في الشعبي نفتكر أنّ هذه التعديلات تمثل رؤيتنا في أغلب المواقف بنسبة تصل 98%”، وأشار إلى أنّ الاختلافات المُتبقية غير جوهرية، ونوّه إلى أنّ “قِوى الحُرية والتّغيير” فَشَلَت في عرض وتسويق القوانين للرأي العام، وأشار إلى أن “قحت” مُتّهمة في نظر كثيرٍ من الرأي العام بموقفها من الشريعة الإسلامية، واستنكر منع الإسلاميين من الظهور في وسائل الإعلام الرسمية والقنوات التلفزيونية المحلية، وأشار إلى أنه كان يُمكن الاستفادة من رؤية إسلاميين داعمة لهذه التعديلات الأخيرة في القوانين حتى يقف الرأي العام على ماهية وحقيقة هذه الإجراءات.
وفي جانب آخر، يرى الخبير الأمني اللواء عابدين الطاهر، أنّ دعوات الاِحتجاجات يجب حَسمها وفقاً للقانون، وأشار إلى أنّها مسؤولية وزارة الداخلية وجهاز الأمن، وقال الطاهر لـ(الصيحة)، إنّه على لجان هذه المساجد أن تلتزم بتوصيل مفهوم أنّ المساجد للعبادة وليس للحشود السياسية وعلى الجميع أن يلتزم بتلك المفاهيم، ونوّه الطاهر إلى أنه على وزارة الداخلية أن تتولّى ضبط سُلُوكيات المُجتمع إذا انحرفت عن الأوضاع الطبيعيّة، ويرى أنّ استغلال المَساجد للعمل السياسي يجب أن يكون مَمنوعاً ولو بإصدار لائحة تَمنع ذلك، وشدّد على أنّ الاحتجاجات والمواكب أصبحت ظاهرة تُكلِّف الدولة تكلفة عالية جداً حال تم استصحاب تداعيات إغلاق المعابر كل نهاية أسبوع وما يتطلبه ذلك من جهد وتحريك آليات، وقال: “على الجهات المسؤولة أن تُسيطر على الأمر من قواعده وهي المساجد، فقط بتفعيل اللوائح التي تمنع استغلالها لتجمُّعات المُصلين”.
يُذكر أنّ عصر أمس “الجمعة”، رفعت القوات المسلحة والقوات الأمنية، الحواجز الأسمنتية والارتكازات المُتحرِّكة التي كانت تغلق كل مداخل ووسط الخرطوم منذ ليلة “الخميس” وعادت الحركة مُتقطِّعة إلى وسط الخرطوم بعد يومٍ طويلٍ من الترقُّب والاستعداد لمخاوف أمنية لم تُفصح عنها الجهات المسؤولة .