سعر الصرف.. ما بين الواقع والمأمول
الخرطوم: رشا التوم
يبدو أن الضبابية والشكوك حول مستقبل سعر الصرف، سوف يضع لها حلاً حاسماً خلال الفترة المقبلة عقب الانفلات والارتفاع الكبير في أسعار العملات الأجنبية بالسوق الموازي، ويرى البعض أن غياب السياسات الحكومية الناجعة سيمكن السوق الموازي من التمدد وفرض سعر يتحكم فيه تجار العملات، فيما يرى آخرون أن إجراء اصلاحات ولو مرحلية سيمكن الحكومة من السيطرة على سعر الصرف الذي شهد مؤخراً انفلاتاً واضحاً، وأمس الأول حملت الأخبار بأن الموازنة المعدلة للعام 2020م الحديث عن تبني الحكومة لسياسات من شأنها تخفيف الأثر السلبي لجائحة كورونا على الوضع الاقتصادي والاتجاه لاتخاذ اجراءات طوارئ من بينها تعديل أسعار الصرف وصولاً الى سعر حقيقي.
وكشفت جولة لـ”الصيحة” أمس في مواقع متفرقة بوسط السوق العربي، وإفادات من متعاملين في تجارة العملات، عن إحجام بعض المتعاملين عن بيع ما لديهم من الدولارات في انتظار اتضاح الرؤية وثبات السعر حتى لا يتكبّدوا خسائر أو تضيع عليهم فرصة سانحة لجني أرباح مضاعفة.
وتراوحت قيمة الجنيه مقابل الدولار بين 143.5 جنيه، والريال السعودي بواقع 36 جنيهاً، مما يعد تراجعاً طفيفاً في الأسعار عقب موجة ارتفاع جامحة طوال الأشهر الماضية.
وقال أحد المتعاملين في تجارة العملات، تحدث لـ”الصيحة” إن السعر المعتاد خلال الأيام الماضية كان مستقراً عند 148 جنيهاً مقابل الدولار، موضحاً أن أسباب التراجع تعود بشكل أساسي لتراجع الطلب عليه مقابل المتاح منه، مشيرا لاتجاه عدد من المواطنين لتحويل مدخراتهم من العملة المحلية إلى دولار حتى لا تفقد قيمتها بفعل التضخم.
وتواجه الحكومة، مهمة عسيرة في حدوث استقرار سعر الصرف، وقبل عام واحد مضى لم يكن الدولار يتجاوز الخمسين جنيهاً كسعر رسمي تتعامل به الحكومة وبنك السودان المركزي، فيما كانت أسعار السوق الموازي تتراوح بين “33 – 40” جنيهاً، لكنه الآن تجاوز كل التوقعات ووصل مستوىً قياسياً لم يكن يتوقّعه أحدٌ.
وقريباً منه يقول متعامل آخر: إنّ غالبية المواطنين اتّجهوا لتحويل مُدّخراتهم ومُمتلكاتهم إلى عملات أجنبية بغية مضاعفة قيمتها أو في أيسر الأحوال الحفاظ عليها من التآكل، مشيراً في حديثه إلى أن هذا الاتجاه أدى لزيادة الطلب على العملات الأجنبية التي يتصدرها الدولار.
وأدت سياسات حكومية طبّقت منذ العام الماضي في إحداث اختلالات مؤثرة على أسعار الصرف، منها اتجاه الحكومة لتحرير الجنيه ومساواة السعر الرسمي بالسعر الموازي، بعكس ما كان يحدث قبل ذلك، حيث كانت تجارة الدولار وتسعيره في السوق الموازي يتم بشكل مقارب للسوق الرسمي للحكومة ممثلة في بنك السودان المركزي، وكان الفارق بين السعرين لا يتجاوز بضع جنيهات، ولكن مع استمرار وتفاقم مشكلات الوضع الاقتصادي بات من الصعوبة الحصول على تلك العملة عبر المنافذ الرسمية للحكومة، التي عانت بدورها من ندرة في العملات الأجنبية التي يتصدرها الدولار مع عجز بائن في الميزان التجاري، جعل مهمة المعالجة أكثر تعقيداً.
ومن ناحيته، أكد الخبير الاقتصادي بروفيسور عصام الزين ان الحديث عن التعديل التدريجي لأسعار الصرف على مدى عامين وصولاً للسعر الحقيقي يُعد كارثه حقيقية سوف تزلها وزير المالية المكلف على الاقتصاد السوداني وتريد أن تكمل المأساة التي بدأها البدوي، محذراً من أن الوضع الاقتصادي الراهن سيزداد سوءاً. وقال ان برنامج البدوي كان يتعارض مع الوثيقة الدستورية للثورة والتي تدعو الى التنمية المستدامة، مكافحة الفقر وبناء السلام، واعتبر زيادة المرتبات بنسبة 536%، من غير اي حساب أو وجود موارد حقيقية مع العلم بوجود شُح في كل السلع والخدمات، ان استخدام المطبعة أدى لأول مرة في السودان الى التضخم الجامح، وأصبح السودان في التضخم الأول أفريقياً والثاني عالمياً بعد فنزويلا (136% النسبة الرسمية التضخم عن الشهر الأخير في السودان) تحليلات الصندوق أفادت بأن نسبة التضخم في السودان بلغت 1300% في العام، وأن السودان دخل في مرحلة التضخُّم الجامح، اي أخطر الأمراض الاقتصادية (سرطان الاقتصاد)، وقال إنّ البدوي صاحب فكرة توحيد سعر الصرف برفع السعر الرسمي بهدف الوصول إلى سعر السوق الموازي؟ بدون احتياطات وتجاهل ان هنالك سوقا موازيا ضخما لتجار عملات مضاربين، هذه أصبحت مهمتهم ونشاطهم الرئيسي، وكلما ارتفع السعر رفعوه أعلى منه، وبهذه الطريقة الخاطئة التي اتبعتها أنهى الجنيه السوداني، واصبحت معظم المعاملات تحسب بالدولار الذي وصل رقماً قياسياً، واشار الى انه كان يتحدث كثيراً عن رفع الدعم؟ وطرح سؤالا: ألم يكن يعلم أن العلاقة بين سعر الصرف والدعم علاقة طردية؟ الدولار زاد هذا يعني ان حجم الدعم زاد، وبهذه الطريقة ادخلنا في ما يُسمى بنظرية الهوس وعن ما اسماه بسياسة سعر الصرف المُدار لا يُدار بالمنشورات الفوقية؟ ألم يعلم أن أكبر دمار في الاقتصاد السوداني حدث بسبب هذه السياسة المختارة فقط من أجل حروفها. تكلفة الإنتاج صارت مبالغ فيها، وهذا كله سيزيد من تعقيد التجارة المحلية والخارجية، وفشل في السياسة النقدية، الصادر، سعر الصرف، داعياً للإسراع بمعالجة الدمار الذي أحدثه البدوي خلال العام قبل أن تتعقّد الأمور لأكثر من ذلك، ومن ثم تسقط شعارات الثورة بناءً على الاستمرارية في ذات النهج القديم.