(شلليات) في السلطة.. فساد التمكين !
نجدة بشارة / أبوبكر عيسى
قلل حمدوك من الحديث حول ما أثير عن تحكم مستشاريه في اتخاذ القرارات وتوجيه أداة الحكومة وفقاً لرؤية حزبية محددة، وأكد أن مايثار عن شلة المزرعة مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة، وأن الحديث عن المستشارين فيه استفزاز، ونحن نعمل وفق برنامج حقيقي، وأضاف: أنا أستغرب من هذا الحديث، وكان متابعين قد انتقدوا ادارة حمدوك لحكومتة، وانها تقوم على توجيهات تصدر من جلسات خاصة لـ(شلة) بالمزرعة.
وحسب مراقبون فان الحديث عن (الجهويات والشلليات)، لم يكن جديداً إذ سبق وأنتشرت هذه الظاهرة بالحكومة البائدة، حتى أن بروف غندور سبق وأقر معترفاً بوجودها، وقال على الملأ: (لا نريد شلليات في حزبنا وأي شللية أعرفها بفرتقها)، ورغم تحذيرات غندور وقتها إلا أن نظام الشلليات ظل متحكماً في مفاصل الدولة حتى عجلت بقصم ظهرها، وإظهار ضعفها وسؤاءتها للعلن، اليوم وبعد الثورة التصحيحية بدأت الظاهرة تطفؤ للسطح مجدداً، وباتت أغلب المناصب التنفيذية بحكومة الحرية والتغيير تعطى لأولي (الشلة) دون النظر الى الكفاءة أو الخبرات.. فهل ستذهب حكومة (قحت) في ذات الطريق والنهج الذي وأد الحكومة السابقة؟!.
شلة المزرعة
وكان البيان الذي أصدره وزير المالية المستقيل إبراهيم البدوي فجّر جدلاً واسعاً في الساحة السياسية سيما أن البيان أشار تلميحاً وتصريحاً للدائرة الضيقة حول رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك أو ما يعرف بمستشاريه، وهم المعروفون اصطلاحاً في الميديا بتفرعاتها المختلفة بـ(شلة حمدوك) وأشار إليها البعض الآخر بـ(شلة المزرعة)، حيث يدور جدل كثيف في أوساط المدينة السياسية حول المجموعة المقربة من حمدوك، الذين أشار إليهم البدوي في بيانه أنهم ممسكون بعدد من الملفات خاصة الاقتصادية.
إزالة التمكين ولكن
لا شك أن التغيير كان هو لسان حال السودان أجمع خاصة بعد ما عاناه السودان والسودانيين على جميع الأصعدة من حكم الجبهة الإسلامية (الكيزان) على مر الثلاث عقود التي هتكت فيها حكومة الانقاذ كل ما يعتبره المواطن السوداني غال ونفيس، والسمة العامة على حكومة الانقاذ كانت صفة الفساد التي زادت من حنق الشارع تدريجياً الى أن جعلت حليفها هوخصيمها الأصعب والأشد.
ولكن الحنق الذي أدى الى سقوط حكومة الإنقاذ وعلى مجمع الشارع في رؤاه عن السقوط هو (التمكين) الذي مارسته الانقاذ لمنتسبيها جاعلة منهم متقلدي المناصب العليا ومنفذي الأجندة الديكتاتورية وما صاحب هذه الأجندة من ثقافة تعالي على المواطن، فجعلت من سقوط البشير وأعوانه مسألة وقت لثورة ديسمبر المجيدة التي كان وقودها شباب هذه البلاد والذي حمل بدوره راية (لا تمكين بعد اليوم) ولابد من حكومة تلبي طموح كل مواطن بما يكفل له الحق في شغل العمل العام بموجب كفاءته.
طموح الديموقراطية
فكانت الانتقالية التي تمنى الكل أن تلبى طموح الشارع المتعطش لديموقراطية لم ينلها في تاريخ السودان بمختلف تغيراته الزمنية بما فيها القديم والحديث والمعاصر، والتي في بادئ الأمر كانت تسير وموجب الشارع وطموحاته التي دعت إلى إزالة التمكين وإحلال الكفاءات الوطنية محله وفق تصور كل مواطن بما يفهمه من مسمى تجمع للمهنين عازم بدوره على قيادة دفة البلاد وفق المهنية المعنية بالتراضي مع القوى السياسية التي شاركت في الثورة كحليف لاسقاط نظام البشير وربطها كأحزاب قلبها على البلاد وعلى الديموقراطية المنشودة فجيئ بحمدوك كبادرة تخصصية لما يتمتع به الرجل من صيت ذائع في شأن الاقتصاد ولحوجة البلاد لخبير مماثل لما احدثته حكومة الانقاذ من ترهل اقتصادي. والذي استبشر به الشارع خيراً ولازال نسبة لما بذله الشارع السوداني من دماء طاهرة لقاء هذا التغيير فكان لابد ان ترتضي من تراه قوي وأمين على مكاسب ثورتها، فعمل بدوره رئيس مجلس وزراء الحكومة الانتقالية الدكتور عبد الله حمدوك على اختيار حكومته وذلك بالتنسيق مع قوى الحرية والتغيير وتم تكوين مجلس الوزراء والشروع في تنفيذ رؤى الثورة وكانت تسير وفق مايراه الشارع مخططا له ثورياً وتغييراً يشبه الثورة والثوار بيد أن البعض يرمز إلى أن بعض الشلليات ارتبكت في هذه التعيينات بالاشارة إلى مكتب إعلام حمدوك وغيره.
قديم متجدد
ترهل المؤسسات الحكومية وفسادها كان لهما القدح المعلى في الخروج الى الشارع على الانقاذ فكان لابد من اشتراط الشارع على اي جسم يتم تكوينه على ان يتخلص من ذلك الفساد ممثلا في ادارات التمكين المختلفة في اغلب مفاصل البلاد وعندما تم الاتفاق على الانتقالية ومباشرتها بأعمالها كحكومة بلاد عملت على تكوين ذلك الجسم الذي اشترط على تسميتها (لجنة ازالة التمكين) والتي اسندت لعضو السيادي محمد الفكي كقائم على ادارتها ويشترط الكيفية التي يتم بها التخلص من ذلك التمكين وتعيين الافراد في المؤسسات المختلفة كأدوات أزالة لذلك التمكين والعمل على رفع التقرير بشأن الفساد المعني وتحديد الحاجة المعينة للكفاءة التي لابد وان تحل محل هذا التمكين وتحقيق رغبة الشارع في جهة خدمية متمكنة واكثر دراية بأزمات البلاد وترقى بدورها لما يلبي طموح كل فرد يقصدها كمواطن، بالمقابل أنتقد متابعين على منصات التواصل الأجتماعي مسئول حكومي أعاد زوجتة الى الخدمة بعد فصلها لخمس عشر عام مضت، وقالوا بأن المسئول نفسه يتقلد ثلاث مناصب حساسة بالدولة مما أثار أستياء الشارع .
لوبيات وشلليات
ولعل حملة التطهير الواسعة التى أنتظمت بالدولة على خلفية قانون إزالة التمكين، خلف عدد كبير من الشواغر في المناصب التنفيذية، حتى أن مصدر بالحزب البائد ذكر لـ(الصيحة) في وقت سابق، أن عضوية الحزب التي تم إبعادها من المؤسسات الحكومية سوى بالاحالة للمعاش أو تحولهم لمواقع أخرى أو تخفيض درجاتهم بلغت (18) ألف عضو بولاية الخرطوم، فاذا أستندنا الى هذه الوقائع، اذن من أين أوجدت حكومة الحرية والتغيير الكوادر المؤهلة والجاهزة لتخلف هذا العدد الكبير من الشواغر التنفيذية.
وكان رئيس حزب الأمة الوطني عبد الله مسار القيادي بتحالف نهضة السودان قد وصف الحكومة الانتقالية برئاسة حمدوك بانها حكومة (شنط) في أشارة الى أن أغلب وزرائها جاءوا من المهجر عقب سقوط الحكومة مباشرة ولا يعرفون عن مشاكل السودان أبعد من حدود الخرطوم، ووافقه الراى عدد من المحللين، مشيرين الى أن كل من جلس على الكرسي شرع في البحث عن موطئ قدم للوبيات أو لشلته من الناشطين سياسياً دون أن يلتفت الى كفاءة أو خبرة محددة.
تيار ثوري
ويقول المحلل السياسي د. الحاج محمد خير (للصيحة) إن الشللية في أغلب الأحيان تكون إما نتاج مرجعية جهوية أو مرجعية فكرية أو التقاء مصالح مشتركة، وإذا كانت هنالك شللية بالحكومة الانتقالية فان الأمر أكبر من أن يكون شلة فهو تيار حداثه، تشكل عبر الأنتماء لنهج الثورات أو المبادئ الثورية التي تفتقت من الثورات العربية ليصبح نهج ثورات، وربما أصبح مبادئي للثوريين.. وبالسودان تبنى الفكرة الحرية والتغيير، الوعاء الجامع للأحزاب الشريكة في النضال، وأردف بأن هذا التيار يلتقي فيه الشيوعي والبعثي وحزب الأمه كلهم سواقط أحزابهم التئموا على مبدا التحرر من الدولة التقليدية الى دولة الحداثة (العلمانية) ويزيد الحاج، في تقديري ربما هذا ما يقصد من حكومة الشلليات، أضف الى ذلك أن أغلب مكون التيار الحديث تبنى الذهنية المتماهية مع السوق السياسي العالمي تيار الانفتاح وبالتالي فالفكر يمثل وعاءاً جامعاً لكل من يتبناه دون قيود بل يتعدى حدود الشلليات الضيقة ويخشى الحاج من أن تعوق هذه الانتماءات السياسية الجديدة مسيرة الحكومة في المرحلة القادمة.
مؤشرات
المحلل السياسي بروف حسن الساعوري رسم أربع سيناريوهات وقال أن وجودها دليل على وجود الشلليات في ادارة الدولة ومفاصلها وإلا فإن الحديث يظل مجرد انتقادات وتهم جزافية، وقال لـ(الصيحة)، فلننظر أولاً الى عضوية مجلس الوزراء هل هم من جسم واحد أو منطقة معينة، ولابد أن نذكر هنا أن طاقم الحكومة تسلمها حمدوك في شكل قائمة ترشيحات دفعت بها (الحرية والتغيير)، ثانياً ننظر الى القرارات التي تصدر من المجلس هل هذه القرارات توحي بخروجها من مطبخ واحد، وتخدم شريحة معينة أم تصب في خدمة الدولة ومصالحها، المؤشر الثالث قرارات التمكين والإزالة وأعادة تعيين أشخاص في الشواغر هل هم من الكفاءات أم من شريحة معينة، مشيراً إلى أن هذه الممارسات أذا وجدت ستؤدي بلاشك في الأخير إلى نسف الدولة أو الحكومة الأنتقالية طال الزمن أو قصر، وأذا لم يتم أحجام هذه الظاهرة فقد تحمل أسباب فناء (قحت) بداخلها
الوطنية
وخلاصة الأمر فان كل ما في الجهاز الوظيفي ومناصب الصف الأول في أي دولة متحضرة ستتقوقع أمام الوعي والحداثة ما دام البعض من المسؤولين ينتهج سياسة أولى القربى، بالتأكيد عندئذ ستساهم هذه السياسة على الإبقاء على العقلية البيروقراطية التقليدية، مع الحاجة للدفع بالاتجاه الحقيقي نحو إحداث التغيير الجذري في العقل المسؤول.. وبالتألي لا بد من الإتجاه الحقيقي نحو إحداث التغيير الجذري في العقل المؤسسي لقطاعات الدولة المختلفة وطريقة إدارتها بالشكل الذي يمكنها من إدارة شؤونها وتحقق أهدافها المرجوة من خلال شخصيات وطنية قيادية مؤهله ذات بعد كارزمي تقنع الجميع بالالتفاف حولها وتستحق المكان والمنصب.. وليست مشروعاً لاعادة انتاج سياسيات أوالانحياز للشلليات الضيقة.