مُحاكمة المُتّهمين غيابياً.. الهروب من العدالة!
الخرطوم- أم سلمة العشا
أسئلة قَد تتبادر لدى الكثيرين لماذا أخفى ثلاثتهم (كرتي ومحمد عبد الحفيظ الدنقلاوي وعمر سليمان)، أنفسهم للحيلولة دون القبض عليهم، ومَن وراء الاختفاء الكامل للمتهمين، حتى عجزت السلطات في العثور عليهم وهم موجودون بالداخل؟ ولمصلحة مَن؟ وهل يخشى المتهمون الاعتقال؟ ثلاثتهم شركاء مهندسي الانقلاب الذي أتى بهم للسلطة برئاسة المخلوع البشير، ذلك النظام الذي تدثّرت قياداته بالقوة والشجاعة والجرأة، ومُؤسفٌ أن يتّهم منتسبوه بالهروب إزاء شعارات رفعها مناصرو المتهمين ويأملون في العودة إلى السُّلطة مُجدّداً.
فشلٌ ذريعٌ
اعترافٌ صريحٌ أعلنه رئيس هيئة الاتهام في بلاغ انقلاب 30 يونيو 1989م سيف اليزل محمد سري، أمس الأول أمام المحكمة الموقرة بأنّ النيابة فشلت فشلاً ذريعاً في كل محاولات القبض على (6) متهمين هم ضمن المجموعة التي شاركت في الانقلاب، من بينهم ثلاثة خارج السودان، بينما البقية أخفوا أنفسهم للحيلولة دون الوصول إليهم، ما دفع اليزل بطلب للمحكمة بأن تتم مُحاكمتهم غيابياً وفقاً لنص المادة (134 أ) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م، إجراءات اتّخذتها النيابة العامة قبل إعلانها الصريح بالفشل في القبض على المتهمين تم إعلانهم بالنشر في الصحف، وبجانب رصد تحرُّكات المُتّهمين وفقاً لخط سيرهم وتواجُدهم بناءً على معلومات توافرت وقتها، ولكن جميعها لم تُكلّل بالنجاح، وهم: صلاح كرار، الهادي عبد الله وصديق فضل وجميعهم خارج السودان، أما علي كرتي ومحمد عبد الحفيظ الدنقلاوي وعمر سليمان موجودون داخل السودان!
تحرُّكات واضحة
تحركات رصدتها اللجنة المكلفة بالتحري والتحقيق في انقلاب يونيو عام 1989م تجاه وزير الخارجية الأسبق علي كرتي، المتهم بتنفيذ وتدبير الانقلاب على السلطة برئاسة عمر البشير وآخرين، داخل العاصمة الخرطوم، وذلك من خلال تحديد نقاط ارتكاز الرجل.
وكشفت مصادر عليمة لـ(الصيحة)، عن وجوده في مزرعته الخاصة بمنطقة (السليت)، وبحسب الخُطة الموضوعة لسُلطات المباحث وفق توجيهات النيابة العامة، اتّضح أن كرتي يقضي جُل يومه في مزرعته الخاصّة ومن ثمّ يعود إلى منزله في ضاحية الرياض بالخرطوم، دُون أن تستطيع أي جهة القبض عليه في حركة مشهودة بحسب ما أكّدته المَصادر، ما يُثير التساؤل، مَن الذي يقف وراء كرتي؟ ولماذا كرتي تحديداً؟ ولماذا لم يحدث ذلك مع بقية المتهمين الذين يقبعون في سجن كوبر؟!
هذه الخطوة سبقتها خطوات بيّنتها النيابة أنّ كرتي وآخرين هربوا أو أخفوا أنفسهم بعد أن صَدرت في مُواجهتهم أوامر قبض للحيلولة دُون تنفيذ الأمر، وطلبت منهم تسليم أنفسهم لأقرب قسم شرطة في مدةٍ لا تتجاوز أسبوعاً، على أن يتم الحجز على أموالهم بعد انقضاء الفترة.
مُخاطبة رسمية
مِن بين الخطوات الرسمية التي اتخذتها النيابة بحسب المصادر، فإن اللجنة خاطبت شركة زين عبر مكتوب رسمي لمدِّها بسجل المكالمات التي رُصدت بين كرتي وأطراف أخرى من بينهم ابنه، لتحديد مكانه الذي يُوجد فيه، وأفادت المصادر أنّ السُّلطات المعنية حدّدت نقطة ارتكاز كرتي، والسيارة (البرادو) التي يقودها ذات اللون الأبيض ورقم اللوحة (4599).
هذا هو كرتي، فقد هرب وتوارى عن الأنظار خوفاً من الاعتقال هو ذات “الدباب” علي الكرتي، رجل النظام السابق القوي، الذي كانت تهابه شخصيات كثيرة في نظام الإنقاذ، كرتي لم يكن بالرجل السَّاهل، كان عنيداً في طرح آرائه داخل اجتماعات حزب المؤتمر الوطني، وأثناء عمله في وزارة الخارجية، مشهور عنه أنه كثيراً ما خالف توجيهات رئيسه البشير، ورفض بعضاً من قراراته الجمهورية (بحسب مقال للكاتب بكري الصائغ).. والمعروف عن كرتي أنه رجل أعمال كبير، وصاحب (بزنس) من الحجم الثقيل بفضل الامتيازات والقروض والتّسهيلات المصرفية التي حصل عليها خلال سنوات عمله بوزارة العدل والخارجية، وأنه واحدٌ من أشهر المليونيرات ثراءً وغنىً.
أمر اعتقال
وكانت النيابة العامة، أمرت باعتقال وزير الخارجية السابق علي كرتي لضلوعه في الانقلاب العسكري سنة 1989، الذي استولت بمُوجبه الحركة الإسلامية السياسية على السُّلطة، وأصدر النائب العام تاج السر علي الحبر، أمراً بتجميد أصول كرتي، كما أمر باعتقال (5) أشخاص آخرين، ويأتي الإجراء على خلفية بلاغ تقدّم به مُحامون سُودانيون بينهم السياسي والقانوني الراحل علي محمود حسنين في مايو الماضي، ضد مُدبِّري انقلاب 1989 من العسكريين والمدنيين، واستند المُحامون في دعوتهم إلى المادة (96) من قانون العقوبات السُّوداني والخاصّة بتقويض النظام الدستوري، وشملت الدعوى، جميع أعضاء مجلس قيادة “الثورة” الأحياء وآخرين، مع اعتبار البشير متهماً أولَ، واستثنى من البلاغ الأكاديمي الطيب زين العابدين لثبوت مُعارضته فكرة الانقلاب.
وكانت المحكمة الخاصة بمُحاكمة مُتّهمي انقلاب 30 يونيو 1989م، أعلَنت مُحاكمة (6) مُتّهمين غيابياً، ثلاثة منهم خارج السودان والآخرون أخفوا أنفسهم، عقب طلبٍ تقدّم به رئيس هيئة الاتّهام أمام المحكمة، وأمرت النيابة بإعلانهم عن طريق وسائل الإعلام.