الجميل الفاضل يكتب :
ثمة من يحثُّ الناس للغضب أو للتغاضب غداً الجمعة، من أجل دينهم، هذا الدين الذي يأمر رسوله، المؤمنين ألا يغضبوا هكذا على الإطلاق.
فضلاً عن أن من يدعو الناس للخُروج مُغاضبين اليوم أو غداً، يُحرِّضهم على الانتصار لتصوُّره هو لهذا الدين الذي يتظنى والحال هكذا.. أن تعديلات جرت على قوانين السودان تعد هزيمة للدين.
هذا الدين الذي لخّص غايته رسوله الذي أوتي جوامع الكَلم في أن بعثته ما جاءت إلا ليتمم بها “مكارم الأخلاق” التي كانت من لدن أبو البشرية آدم وإلى يوم الناس هذا.
هذا النبي (ص) نقيض الفظاظة والغلظة، عَاشَ رفيقاً بالخلق كلهم، شجراً، وبشراً، ودواباً، بل وسائر الموجودات كلها. ومن باب أولى كان وسيظل بوصف إلهي مجمل “رحمةً مُهداةً” من خالق الناس للناس طراً، مُؤمنهم وكافرهم كذلك.
تصوّر أنّ ديناً يصدر خليفة رسوله الأول أبو بكر الصديق أوامر مُشدّدة لجيش أسامة بن زيد والناس في حالة حرب.. يقول فيها:
(لا تخونوا، ولا تغِلو، ولا تغدروا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نَخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرةً مُثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيراً إلا لمأكلة. وسوف تمرُّون بأقوام فرّغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له).
مثل هذا الدين ليس بحاجة لمن ينصره بإسقاط “قحت” يا هؤلاء.
فالناس على قول الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.. قد ولدتهم أمهاتهم، ذكراناً وإناثاً، أحراراً بغض النظر عن ألوانهم ومُعتقداتهم وأفكارهم.
صحيح أن التاريخ على هذه الأرض يصنعه الأخيار والأشرار معاً.. ومن سنن الله أن جعل في الأرض ثَقَلين.. إنس وجان، خرج من كليهما.. مخرجان، مخرج صالح، وآخر طالح.
وبالطبع فالمخرج الصالح هم “أولياء الله”، والطالح “أولياء الشيطان”.
نعم الشيطان.. ذلك الكائن الذي لا نراه رغم أنه موجود في الحقيقة مثلنا على الأرض.. يُوحي هو وأولياؤه إلى بعضهم زخرف القول غروراً، ليُنتج هذا التواصل فئتين من الشياطين.. فئة نسمعها ونراها ونكلمها ونشمّها ونعاشرها، نلدها وتلدنا، نوآخيها وتُوآخينا.. وفئة أخرى من ورائها ترانا ولا نراها.. إحدى الفئتين تسمى “شياطين الإنس” والأخرى “شياطين الجن”.
القاعدة.. إنه كلما حَلّ أولياء الشيطان من الإنس بأرض، حَلّت بها كذلك الشياطين ذاتها، دون حاجة لأوراق عمل تعدها مؤتمرات الاستراتيجية.
المُهم.. كلما كثر بأرض الأفاكون الآثمون الكذابون الخراصون من الإنس.. تنزلت عليهم، وعلى تلك الأرض التي هم عليها الشياطين.. فقد قال سبحاته وتعالى: ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾.
فالتحالف الشيطاني بين الإنس والجن قادر بغلبته لو أنه تغلّب على شيطنة الأرض نفسها، بجعلها مرتعاً خالصاً للشياطين من الفئتين، بلا حاجة لتأكيد المتباهي بأن ما يفعله هو ونظامه يترك الشياطين في حيرةٍ.
والعكس صحيح، فإنّ أيِّ أرض يحلُّ بها “أولياء الله” تحلُّ بها الملائكة، سواء الملائكة الطوافون الذين يجدون مراتعهم في حلق الذكر، أو أولئك المُبشِّرون المُكلّفون بنقل البشارات إلى عباد الله الصالحين، الذين تتولاهم الملائكة بأمر من الله في الحياة الدنيا حيث قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ….).
فالاستقامة عين الكرامة، ولذلك نحن نأخذ ديننا مِمّن استقاموا لا من قالوا.