الطاهر ساتي يكتب :
:: صُور مُشرقة، ذات صلة بالشرطة، بوسائل التواصل.. أحدهم كان يُراجع الدرس لبعض التلاميذ بمنطقة الإسكان بأم درمان، والآخر كان يحمل تلميذاً مُصَاباً بكسر في ساقه إلى قاعة الامتحان بالخرطوم بحري.. تم توثيقهما بكاميرا الهاتف، ثم نشروا الصور في وسائل التواصل التي اشتعلت حُبّاً وإعجاباً واحتراماً بالمُوقفيْن الرائعيْن.. وبالتأكيد ليس في موقف هذيْن الشرطييْن ما يُثير الدهشة لحد التصوير والتوزيع، إذ هما من شعبٍ مُعتادٍ على الشهامة والمروءة..!!
:: وامتثالاً لنبض رُوّاد وسائل التواصل، كرّمت رئاسة الشرطة، الشرطي مدثر عبد الله عوض الله، وهو مَن كان يُراجع الدروس لتلاميذ مدرسة بحي الإسكان بأم درمان.. وبعد ترقيته، أشاد به مدير عام الشرطة الفريق أول حقوقي عز الدين الشيخ، واعتبره النموذج المثالي للشرطي، والقُدوة لرفاقه والمُجتمع.. لقد أحسنت رئاسة الشرطة عملاً بترقية هذا الشرطي وتكريمه، إذ في تكريمه تكريمٌ لكل شرطي مثالي، وما أكثرهم..!!
:: في الذاكرة واقعة وثّقتها ونشرتها سبع سنوات.. وحدثت في مثل هذه الأيام، أي قبل عيد الأضحى بأسبوع تقريباً، حيث تلقّى قسم الشرطة بشرق النيل بلاغاً يُفيد بأن هناك عَمَالة تُدير منازلاً للرذيلة والخمور بشاطئ النيل.. تحرّكت عربة الشرطة، وفيها العريف أحمد موسى إلى تلك المنطقة.. وعندما شعرت العَمالة بالشرطة، هرب بعضهم، وتم القبض على البعض الآخر..!!
:: ولكن امرأة ألقت بنفسها في النيل.. لم يشعر بها أحدٌ.. ولكن تفاجأ العريف أحمد موسى بصرخة المرأة واستنجادها. وبأخلاق المهنة، رمى بنفسه إلى النيل.. ووصلها وهي في الرمق الأخير.. وأمسك بها ودفعها أمامه حتى وصل بها إلى برّ الأمان وهي في حالة إغماء.. ثم أراد أن يصعد إلى أعلى، ولكن شاء القدر بأن يكون المسار الذي اختاره للصعود جُزءاً من هدّامٍ آيلٍ للانهيار، فانهار عليه وقتله..!!
:: استشهد أحمد موسى، عليه رحمة الله، ليُنقذ بائعة بإحدى مناطق كولمبيا بشارع النيل، قبل سبع سنوات، وكل وقائع الحادثة مُوثّقة في إرشيف الزاوية.. فالشرطة ليست عدوّاً للمُواطن، أو كما يتوهّم البعض ويسعى البعض لترسيخ هذا الخطل في المُجتمع، بل هُم خيارٌ من خيار الشعب.. وليست من الحِكمة أن يتّخذ المُواطن الشرطة عدوّاً.. وكثيرة هي الوقائع التي تُؤكِّد بأنّ الشرطي كان ولا يزال وسيظل أحد ضحايا (السِّياسة)، أي كما المُواطن الذي يدفع ثمن أخطاء السياسة وكوارثها..!!
:: وليست الشرطة وحدها، بل كل مُؤسّساتنا العسكرية، أفرادها يُعانون من ضنك الحياة كما المُواطن، ويحلمون بغدٍ سعيدٍ لوطنهم كما يحلم المُواطن.. ومهما كانت وطأة الظروف الراهنة وقسوتها في الشوارع والأسواق، إذ ليس من الحكمة أن يتّخذ المُواطن مُؤسّساته العسكرية (عدوّاً).. فالعدو دائماً ما يكون نهجاً سياسياً قبيحاً، كنهج النظام المخلوع على سبيل المثال.. وكما المواطن، فالقوات النظامية أيضاً تدفع ثمن أخطاء وجرائم وكبائر النهج السِّياسي الردئ..!!
:: وعلينا تعليم أطفالنا، وتذكير شبابنا، بأن الجندي أحد أبناء المُجتمع، وسيظل متحلياً بقيم وصفات مُجتمعه، ويتقاسم معه السراء والضراء.. وما يجب أن يعرفه أطفالنا وشبابنا هو أن القوات النظامية لم تفرض – على الشعب والبلد – الوضع السِّياسي السابق، وليس من العدل أن تتحمّل مُؤسّساتنا العسكرية مسؤولية وسخ النظام المخلوع – سبّاً ولعناً وجرحاً وموتاً – إنابةً عن مسؤولي الحزب الذي كان حاكماً..!!
:: وليس من الوطنية أن نهدم المُؤسّسات العسكرية أو نضعفها بالإعلام غير المسؤول.. وليس فقط في أشهر الثورة، بل في كل الأحداث التي كان ضحيتها جندي أو مُواطن، فإن كلاهما دفع ثمن السِّياسات الخاطئة وجرائم السِّياسيين.. ولا أحد غير المُسمّى بالمسؤول السِّياسي يفسد الود بين الجندي والمُواطن.. ومع نقد الأخطاء وإصلاح القوانين، يجب أن يبقى الود راسخاً بين الشعب وجُنُوده، حتى لا نتفاجأ بوطن – كما الغابة – البقاء فيه لذوي الأنياب فقط لا غير..!!