البدوي.. كشف المستور!!
تقرير- عبد الله عبد الرحيم
مَا زالت استقالة الدكتور إبراهيم البدوي وزير المالية عن مهام وزارته ضمن الوزراء الستة الذين قبلت استقالاتهم مؤخراً، تجد الكثير من ردود الفعل، وتلقي بالكثير من المُغالطات السياسية في أضابير ومواقع القوى السياسية التي ما فتئت تتناول أسباب الاستقالة بشيءٍ من التحليل وعدم الرضاء، الذي صادف عملية قبولها وبصُورة مُتسرِّعة بحسب بعض المراقبين الذين ربطوا بين مُوافقة حمدوك وقُبُوله المُضِي قُدُماً دون أحد كوادر حكومته الذين بنيت عليهم سياسات الحكومة الانتقالية اقتصادياً، بعد أن تبنى فيها موضوع الإصلاحات الاقتصادية مثل رفع الدعم وغيرها من الثوابت الاقتصادية، وبحسب مراقبين، “إنها من أوقفت مسيرة البدوي عن المُضِي قُدُماً في الحكومة الانتقالية”، فما هي الأسباب الحقيقية التي وقفت حجراً لا يُمكن إماطته عن الطريق، واستعصى على البدوي تجاوزه فغادر طاقم حكومة حمدوك باستقالة وجدت الكثير من ردود الفعل..؟
مفاجأة البدوي
التساؤلات والنظرات الحيرى التي أُبديت، لم تترك البدوي يقف مكتوف الأيدي وهو يرى أن أمر استقالته من الحكومة الانتقالية قد فرض نفسه على كل المجالس السياسية والاقتصادية، فقد دفع ببيانٍ أمس إلى وسائل الإعلام، موضحاً فيه الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الخطوة، وظهر عدد من النقاط المتعلقة بالعمل والعلاقة مع رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، وذكر البدوي في بيان صحفي مؤخراً، أنه تلقّى خبراً موثوقاً بأن هناك ترتيبات كانت تُجرى وراء الكواليس وبتكتم شديد، للتفاهم مع شخص من داخل الوزارة وعلى دراية بمفاوضات (SMP) لإصلاح الاقتصاد ليصبح وزيراً مكلفاً بديلاً عنه عندما يأتي الوقت المعلوم، وقال البدوي إنه في الأسبوع التالي للاجتماع الأخير الذي جمعه برئيس مجلس الوزراء لم يسمع شيئاً عما تم الاتفاق عليه فيما يخص البرنامج مِمّا دفعه لتذكيره من خلال مُحادثة هاتفية معه في السابع من يوليو الحالي باتفاقه بشأن إجازة تفاهمات برنامج (SMP) ومواصلة الحوار حول القضايا الأخرى التي أثارها معه، وتابع: “وعدني الرئيس بدعوة المجلس في اليوم التالي، ولكن لم يحدث ذلك”، وأردف البدوي: “لم يزعجني اختيار وزير مكلفٍ، لأنني كنت قد قرأت ماذا يُريد الرئيس من حيثيات عدم الفعل الذي اتسم به موقفه”، واستطرد: “وبناءً عليه حزمت أمري بأنني لا بد أن أغادر وأصِر على ذلك”.
خلافات قبل الاستقالة
ويرى د. السر محمد حسن الخبير الاقتصادي لـ(الصيحة)، أن هناك العديد من الإشارات تشير إلى أن الاستقالة قد سبقتها مماحكات كثيرة جرت في أتون مجلس الوزراء بين السيد الوزير ورئيس مجلس الوزراء هي من ألحقت الحالة الراهنة إلى ما هي إليه، وقال إنه وفي العام الماضي 2019م، كشفت تقارير نشرها مُقرّبون من وزير المالية السابق إبراهيم البدوي عن خلافات بينه وبين مستشار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك كانت سبباً في تقديم استقالته، وأوضحت تقارير أنّ الوزير احتج لدى حمدوك على تدخلات مستشاره الشيخ خضر في تنفيذ البرنامج الاقتصادي الذي أجازه مجلس الوزراء، وأكد ذات المصادر أنّ البدوي تقدّم باستقالته في العام 2019 في شهر أكتوبر ولكنه تم إثناؤه عنها من قِبل قِوى “قحت” التي أرسلت وفداً لمقابلته في واشنطن، وأماطت المصادر المُقرّبة اللثام عن تنسيق بين الشيخ خضر ووزيرة المالية المكلفة هبة عبد الله، نجح في إرغام البدوي على تقديم استقالته والتي قبلها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مُؤخّراً.
صفقات وتراجع
وربط د. الفاتح محجوب مدير مركز الراصد والمحلل السياسي، استقالة البدوي بما يجري داخل الحكومة الانتقالية وقال لـ(الصيحة) إنّ د. البدوي عقد صفقات بمعية د. حمدوك مع الشركاء ببرلين باتفاقٍ واضحٍ، أن يتم رفع الدعم السلعي عن المحروقات والكهرباء ويتم الاستبدال بدعم نقدي وتكفُّل البنك الدولي وآخرين بتمويل المبالغ كبديل والتي كانت يجب أن تشمل (80%) من الشعب الألماني، وتكلفتها كانت اثنين مليار دولار والمبلغ الذي تم توفيره في حدود (500) مليون دولار، والاتفاق كان يُفترض أن يجتمع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي ويجيز الاتفاق الذي تمّ مع الشركاء والذي بمُوجبه يتم تحريك أسعار الوقود والكهرباء وفق الاتفاق الذي تمّ مع الشركاء، وما حدث وفقاً للبدوي أنه قد حدث تراجُع من قبل حمدوك رغم أنه أصدر بياناً للشعب السوداني وأعلن أنه سيتخذ قرارات اقتصادية صعبة. ولم تنعقد جلسة لمجلس الوزراء الطارئة التي كان يُفترض أن تنعقد الأسبوع الماضي وقبله وتأجّلت، وعلم أنّه طالما أنّ رئيس الوزراء يرفض عقد الجلسة المتعلقة بالقرارات الاقتصادية المُتّفق بشأنها مع الاتحاد الأوروبي قام بتقديم استقالته. وبحسب رأي البدوي، فإنه لا يجب للحكومة الانتقالية أن تتخلّف عن الاتفاق الذي تم التوصُّل اليه مع الشركاء، الذين يرون أن الدعم إنما يجب تقديمه للتعليم والصحة وليس للكهرباء وغيره.
أفضل الخيارات
ولكن حيثيات تلك القرارات كانت تتم بالداخل وفق دائرة يمكن تكون محدودة وفي إطار ضيق جداً، لذلك يرى الفاتح أن البدوي واجه اعتراضات كبيرة من قِبل قِوى الحرية والتغيير ومن قِبل اللجنة الاقتصادية، بجانب ان جزءا من صلاحيات وزارته ذهبت لنائب مجلس السيادة رئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية وجزءاً من صلاحياته آل لمستشاري رئيس مجلس الوزراء ورئيس الوزراء شخصياً وهذه من الأشياء التي دفعت البدوي إلى المغادرة، وقال إنّ هذه المسألة جعلت وزير المالية دُون صلاحيات تُذكر، وأكّد أنّ الحديث حول الشيخ خضر ربما يكون هو أحد المرشحين ولكنه ليس من الأسباب التي أدّت لاستقالة البدوي، ووصف محجوب، مُقترح تجزئة الوزارة للتخطيط وآخر للخزانة بالمقترح الجيد، لكنه أكّد أنّ القرار السليم هو أن يكون البدوي للتخطيط، لأنه من وصل لاتفاقيات مع الشركاء حول الخطط الاقتصادية الموجبة لدعم المانحين للسودان، وهو كوزير للخزانة لم يكن ناجحاً بالتأكيد لأنه واجهته مشكلة توفير الموارد للاستيراد والمرتبات ولم يستطع معالجتها، لكنه كمخطط في إطار التخطيط للاقتصاد الكلي نجح، فوضع أسسا واضحة لإخراج السودان في موضوع إلغاء الدعم والتنسيق مع البنك الدولي والشركاء، ومن الأفضل أن يتم الاحتفاظ به كمستشار للسيد رئيس الوزراء وهو مكسب حقيقي كمخطط اقتصادي.