محمد محمد خير يكتب :
ملاحظة لماحة عصفها أخي الأصغر ضياء الدين بلال في تغريدة مدوزنة له حين ربط بين مغادرة أكرم للوزارة وانحسار الحديث عن الكورونا وغياب المؤتمرات الصحفية وحملات التوعية رغم انتشارها على نحو أشد كأنما الكورونا ارتبطت بشخص أكرم وكأنه هو الذي كان يحمل السيف وحده لطعانها.
هذه مشكلة كبيرة في السودان والعالم العربي، فمعظم الكيانات السياسية يتحكم فيها فرد واحد حوله دائرة ضيقة تعيق تقديم شخصيات جديرة بعد ممات الشخص الأوحد والنماذح كثيرة من حولنا فعبد الناصر مثلاً لم يجهز بديله القادر على المضي بالفكرة القومية لنهاياتها الوحدوية فانهار مشروعه القومي بعد وفاته بعامين وخرجت الخيانة الساداتية من رحم التحالف الوطني الناصري بنفس سند القوى التي كانت تناصر عبد الناصر .
هنالك دائماً شخص واحد يفكر نيابة عن الآخرين ويعطل طاقاتهم الفكرية وقدراتهم على القيادة أثناء حياته وحين يغادر الحياة يتحول مشروعه لنقيص ما كان ينادي به ويقابله الآخرون من مساعديه بالمطواعية المطلقة.
اصطدمت طائرة قرنق بجبال الأماتونج فرحل قرنق ووهنت فكرة السودان الجديد واختار وحدويوه خيار الانفصال وانقسم قطاع الشمال وضاعت الفكرة ورحلت مع صاحبها ولم تطبق في جنوب السودان وذاب أولاد قرنق في مجرى الأحداث العامة ولم يعد للفكرة برقا.
مرض مولانا السيد محمد عثمان الميرغني عطل الحزب الاتحادي الديقراطي كله ولم تعد للحزب مبادرة راجحة وقبله تسبب رحيل نقد في أزمات تتعلق بالانقسامات المعلنة وغير المعلنة في صفوف الحزب الشيوعي وغاب عطاء الحزب الفكري ونكهته التي كانت على لسان نقد. دربة وفصاحة وكلمات بسيطة يفتتن بها العامة ويحملونها مشعلاً.
السياسة في ظل الواحدية المقدسة جعلت السودان أقرب لفريق برشلونة الذي يتحمل ميسي وحده انتصاراته وهزائمه وكبواته وصعوده وهبوطه والآن يطرح كل مشجعي برشلونة سؤال ما بعد ميسي. ولكل جماعة سياسية في بلادنا (ميسي) واحد لا يلعب إلا به ولا مجال لغيره.
ودونك حال الكورونا التي ترملت بعد مغادرة أكرم فقد جعلها قرينته ولشدة هيامه بها قال ذات مرة في أحد مؤتمراته الصحفية (يسرني أن أعلن لكم أن الحالات الموثوقة بلغت اليوم عشرين حالة)!!!!
أطال الله عمر حبيبي وإمامي وموضع حبي الإمام الصادق المهدي فكيف بدونه يكون حال حزب الأمة بل الأمة نفسها فهو مركز كل شيء. مركز الفكرة والموقف ومنتج التعابير وصائد الأمثال ومجترح العبارات والأحاديث المستعذبة. هو المدافع والمهاجم وله كل شيء.
أكثر تعبير استوقفني في الثمانينات في ديار المسيرية بالمجلد قول هداي (سيدي… انت البدورك في النعيم… والباباك في الجحيم) وصدق ذلك الهداي فجميع من خالفوه يشقون الآن في الجحيم وهو وكما قال نفس الهداي (اييدو في الدلال وعينو فايته الريش).
التأييد الكاسح الذي حظي به حمدوك ناجم عن الفراغ العريض في ساحة السياسة وخلو ميادينها من الرموز الملهمة، وتجاوب قطاع عريض من الناس العاديين أيضًا لا يفسر إلا ضمن الفراغ العريض. هذا الفراغ جعل الجماهير تتصالح مع (العدم) الذي يتمدد الآن ليصبح (تحالفاً للعدم) بين كل الأسماء المخبوءة التي قذفت بها الصدفة لتصنع تاريخاً لم تخضع لمصهر التاريخ.