أبطلت السلطات يوم الجمعة مواكب استهدفت إلغاء التشريعات الجديدة التي أعلن عنها وزير العدل، وقام بالتصديق عليها رئيس مجلس السيادة.
كما كان متوقعاً قابل الإسلاميون بمختلف مخيماتهم هذه الخطوة بمعارضة منفلتة بجريرة أنها تهدد الإسلام وتمس جوهر العقيدة وتجرح الأمة. لم يكن الخطاب فكرياً بل كان سياسياً واضحاً يقع ضمن إطار التعارض الجذري بين الإسلاميين والقوى الأخرى، الأمر الذي جرد الخطاب من أي إفق حول إمكان التوصل لحل لهذه الأزمة الماثلة منذ العام 83 تاريخ الصحوة الإسلامية الفجائية التي اعترت الرئيس الأسبق جعفر نميري فجعلته يلوذ بقوانين الشريعة ليحمي آخر أيام حكمه بالبطش بدلاً عن الحوار.
أحرجت هذه الخطوة الإسلاميين الذين لم يشاورهم النميري، فوجدوا أنفسهم في صفه، لأنه بإعلانه قوانين الشريعة مس شغاف برنامجهم وجعلهم في طريق النجدين فيما عارض الأنصار وحزب الأمة تلك القوانين، واعتقل كل المكتب السياسي لحزب الأمة، أما الحزب الجمهوري فقد قدم حلاجه الأستاذ محمود للمقصلة وكان بإمكانه تفعيل التوبة مقابل الموت.
رغم تأييد الإسلامين الواضح لخطوة النميري إلا أنه قام باعتقالهم وفض شراكته معهم حين اشرأب كل جهاز الدولة ومجموعات مقدرة من القوات النظامية ضد تلك القوانين التي أزمع نميري ألغاءها بعد الضغط الأمريكي الغربي وتصاعد الحرب الأهلية في الحنوب وظهور جون قرنق.
سافر نميري لأمريكا معتزماً إلغاء تلك القوانين التي لم تكن يوماً برنامج تنظيمه السياسي الاتحاد الاشتراكي، ولم تشكل شوقاً لمسانديه الأمنيين جهاز أمن الدولة والجبش، لكن انتفاضة أبريل قطعت عليه الطريق، وتلكأ معارضو تلك القوانين في إلغائها ولم يكن بمقدور أي جهة تجميد تلك القوانين، إلا النميري الذي قام بإلغائها بالفعل من القاهرة عقب محاولة مقتل الرئيس حسني مبارك وهو خارج السلطة!!!!
لم تكن تلك القوانين برنامجاً لحزب سياسي. كانت هوامش متفرقة في برامج الأحزاب الداعية للإسلام وأتخذتها تلك الأحزاب سيوفاً تشهرها في وجوه دعاة الحداثة السياسية لذا حافظت عليها (كرواب) للذات السياسية المنفتحة على كل أشكال التكريس.
لفت نظري أن موضوع الخمر احتل الصدارة في دوري الموبقات بوصفها الذاهبة بالعقل وأم الكبائر، ولكن لم ينتبه معارضو القوانين الجديدة أنها لم تبحها للمسلمين، ولم تمنح السكران المسلم حصانة من العقوبة، بل لم تسمح له بتصنيعها أو بيعها فعلام هذا التشنج وإلى ماذا يشير هذا الحرص على فعل لم يقع??!!
إنه الاستغلال السياسي في إبشع دمامة لصوره. وبماذا يفسر دعاة التظاهر باسم الخمر علو شأن الخمر في تركيا ولماذا لم تتم إراقتها في البحر الأسود وكيف حافظت على بريقها وأباريقها ورنينها منذ أيام الأستانة? وكيف يقرأ دعاة التظاهر المكانة العالية الرفيعة التي تحيط بهيبة الخمر في دوحة العرب، ففي تلك الدوحة المباركة أكبر مجمع لبيع الخمر الجاف الأبيض والأحمر والقرمزي والنبيتي ويقول المعاقرون في الدوحة إن المجمع يبيع أجود أنواع الخمر لأنه يتعاقد مع صانعيها الأصليين وللخمر ـسرار مثلما للسياسة!!
أجد نفسي داعماً بشدة وبعزم لا يعرف الخور للقوانين الجديدة ذلك ببساطه لأنها أعادت البلاد لما قبل عام 83 ونجحت فيما فشلت فيه الفترة الانتقالية لعام 85 وما كان بائناً من عجز الديمقراطية الثالثة، ومن حيث التوقيت أرى أن هذا أنسب المواقيت، فمناسيب الوعي ارتفعت واستبان المبدئي من التاجر وأرى أخيراً أنها العربون الأولي للسلام ومد الكف للعالم.