الخرطوم- النذير دفع الله
على نحو لم يفاجئ الكثيرين رغم أنه مفاجئ، أعلنت لجنة أمن ولاية الخرطوم أمس، عن قفل الكباري بالولاية اعتباراً من الساعة السادسة مساء الخميس وحتى نهاية نهار اليوم الجمعة، وأهابت بالمواطنين التعاون مع السلطات بإنهاء تحركاتهم عبر الكباري عند السادسة من مساء أمس.
كثيرون لم يتفاجأوا بالقرار بعد أن أصبحت العاصمة الخرطوم ومنذ فترة طويلة من أكثر المدن التي لا تستقر على حال حيث تصبح طبيعية وتمسي دون ذلك، وتمسي هادئة وتصبح مفزوعة، وبات مظهر الانتشار الأمني وسيارات القوات المسلحة وغيرها من القوات الأمنية أمراً مألوفاً منذ تمكن ثورة ديسمبر من اقتلاع النظام السابق، إذ نشطت كثير من الأجسام الموالية والمناوئة للحكومة الانتقالية في تنظيم الوقفات الاحتجاجية والمواكب والمظاهرات الأمر الذي يستدعي التدابير الأمنية وانتشار القوات وإغلاق الشوارع والجسور، هذا إلى جانب ما فرضته جائحة (كورونا) طوال ثلاثة أشهر من حظر للتجوال وإبقاء للمواطنين في بيوتهم، فاعتاد الناس على أمر تلك المفاجآت واضحوا لا يعيرونها كثير اهتمام، وما بين الحظر وإغلاق الكباري والأسواق تلبس البعض اللامبالاة في الإلتزام بتلك القوانين والتوجيهات، وشهدت العاصمة خروج المواكب والمظاهرات حتى في قمة انتشار فيروس (كورونا) والتشدد في الإجراءات الأمنية والصحية، ويجيئ التوجيه الأخير بإغلاق الكباري في وقت تعتزم فيه عدد من التيارات الخروج إلى الشوارع في ما سمي بـ(جمعة الغضب) للإحتجاج على التعديلات التي جرت مؤخراً على عدد من القوانين وتمت إجازتها، وبدت الشوارع الرئيسية في العاصمة خلال اليومين الأخيرين كثكنة عسكرية، خاصة المناطق القريبة من الوحدات العسكرية، وكان يوم الأربعاء قد شهد موكباً لمعاشيي ومفصولي القوات المسلحة أدى لانتشار عسكري كثيف وتكدس وازدحام مروري.
منذ ظهر أمس الخميس ومرورا بمسائه وحتى ما بعد منتصف الليل، تلاحظ تزايد التشدد الأمني، مع ارتفاع أصوات صافرات العربات الأمنية بين الفينة والأخرى، وذلك في وقت ضجت فيه وسائل التواصل الإجتماعي بدعوات من منسوبي التيارات الإسلامية للمشاركة في مسيرات الجمعة وحدد لها مكان وزمان هو مسجد الخرطوم الكبير عقب صلاة الجمعة.
وهي ليست المرة الأولى التي تغلق فيها حكومة ولاية الخرطوم الكباري حيث اغلقتها يومي 29 و30 من يونيو الماضي على خلفية التظاهرات التي دعا لها انصار النظام البائد، بينما تأتي الخطوة الجديدة استباقا لدعوات للتظاهر اليوم عقب صلاة الجمعة ضد التعديلات القانونية الأخيرة التي أقرتها الحكومة الانتقالية.
ويرى الداعون إلى المظاهرات أن التعديلات ضد الشريعة الإسلامية، بينما يرى خبراء أن السرية التي رافقت تعديل تلك القوانين والإعلان المفاجئ عن إجازتها هو ما خلق ريبة كبيرة تجاه تلك القوانين، ودفع البعض إلى الدعوة للخروج اليوم، فيما دعت الحكومة المواطنين إلى التعاون معها والخروج من وسط الخرطوم قبل السادسة من مساء أمس والالتزام بموعد إغلاق الكباري خلال اليوم الجمعة.
ويرى مصدر أمني تحدث لـ(الصيحة)، أن مظهر اتخاذ إجراءات أمنية أكثر من المعتاد تفرضه ظروف معينة في حالة وجود مخاوف من حدوث حالة إنفلات إذا خرج المواطنون بأعداد كبيرة ومن تيارات متباينة، وربما يحدث ما لا تحمد عقباه إذا تركت الجسور والشوارع الرئيسية مفتوحة أمام الجميع، وبالتالي هو إجراء مبرر، بالنظر إلى جنوح البعض إلى بعض العنف والإضرار بممتلكات الدولة والمواطنين خلال مواكب احتجاجية سابقة، يضاف إلى ذلك أن هناك إجراءات صحية مفروض بسبب جائحة (كورونا).
ويقول المصدر الأمني، إن المطلوب من المواطنين دائماً هو التجاوب مع توجيهات الجهات الأمنية والنظامية الهادفة في الأساس لحماية المواطن والممتلكات العامة والخاصة، والتزام الهدوء وضبط النفس خاصة فئة الشباب الذين ربما يكونوا أكثر اندفاعاً للخروج والتظاهر والتعبير العنيف. وحذر من محاولة كسر الموجهات التي أصدرتها لجنة أمن الولاية أو محاولة خلق بلبلة وتوتر، ودعا للتعبير السلمي الحضاري حال خرج المواطنون في مناطقهم محتجين حتى لا يعطوا فرصة لمثيري الشغب والفوضى للسلب والنهب والإضرار بالآخرين.
وأدى الإعلان عن إغلاق الكباري بعد منتصف نهار أمس، إلى حالة من الارتباك لدى كثير من المواطنين، الذين يضطر بعضهم إلى التواجد في وسط العاصمة إلى ما بعد السادسة مساء، كما أن عدم توافر وسائل مواصلات وحدوث نوع من الازدحام المروري أدى إلى اضطرار البعض إلى البحث عن مكان للمبيت، وتلاحظ أن عدد الازدحام كان أكثر في الاتجاه الخارج من الخرطوم إلى مدينتي بحري وأم درمان، ويجيئ ذلك في وقت تشهد فيه البلاد أزمة في الوقود، عطلت عمل كثير من وسائل النقل التي تبقى لساعات طويلة بالمحطات للحصول على الوقود.
وشكا مواطنون من عدم صدور القرار منذ وقت مبكر من يوم أمس الخميس، واعتبروا أنه قرار مربك ومثير للمخاوف، خاصة وأن العاصمة بدأت مؤخراً في تخفيف إجراءات الحظر الصحي المفروض بسبب جائحة (كورونا). وتوقع البعض في حديث لـ(الصيحة) أمس، أن يمر اليوم الجمعة هادئاً لأن قطاعاً كبيراً لا يعتزمون المشاركة في المظاهرات المزمعة اليوم، وعبر البعض عن عدم اعتراضهم على التعديلات التي تمت على القوانين، لكنهم نوهوا إلى أن الخطأ الذي رافق التعديلات هو عدم شرح المواد التي تم تعديلها بصورة مبسطة للمواطن، وأشاروا إلى أن كثيراً من المعترضين لا يدركون ماهية التعديلات التي تمت.