السلام .. المخاض العسير
الجبهة الثورية.. تأجيل الاتفاق على القضايا القومية بسبب أحداث “فتابرنو”
شاويش: التوقيع بالأحرف الأولى مكانه جوبا وليس الخرطوم
الكباشي: وافقنا على القضايا الست التي جاء بها الوسيط وسنوقع عليها
العدل والمساواة: الحديث عن توقيع برتكول القضايا القومية ضجيج وصداع
حركة مناوي: عدم تنفيذ اتفاق أديس أبابا كان سبباً في تأخير المفاوضات
منذ أن بدأت المفاوضات بين الحركات المسلحة متمثلة في الجبهة الثورية وبين قوى إعلان الحرية والتغيير بالعاصمة الاثيوبية من العام الماضي وما توصل إليه الطرفان لم يكن إلا عبارات كان حبر كتابتها أغلى منها ثمناً، حيث تجاوزتها قوى إعلان الحرية والتغيير دون الالتزام بمخرجات ذلك الاتفاق، ولكن ثمة مؤشرات أضحت واضحة في المشهد التفاوضي، ففي كل مرة يكون الاتفاق نتاجاً لضغوطات خارج الإرادة التفاوضية لكل الأطراف وليس عن رغبة حقيقية سيما بعد تمسك طرفي التفاوض في جوبا بمطالبه وعدم التزحزح أو التنازل لمصلحة عملية السلام، كان لابد للوساطة الجنوبية أن تلعب دورها الحقيقي وكسر حاجز التعصب والالتفاف حول المطالب، فخرجت بست قضايا أساسية كانت حاضرة خلال لقاء وفد الوساطة بالمجلس السيادي والوزراء والحرية والتغيير، وبعد أكثر من أسبوعين تم الاتفاق أخيرًا بين الجبهة الثورية وحركة مناوي وبين الحكومة الانتقالية على مجمل القضايا العالقة ولم يتبق من اكتمال المشهد سوى عملية الترتيبات الأمنية التي من المتوقع أن يغادر وفدها غداً الخميس لجوبا، وبذلك يكون قد اسدل الستار حول مفاوضات جوبا في انتظار ولوج بعض الحركات الممتنعة قبل الشروع في التوقيع بالأحرف الأولى، وبذلك تكون الدولة السودانية قد أنجبت مولودها الحقيقي بعد مخاض عسير ووضعت أقدامها في أولى خطوات السلام الشامل .
الخرطوم: النذير دفع الله
جوبا في الخرطوم
أشهر طويلة كانت بمثابة ضغط نفسي وتحدٍّ كبير واجهته حكومة جنوب السودان التي تسعى بكل إمكاناتها لإنجاح عملية السلام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية أو ما بات يعرف عرفيًا حسب التقاليد السودانية (رد الجميل) لما قدمه السودان سابقاً في قيادة الوساطة للجمع بين فرقاء الجنوب هو ما دفع عضو فريق الوساطة الجنوبية الدكتور ضيو مطوك عقب وصوله للخرطوم لمقابلة المجلس السيادي فيما يتعلق بالقضايا العالقة إن الوساطة تداولت مع عضو مجلس السيادة الخطوات التى اتخذتها من أجل التوصل إلى سلام شامل في السودان عبر منبر جوبا مضيفاً أن الوساطة تسعى لإدارة حوار مع أجهزة الحكومة الانتقالية والقوى السياسية السودانية حول عدد من القضايا العالقة التي لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها في جوبا، مبيناً أن تلك القضايا التي جاءت بها جوبا للخرطوم ستجد حظها من القبول رغم وعورة الطريق، وستعود إلى جوبا وهي تحمل بشريات السلام حول الاتفاق على القضايا العالقة بينما يظل الرهان الأكبر والتحدي الماثل حول التفاوض هو كيفية ولوج الحركة الشعبية قطاع (الحلو) ولكن ضيو مطوك أشار إلى أن المفاوضات التي بدأت مع الحركة قبل أيام ستستمر فى مناقشة القضايا الإنسانية وآليات مراقبة وقف العدائيات بجبال النوبة، والدفع بملف التفاوض مع قطاع جبال النوبة بشأن علمانية الدولة الذي طرحته الحركة، أما حركة تحرير السودان وعبر كبير مفاوضيها محمد بشير أو نمة، فقد تمسك وشدد على ضرورة إرسال وفد الترتيبات الأمنية خلال أقرب فرصة لاستكمال الترتيبات عليها، ومن ثم التحرك حول عملية توقيع السلام والتي باتت قريبة جدًا.
المشهد السياسي
ومن جهته قال عضو وفد التفاوض للحركة الشعبية شمال جناح (عقار) ياسر عرمان إن التفاوض الحالي بالخرطوم فيما يتعلق بالقضايا العالقة يوفر عدة مصالح وهو جزء من تركة ثقيلة تركها النظام البائد وهو ما يخلق تحدياً كبيراً لبناء الدولة حقيقية قائمة على المواطنة، وشدد عرمان أن فاشية الإسلام السياسي قد أثرت كثيراً في الوصول لسلام حقيقي، مبيناً أن القضايا العالقة ومنها القضايا الحدودية والمواطنة وقضايا النساء والثروة والعلاقة بين الأقاليم والمركز كل تلك القضايا كانت سبباً في تأخير عملية السلام، مؤكداً أن هناك اتفاقاً بين عشرة تنظيمات منها ستة مسلحة وأربعة غير مسلحة سيكون لها تأثير على تغيير المشهد السياسي، موضحاً أن الجبهة الثورية التي كانت موحدة إلى ما قبل شهرين إلا أن خروج حركة تحرير السودان بقيادة مناوي كان له الأثر في إبطاء عملية السلام وأكد عرمان أن جملة القضايا العالقة وصلت إلى 30 بالمائة من القضايا القومية .
اتفاق أديس أبابا
الأمين الإعلامي لحركة (مناوي) محمد هارون حسن (أوباما) قال (للصيحة)، إن مجمل القضايا المتعلقة بمعوقات السلام هي تلك المطروحة بالخرطوم عبر وفد الوساطة الجنوبية والتي تم الاتفاق عليها وحددت في تلك القضايا الست، وأوضح أوباما أن تلك القضايا تمثل قضايا أساسية منها ما يتعلق بالأمور الجوهرية، مشيراً إلى جملة من التفاصيل الأخرى التي كانت سبباً في تأخير عملية التفاوض متمثلة في انفصال حركة جيش تحرير السودان (مناوي) من الجبهة الثورية، الأمر الآخر هو جائحة كورونا وما ترتب عليها من حظر كان سبباً في إعاقة عملية التفاوض والوصول إلى اتفاق حقيقي وكذلك وفاة السيد وزير الدفاع باعتبار أنه كان رئيسًا لملف الترتيبات الأمنية التي ما زالت واحدة من نقاط الخلاف التي لم تحسم وظلت عالقة حتى اللحظة، وأوضح أوباما أن جملة القضايا كانت ما يقارب العشر قضايا ولكن تم الاتفاق وتقلصت إلى ست قضايا تعتبر أساسية واجبة النفاذ لضمان الاستمرارية في بقية الملفات والوصول لاتفاق سلام حقيقي، مشدداً أن التعارض الذي حدث من عدم الالتزام باتفاق أديس أبابا كان سبباً لتباعد الجانبين بدليل أن اتفاقية السلام الشامل تتعارض مع نص الوثيقة الدستورية وهذا التعارض أصبح واحداً من معوقات عملية السلام.
الحكومة توافق
من جانبه أكد عضو المجلس السيادي وعضو الوفد المفاوض الفريق أول شمس الدين الكباشي أن الحكومة الانتقالية قد وافقت على جملة القضايا الست التي جاء بها الوسيط وسيتم التوقيع عليها.
زوال الحواجز
وكشف الأمين السياسي للجبهة الثورية مشرف مسار شرق السودان ورئيس الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة خالد شاويش (للصيحة) عن اتفاق تم بين الجبهة الثورية جناح مناوي والحكومة حول النقاط العالقة في البرتكول على ثلاثة مقاعد للجبهة الثورية في المجلس السيادي وما نسبته 25% من مقاعد المجلس التشريعي و25% الجهاز التنفيذي للوزراء، وأكد شاويش أن الطرفين اتفقا على أن تكون الفترة الانتقالية لمدة (39)شهراً بينما تم إلغاء المادة (20) بإعفاء أعضاء الجبهة الثورية في المشاركة، ومن ثم إعادة انتخابهم لفترة أخرى على أن تتم استقالة الولاة مع عدم انتخابهم مرة أخرى، وأشار شاويش أن القضية العالقة المتبقية هي ما يتعلق بالترتيبات الأمنية ومن المتوقع وصول وفد الحكومة لجوبا غدًا الخميس للنقاش حول الترتيبات الأمنية لمسار دارفور فيما يتعلق بدمج القوات حيث تتحدث الحركات المسلحة عن فترة أربع سنوات للدمج بينما تتحدث الحكومة عن مدة (9) أشهر، وقال شاويش إن بعض الخلافات المتعلقة بمسألة الحريات والحكم الذاتي للمنطقتين بينما ترى بعض من الحرية والتغيير أن كلمة (حكم ذاتي) تبدل بعبارة (فدرالية)، ولكن الحكومة قد وافقت على منح المنطقتين الحكم الذاتي بصلاحيات واسعة دون التمهيد لأي انفصال لاحقاً، وأضاف شاويش ساخراً أن ما يسمي الاتفاق بالأحرف الاولى ليس مكانه الخرطوم، وإنما حيث قام التفاوض (جوبا) على حد قوله، وأكد شاويش أن الثورية وافقت على النقاط الست على أن تستكمل بقية النقاط العالقة بعد وصول وفد الحكومة لجوبا غداً الخميس بشأن الترتيبات الأمنية وشدد شاويش أن الثورية لن ترضى بأي اتفاق يتم في الخرطوم حالياً في ظل الظروف والانتهاكات والعبث والقتل الذي يستهدف المواطنين بمنطقة (فتابرنو) قائلاً ليس من الأخلاق الحديث عن سلام في وقت يقتل فيه الأبرياء والمدنيون في فتابرنو.
ضجيج وصداع
بينما أكدت حركة العدل والمساواة أن كل ما يرشح الآن في وسائل التواصل وما أشيع عن اتفاق سلام بالخرطوم كلها أحاديث مغلوطة ومضروبة لا صحة لما يروج حاليًا حيث أوضح الناطق الرسمي باسم العدل والمساواة معتصم أحمد صالح (للصيحة) أن الوسيط الجنوبي طلب من الأطراف التوقيع على الاتفاق حول النقاط الست والتي حملها للخرطوم مع وفد الثورية، وقال للأسف تم تحويل الاتفاق لبرتكول القضايا القومية وأضاف معتصم هنالك نقاط أخرى غير تلك الست التي تم الاتفاق عليها مبيناً أن مسار دارفور به عجز مالي يصل إلى اكثر من 550مليون دولار سنوياً لم يتم الاتفاق عليها ولكن الحكومة الانتقالية أكدت على سد العجز وشدد معتصم أن أي حديث حول الاتفاق على برتكول القضايا القومية هو (ضجيج وصداع) وحالياً الأوضاع في جوبا من جانب الجبهة الثورية تسير بصورة طبيعية ولا حديث عن أي اتفاق وكل ما يحدث هو التوقيع على الاتفاق حول النقاط الست فقط وليس بالأحرف الأولى .
تأجيل التوقيع
فيما قالت الجبهة الثورية إنها استلمت مسودة الاتفاق لورقة القضايا القومية المحورية من لجنة الوساطة لمحادثات السلام السودانية بعد أن تم التفاوض حولها في الخرطوم مع أطراف الحكومة السودانية وأعلنت الثورية خلال تصريح صحفي موافقتها على مسودة الاتفاق ببنوده الستة.
وقال الناطق الرسمي باسم الثورية أسامة سعيد أنه تم الاتفاق مع لجنة الوساطة على تأجيل التوقيع على ورقة القضايا القومية المحورية وذلك نسبةً للأحداث المؤسفة آلتي وقعت في فتابرنو بولاية شمال دارفور مشدداً أن التوقيع على اتفاق السلام بالأحرف الأولى سوف يتم في جوبا مقر التفاوض وذلك بعد الاتفاق على محور الترتيبات الأمنية وبقية القضايا العالقة.