الخرطوم- مريم أبشر
على نَحوٍ مُفاجئٍ وفي جلسة استثنائية مُغلقة، حجبت عنها وسائل الإعلام الرسمية، انعقد “الخميس” اجتماع طارئ للمجلس، طلب خلاله رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك من وزراء حكومته الانتقالية، تقديم استقالاتهم تَوطئةً لإجراء بعض التعديلات، وذلك تنفيذاً للتعهُّدات التي أطلقها في خطابه للشعب السوداني عشية مواكب الثلاثين من يونيو الماضي، التي سيّرها الثوار لتصحيح مسار الثورة.
ويجئ التغيير الذي طال سبعة من أصل (18) وزيراً في حكومة الفترة الانتقالية، بعد نحو (10) أشهر فقط من تشكيل الحكومة في سبتمبر الماضي، وتُشير المُتغيِّرات والظروف التي تمر بها البلاد إلى إمكانية حدوث مزيدٍ من المراجعة والتغيير في الطاقم الحكومي مستقبلاً.
وفي الأثناء، كان الترقُّب والتكهنات تَدور بكثافة في الخارج، قبل أن يقول مجلس الوزراء في تصريح على موقعه الرسمي، إنّه التزاماً بما جاء في خطاب رئيس الوزراء في 29 يونيو الماضي، يعتزم حمدوك إجراء تعديل وزاري.
بعد سويعات قليلةٍ، جاء الإعلان الرسمي للتعديل المُرتقب، حيث أصدر حمدوك، قراراً بإعفاء وزير الصحة د. أكرم علي التوم، فيما قبل استقالة (6) من الوزراء الآخرين، وأصدر قرارات بالتكليف بتصريف أعمال الوزارات.
وأشاد حمدوك بالوزراء وقُبُولهم للتكليف في هذه الظروف الصعبة، وقال إنّ الوزراء أرسوا تقليداً جديداً في العمل العام من خلال ما أبدوه من تفانٍ وإخلاص ونزاهة، وأشار حمدوك إلى الحاجة لتقييم أداء الحكومة استجابةً لرغبة الشارع الذي خرج يوم 30 يونيو الماضي، مُطالباً بتصحيح مسار الثورة، وإجراء تَعديلات على طاقم الحكومة ليتناسب والمرحلة الجديدة.
بدورهم، تقدم الوزراء باستقالاتهم من مواقعهم لإتاحة الفُرصة لإعادة تشكيل الحكومة، وقَبِلَ رئيس الوزراء استقالة كل من وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله، وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. إبراهيم البدوي، وزير الطاقة والتعدين المهندس عادل علي إبراهيم، وزير الزراعة والموارد الطبيعية المهندس عيسى عثمان شريف، وزير النقل والبنى التحتية المهندس هاشم طاهر شيخ طه، ووزير الثروة الحيوانية د. علم الدين عبد الله أبشر، كما أصدر قراراً بإعفاء أكرم علي التوم وزير الصحة.
وكلّف رئيس الوزراء، عدداً من المسؤولين بتصريف أعمال الوزارات التالية إلى حين تعيين الوزراء الجُدد، وتم تكليف: عمر إسماعيل قمر الدين بوزارة الخارجية، د. هبة أحمد علي وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، المهندس خيري عبد الرحمن وزارة الطاقة والتعدين، د. عبد القادر تركاوي، وزارة الزراعة والموارد الطبيعية، المُهندس هاشم ابنعوف وزارة البنى التحتية والنقل، د. عادل فرح إدريس وزارة الثروة الحيوانية ود. سارة عبد العظيم حسنين بوزارة الصحة.
وفي تعليقه على التعديلات، أكّد حمدوك، أنّه اتّخذ قراره بإجراء تعديل وزاري محدودٍ في طاقم مجلس الوزراء، بعد تقييمٍ شاملٍ ودقيقٍ لأداء الجهاز التنفيذي، وسَعياً نَحو تَطوير الأداء وتنفيذ مَهام الفترة الانتقالية والاستجابة للمُتغيِّرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المُتسارعة.
وقال حمدوك في منشور على (فيسبوك) “إن الأمانة التي حمَّلها الشعب لحكومة الفترة الانتقالية، تلزمنا بالاستماع والإنصات إلى صوت الشارع ومطالب الثُّوّار، وأن نُفكِّر ونتفاكر، ثُمّ نمضي بخُطىً مُوحَّدة نحو أفضل السُّبُل لتحقيقها وإنزالها على أرض الواقع من أجل تنفيذ شعار الثورة الباسل: حرية.. سلام وعدالة”.
وأضاف “أود أن أعبر بوضوح، عن شكري وتقديري لزميلاتي وزملائي الوزراء الذين تصدّوا لمسؤولية كبيرة، والذين دوَّنوا أسماءهم على صفحات التاريخ نماذج للهِمّة والتفاني وعِفّة اليد واللسان، بعد أن لعبوا أدواراً مُهمّة وكبيرة في مُحاولة لإصلاح تركة الفساد وسوء الإدارة التي خلّفها النظام المخلوع”، وقال حمدوك “إنّ التقييم الدقيق والصارم لأدائنا وأداء كافّة من حمل الأمانة في هياكل السُّلطة الانتقالية واجبٌ وضروريٌّ، ومن جانبنا سيستمر وسيتواصل هذا التقييم والتدقيق، حِرصاً على تطوير ما نُقدِّمه في سبيل خدمة هذا الشعب، وتحقيق أهداف الثورة والوفاء العملي لدماء وتضحيات الشهداء”، وأضاف “إنّ عهدنا معكم التقدُّم بثباتٍ مهما واجهتنا العثرات ولن نقبل بالرُّجوع إلى الوراء، بل سنمضي قُدُماً في درب البناء والتعمير، ولتشييد صرح سودان ثورة العزة والكرامة والعدالة والسلام، بناءً قوياً ومَتيناً يُليق بشعبنا وبتضحياته ومن أجل رخائه وأمنه واستقراره”.
وأشار مُراقبون إلى أنّ الخطوة تأتي تَمهيداً لتشكيل حكومة جَديدة واسعة وفعّالة تُواجه تحديات المَرحلة، وأن طلب تقديم الاستقالات الذي دفع به حمدوك لوزرائه اقتضته ترتيبات المرحلة بعد أن أصبح توقيع اتفاق السلام وشيكاً، حيث يتوقّع أن تدخل حركات الكفاح المُسلّح بعد توقيع الاتفاق ببعض منسوبيها ضمن تشكيلة الوزراء، فَضْلاً عن أنّ بعض الوزراء لم يكن أداؤهم بحجم تطلُّعات الثورة، خَاصّةً في وزارات ذات صلة مُباشرة بمعاش الناس وحياتهم.
ويرى المحلل السياسي والقيادي بالتغيير د. صلاح الدومة، أنّ التغيير اقتضته استحقاقات السلام، بجانب الأداء الضعيف لبعض الوزراء.
وقال الدومة لـ(الصيحة)، إنّ توقيع اتفاق السلام مع الجبهة الثورية أصبح قريباً، وهذا بالضرورة يَقتضي إدخالهم في الحكومة الانتقالية، ولفت إلى أنّ التغيير سَيَطال الوزراء الذين اتّسم أداؤهم بالضعف.