من وحي الكتابات العنصرية في الواتس
محمد مسوكر يكتب :
لا يحتاج الأمر مني إلى دليل لتحديد حجم العنصرية في السودان ،فالظاهر منها معروف ،والمستتر أيضاً . فللأسف الخبرة التي راكمتها الجماعات السودانية في هذا المضمار تفوق أي خبرة متوقعة أو مأمولة للبناء الوطني ،وربما بالإمكان القطع والجزم بأن العنصري الأكبر في هذا الأمر هو الدولة أي أن الدولة السودانية في ميلادها وتكوينها ولدت عنصرية في سياساتها في خطابها وفِي كل مناحيها وهذا مفهوم ومدعوم بالأدلة التاريخية ،ورغم ذلك تزداد تجبراً وتعمد في لعبتها السياسية الى إثارة النعرات ولعلها في ذلك ليست إستثناءً فحالها حال الكثير من الدول التي لاعلاقة لها بالجماعات أو مكوناتها فهي دول خاصة بالنخب تضعها حيث تقتضي مصالحها الإجتماعية والثقافية والإقتصادية .وليس من المجازفة القول أن السواد الأعظم من تلك الجماعات ليس متيقناً من معنى الدولة أي لا يمتلك لها تصوراً،لذلك انتاج معانيها يأتي محكوماً بالعلاقة معها،
فالذين تماهت ذواتهم مع الدولة، كنتيجة طبيعية لإعتماد الدولة الكلي على تاريخهم ولغتهم ،حتى باتت لا تنفعل الا بتراثهم وقرع طبولهم ،هؤلاء ينظرون الى أنفسهم كمحدد حاسم ،ومعيار للذات الوطنية ،بل حتى في اللغة السياسية يأتي التعريف بالمركز باعتباره الدائرة الوطنية والهامش دونها لذلك وبعد أكثر من نصف قرن لا غرابة أن تتفشى بين الناس لغة الإقصاء ويصبح التنمر بإسم الوطنية هو عصب اليوميات فطالما كانت الدروس المستقاة من الحكم الوطني تعزز قول الجاهلية(( أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا)) .
مصدر تلك النعرات وإشعال فتيلها هو العمل السياسي ميدان النخبة الأفضل لبث سمومهم .ليس كما يعتقد الكثير من الناس أن الأمر مقصوراً على الجماعات القصية من المركز ،
بل حتى في داخل المركز تتلذذ المجالس بالتفاخر وتبادل النظرات السالبة ،وبالطبع لن يعجز الخيال عن إنتاج اللغة الضرورية لسحق الآخر المقابل .
لذلك يبقى الأمر طبيعي أن تنتشر في الوسائط قديمها وحديثها لغة الإزدراء الإجتماعي ،دون وقاية من وسائل الإعلام المأمول منها أن تكون راشدة .
عنصرية الدولة المقصودة هنا السلوك الذي يسيطر على المجال السياسي والإداري ،الذي يتغذى من ثقافة واحدة ليحكم عدد من الجماعات ،كل منها له زينته وأرضه .
لهذا السبب تحولت الدولة الى كائن إجتماعي له إنسانه المحدد وهو الانسان المعيار للوطنية .
وهذا بطبيعة الحال يفارق مفهوم الدولة وما بلغ من حمولة متجددة .
فكرة الدولة الحديثة التي عرّفتها التجربة الأولى بأنها ،اللغة الواحدة والأمة الواحدة ،تعد الآن من التجارب التي لا تحتكم الى القيم الانسانية الفاضلة لذلك قدمت الانسانية حلول معروفة ومجربة كنظم سياسية تضع تقديراً مهماً للجماعات التي يتشكل منها النسيج الوطني .
التكوين الوطني في السودان لازال بعيد المنال بل عند صباح كل تجربة، نكتشف بلا عناء أن (( الجماعة الوطنية )) تجدد في خطابها الشعبوي، لممارسة سلطتها الاجتماعية الوطنية، على المكونات النائية جغرافياً ،ونفسياً ،عن منطقة التماهي بين الدولة والمجتمع.
فاذا أخذنا بني عامر وحباب شرق السودان بإعتبار أنهم من أكثر الجماعات المغرية لهذا التناول ،فقبل وجود الوسائط التي تنشط في النيل منها ،ليس وطنياً فحسب ،بل إنكار فحواها التاريخي أيضاً، تلك الوسائط لم تأتي بجديد فقد عرفت الصحافة المأمول منها أن تكون راشدة ،
أن تهمز بذلك ،غرباً ،وشرقاً وجنوباً، قبل استقلال دولة جنوب السودان ،وبعد ذلك فبدلاً من أن تتناول الظاهرة الإقصائية وتبحث عن جذورها، وتقدم إضاءات حولها ،فظلت ترعاها نقلاً منها ،أي إعتمادها مصدراً للكشوفات الإثنية، وتارة بالصمت ،وعدم الإكتراث . وهذا أمر طبيعي لان وطأت الثقافة الأحادية، ليس سهلاً الخروج من قبضتها .
الأمر الآن ومع ظهور الوسائط أصبح جائحة ، تجاوزت كل التوقعات ،ولعل ماجرى تحت جسر الثورة كثير، وأخشى أن يزداد الأمر سوءً، ويخرج عن نطاق السيطرة، ويقذف بالجميع في مهاوي ليس فيها منتصر .
فكل من يكتب هذا النوع من الكتابات، العنصرية الإقصائية في الوسائط، أو يقوم بنقلها متلذذاً، عليه أن يعلم، أن السلوك العنصري الذي يراه لدى الآخرين، يجب أن لا يكون محل إستغرابه ،أو إستهجانه فالكل غارق حتى أخمص قدميه . وربما أكثر المرضى في ذلك ،هُم أبناء المدن ،والحواضر، لأنهم منتجين للثقافة العامة، أو قادرين على نقد المشين منها ،ولايفعلون، لأنها تحقق لهم إرضاء الرغبة المريضة في نفوسهم .
توقف الحرب والقتل وخلق السلام لن يتأتى لمجرد أننا نود ذلك ،بل بالعمل الذي يبدأ من إجتهاد الفرد وجهاده على نفسه ،في التخلص من أنه الأعلى شأناً. وان المجال الوطني إذا إمتلأ بالثقافات ،وتلألأت فوق سمائه صور التعدد ،سيمطر عدلاً، وستثمر الأرض .
ورغم يقيني أن الأمر ليس سهلاً ،وستقاومه نفسه، وأولى أساليب المقاومة من النفس المريضة، ستشعر أنها ليست جزءً من ذلك ،أو أنها على حق ،لأن الأمر كما أسلفت ،مرض مستقر في النفوس ،تم تدريسه في المناهج ،وهنا ربما أحتاج الى أن أخوض قليلاً في الإثارة التي أشعلها بإقتدار دكتور القراي ،في أمر الدين ومقدار الآيات القرانية ،
أظن أنه لو بشر النفوس السودانية، بأنه سيستأصل من المناهج ،كل ما من شأنه ساهم في تربية وتعليم العنصرية. وأن إعادة هيكلة الدولة ،تعني تهذيبها ،وتثقيفها، لتحتمل الجميع .لو فعل ذلك لأحرج النفوس المريضة ،وزلزل ثباتها. ولكن هيهات من أين له ذلك. لم يفعل، ولن يفعل غيره ذلك . لأن الداء متمكن من الجميع .وما ملهاة العلمانية والشريعة بعيدةً عن الأسماع
يتصارع الناس لأجلها ،لأن النخب تكره الحديث عن الدولة المستقيمة الراشدة .
هل تذكرون عندما توقف رئيس الوزراء وأعياه البحث عن وزيراً من شرق السودان أو من النيل الأزرق ؟
كان سهلاً عليه أن يجد وزراء من كافة القطاعات التي يريد ،ولكن هنا بات الأمر صعباً ،ولَم يشعر بأنه يفعل شيئاً غريباً ،وعاشه الناس كأمر طبيعي، وتلك خطورة الأمر ((لايشعرون)) ،ولو فطن أولي الوعي ،إن وجدوا ،لكان الأمر جللاً، وسيكون أيضاً مثار جدل حينما يأتي أمر تعين الولاة المدنيين سيبحث عن والي مستوفي شروط ((لجنة المقاييس الوطنية)). وإذا تجاوزت الفترة الإنتقالية عثراتها، سيعيش الناس نفس الأجواء ،في الانتخابات وغيرها وبالطبع ،للبن عامر نصيب الأسد مما ترك الأبوين .
وعلى ذكر رئيس الوزراء وعدم شعوره بأنه أصاب جماعتين تاريخيتين بمكروه، لم يكن مثيراً للدهشة بالنسبة لي لسببين :أولهما :أن ولي أمر الثقافة والاعلام الإنتقالي ،الأستاذ فيصل محمد صالح ،رغم دماثة خلقهالمشهودة من قبل أصدقائه ،وبادية على ملامحه، إلا أنه يعوزه الخيال المطلوب ،لإدارة التنوع، وإلا لأقترح على السيد رئيس الوزراء أن تسمى وزارة الثقافات السودانية، حتى لو قصد من الثقافة أن يطلق الجزء ويقصد الكل، ليعلم الذهن العام أنه ليس وحيداً .فالوثيقة الدستورية لا أظنها تعيق ذلك ،وله سند في إعلان قوى الحرية والتغير . وهذا الأمر لايعيبه شخصياً ،بل يؤكد التماهي الذي أشرت إليه سابقاً .
السبب الثاني هو ترديد رئيس الوزراء في مدخل كلماته المقتضبة، كلمة شعبي العزيز ،
فتلك لغة تصلح الملكيات الغير دستورية ،ينسب فيها الشعب للحاكم. هذان السببين يدخلان الريبة في أن الرجل ليس به من العمق مايكفي فلذلك لم تصبني الدهشة في بحثه عن وزراء من النيل الازرق وشرق السودان.
ياترى
هل لنا أن نسأل عن نسبة النساء ال٤٠٪ من أين سيأتون
بمراعاة التركيبة الإجتماعية ام الحزبية أم المهنية وكيف نفصل بين تلك الأشياء ونحن ننكر المرض الذي هو معلوم لمن يلقى السمع والنظر
لن أرسل دعوة في ختام هذا المقال مطالباً بتصحيح الواقع لأن لغة الإرشاد وما ينبغي على المرء أن يفعله لن تؤتي أُكلها مالم تهبط الدولة من عليائها وتسكن بين الشعوب السودانية بتواضع خالٍ من الإنحياز وهذا للأسف حلم طفولي بالنظر إلى حجم الداء وعدد المرضى إنه وباء
أختم بدعوة الى الاستماع الى أستيلا قايتانو في حضورها في جائزة الطيب وأن نستمع جيداً لما أصاب إسم جدها من تغير من الموظف المتماهي مع الدولة فلقد تصرف في الإسم متخذاً من ذائقته الخاصة مرجعاً وحدد من تكون صاحبة الاسم
كانت تروي قصتها وهي تبتسم وهذا هو المتوقع من المبدع أن يسخر من جراحه
حسن الخاتمة من أمنيات العباد نسأل الله إن تعثر سير السودان متحداً أن يلهم السودان نخبةً تصبر على المكاره وتأخذ من شرق ووسط أروبا الفقيرة الحكمة ولنا في الشيك والسلوفاك آية
دولة الشيك تحتفي باسم الكاتب والمسرحي هافيل الذي رعى ميلادها الحديث وترأسها بعد سقوط جدار برلين وعلى يده دفن شقاء الأيدلوجيا وبالطبع لم يكن حزبياً وأطلقت إسمه على مطارها الدولي.
الوحدة الوطنية دون عدل تصبح دعوة من الدولة لمحاربة إنسانها غير المتماهي .