اعتصام نيرتتي.. حُقُوق بدون سلاح
لجنة اعتصام نيرتتي: هنالك بعض المجموعات تُحاول تشويه الصورة
خبير قانون دولي: دارفور تقلب صفحة السلاح والمغابنة بالاعتصام
هيئة محامي دارفور: اعتصام نيرتتي منصة جديدة للمطالبة بالحقوق
تقرير: النذير دفع الله
لم تستفق الحكومة من محنتها المتعلقة بفض اعتصام القيادة العامة منذ العام الماضي، ولم تخرج لجنة التحقيق التي تم تكوينها للبت في هذه الكارثة بجديدٍ، وما بين من فض الاعتصام ومن قتل ومن سفك وما بين مليونيات تكملة هياكل السلطة وإنجاح عملية السلام، أطل للمشهد العام اعتصام (نيرتتي) كجوهرة جديدة تزيّن بقاع دارفور في سلوكٍ جديدٍ يُوحي بأن الثورة التي هلت على الدولة السودانية تسير في اتجاهها الصحيح حول المطالبة بالحقوق بطريقة سليمة، فدارفور التي كان السلاح يطنطن في ربوعها قتلاً وسفكاً للدماء هي ذات دارفور اليوم تطالب بنزع السلاح وتوفير الأمن والحماية للمواطنين وحماية الموسم الزراعي ومنع الدراجات النارية التي يتم استغلالها في تنفيذ الجرائم وتوفير الخدمات الأساسية للنازحين بالمعسكرات والسماح بعودة المنظمات الدولية التي طردها نظام البشير والقبض على المُجرمين ومحاكمتهم في محاكم علنية، بل وعدم فض الاعتصام الى حين تحقيق كل المطالب.
مناصات جديدة للحقوق
من جانب آخر، أعدت هيئة محامي دارفور، تقريراً أولياً عن الوضع في نيرتتي، حذّرت فيه من أن التقاعُس في الاستجابة لمطالب أهاليها ربما قد يؤدي إلى تطوير الاعتصام وإنتاج نماذج مماثلة في مناطق أخرى، واعتبرت الهيئة أن اعتصام نيرتتي سلوكٌ متحضرٌ في المطالبة بالحقوق، وممارسة ديمقراطية يجب أن تستثمر لفعل إيجابي، باتّخاذ منصة الاعتصام بداية لمشروع تحضيري لمُلتقى يبحث قضايا الأمن والسلام والحلول لقضايا ومشكلات البلاد القومية مثل قضايا الأمن والسلام المجتمعي.
وبحسب ما قالته الهيئة، هنالك جملة من الانتهاكات التي وقعت خلال الشهرين الماضيين وصلت الى نحو 48 حادثة وهجوماً وجرائم ضد مواطني المنطقة وما جاورها جميعها قيدت بلاغات جنائية في دفاتر الشرطة، وامتنعت الشرطة عن تقييد غالبيتها منها جرائم القتل والاغتصاب ونهب الأموال والممتلكات ومنع ملاك البساتين من جني ثمارها والاستيلاء عليها وإتلاف المزارع.
السلوك الحضاري
الخبير القانوني الدولي وحقوق الإنسان البروفيسور أبو القاسم قور قال لـ(الصيحة)، إن التعبير السلمي عن الرأي حق مكفول من حقوق الإنسان وموجود ضمن الحقوق السياسية والمدنية، وهو يعتبر ظاهرة حضارية أن يخرج الشعب ويطالب السلطة بحقوقه، مضيفاً أن هذا السلوك الجديد هو الذي شكل ويشكل الدولة الحديثة، فأيما شعب يطالب وحكومته تستجيب هو سلوك حضاري، وأشار قور الى أن الدولة ما هي إلا عقد بين الحكومة مع الشعب وهو أن تتعهد فيه الحكومة بتوفير وحماية الحقوق ومن حق الشعب ان يُعبِّر بطريقة سلمية، مؤكداً أن واجب الدولة هو حماية تلك الجماهير عند خروجها للتعبير عن رأيها في المواكب وهو المظهر الحضاري للمواطنين، وأوضح قور أن على الجماهير والمجموعات بعد إيصال رسالتها للدولة وتسليمها يجب أن ينفض الاعتصام تلقائياً مع توفير سقف زمني لتنفيذ المطالب، وأبان قور أن نظام الاحتجاج غير العنيف هو منهج علمي معروف، أحدهما منهج غاندي وماكروما قائلاً: إنّ التأسيس لمنظومة تطالب بحقوقها هو قمة درجات الوعي والتحضر، وعلى الجهات التي نظمت الاعتصام هو كيفية السيطرة عليه، ولكن ما يحدث في نيرتتي هو درجة من درجات التحضر والرقي، سيما وأن دارفور بها بعثة لحفظ السلام تحت البند السابع تعمل على حفظ السلام وإدارة السلام والقانون، بينما القانون فيها هو القانون الدولي الإنساني، وأشاد قور بالوعي الكبير الذي انتهجه معتصمو نيرتتي مما يعني أن دارفور الآن تقلب صفحة السلاح وتُطالب بنزعه، بل وتطوي صفحة المغابنة وتنتهج المطالبة المباشرة وتعود للمجمتع الدولي من خلال المطالبة بعودة المنظمات الدولية.
في الجانب الآخر، على الدولة أن تتعامل مع الاعتصام والمطالب بنهج حضاري والانتباه لعدم تكرار المشهد مرة أخرى، لأن ما حدث في اعتصام القيادة درس كبير جداً يجب الاستفادة منه، وطالب قور الدولة بحماية اعتصام نيرتتي تماماً، خاصة وأن هناك من يسعون للتخريب ويريدون استغلال التظاهرة وإحداث بعض التخريبات، وعلى الجهات المنظمة للتظاهرة الاتجاه نحو الوسطية في بعض المَطالب المُتعلِّقة بجمع السلاح لأن الأمر لن يتم بين ليلة وضحاها.
شائعات مغرضة
عضو اللجنة الإعلامية لاعتصام نيرتتي محمد عبد القادر قال لـ(الصيحة)،÷ إن الاعتصام يمضي بصورة طيبة، بل هناك مواكب أخرى جاءت من مناطق مختلفة دعماً للاعتصام، كاشفاً عن ضبط مجموعة تقوم بنقل الأخبار السلبية وغير الحقيقية، حيث يمضي التحقق معهم حالياً، واوضح محمد أن هذه المجموعات معروفة ولديها أهداف محددة عبر محاولتها لتغبيش الرؤية العامة عن الاعتصام، مبيناً أن إدارة التفزيون القومي دعمت الاعتصام بطاقم جديد لتغطية أحداث الاعتصام بدلاً من الطاقم القديم الذي نقل بعض المشاهد المغرضة، سيما الذين يتحدثون بأن أحد المطالب المتعلقة بارتداء الكدمول هي مطلب غير موفق لأنه يمثل رمزية وثقافة محددة.
الحكومة تعتذر
نهج وسلوك جديد تم عرضه من خلال منصة اعتصام نيرتتي، وهو أن تعتذر الدولة رسمياً للحشود وتقصيرها في أمر محدد، حيث قدم عضو مجلس السيادة محمد الحسن التعايشي اعتذاراً رسمياً لأهالي نيرتتي لتأخر وفد الحكومة في الوصول إليهم إلا بعد مرور سبعة أيام من الاعتصام، أما وزيرة العمل لينا الشيخ لم تدخل في حديث يطرب الآذان وإنما بحثت ما يهمها من أمر في كيفية توفير الأمن للنساء العاملات في الحقول.
تلوين المطالب
الخبير والمفوض السابق بمفوضية حقوق الانسان المهندس كمال الدين دندراوي أوضح لـ(الصيحة) أنّ الاعتصام بنيرتتي يجب الترحيب به من أي شخص يُطالب بالسلام، ولأن المطالبة السليمة في الرد على الاعتداء نفسه يمثل سلوكاً يحتاج لتشجيع ويكون منهجاً لكل الناس في دارفور والسودان، مضيفاً أن مطالب نيرتتي تمثل حقوق الإنسان نفسها، أما فشل اللجنة الأمنية في محافظة الأمن هو أمر كان يجب أن يتم من جانب الحكومة لأن الأمن والسلامة الشخصية حقان، وأشار قور الى أن كل المطالب مشروعة سيما التي تتعلق بالحق في العمل والإنتاج وتأمين الموسم الزراعي لأن فشله تترتب عليه أشياء وانتهاكات أخرى، وأضاف دندراوي: كان من الأفضل لوفد الحكومة التطرق لبعض المشاكل في مناطق أخرى وكان يجب للوفد زيارة تلك المناطق الأخرى التي حدث فيها انتهاك حتى لا يسمى ويعتبر عدم تمييز، مطالباً أهالي نيرتتي بالبُعد من مُحاولة تلوين المطالب وهو نموذج لعمل حقوقي كبير، دارفور أحوج ما تكون إليه وهو الأمن.