إسماعيل حسن يكتب :
* المقال أدناه لفضيلة الإمام الأستاذ السالك أحمد رحمة الله… نُشر في منبر الصحراوي الإلكتروني قبل ثلاث سنوات تقريباً. وبدا لي وكأنه يعني به معاناتنا الحالية من غلاء الأسعار…. ولطوله اكتفيت فقط بالفقرات التي تناسبنا.. وهذا نصه:
* كان يتردّد كثيراً على آذاننا من فوق منابر الجمع، وخطب الأعياد، وفي رمضان وغيره من المناسبات؛ الدعاء المشهور “اللهم إنا نعوذ بك من الغلاء والوباء.. والربا والزنا.. والزلازل والمحن.. ما ظهر منها وما بطن.. اللهم ارفع الغلاء عن بلدنا هذا خاصة.. وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.. ومرّ علينا هذا الدعاء كغيره من الأدعية مرور الكرام، لأننا لم نعرف أثر غلاء الأسعار حتى وقعنا فريسة له..
* لقد اشتعلت نار الأسعار في الآونة الأخيرة مع اشتعال حرارة الصيف، واكتوى بنارها الجميع… الفقير والمسكين.. الضعيف والقوي.. ومن بينهما.. فالفقراء ازدادوا فقراً على فقرهم.. ومتوسطوا الحال فهم من الفقر قاب قوسين أو أدنى..
* وديننا الحنيف أولى الكسب عناية كبيرة، فبين حدود التعامل، وأسس البيع والشراء والايجار.. وجعل طلب الربح الحلال، والسعي في الأرض؛ قرين الجهاد في سبيل الله.. فقال الله تعالى “وَآخَرونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”… لكن في المقابل حذر الشرع التجار والعاملين وغيرهم من التعسف، والجور، والظلم، والشطط، والطمع، واستغلال حاجات الناس بدواعٍ وهمية، بلا وازع ديني، ولا رادع سلطاني.. منسلخين من الأخوة الدينية، ومبادئ الرحمة الإنسانية، لذلك جاء في الحديث عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، قوله: يا معشر التجار، إنكم تُبعثون يوم القيامة فجاراً، إلا من اتقى الله وبرّ وصدق.. وهذا استثناء من الرحيم – عليه الصلاة والسلام – لأولئك الذي يخافون الله من أهل الصدق، والبر، والإحسان… الرحماء بإخوانهم المسلمين، الذين يأخذون كفايتهم دون جشع أو طمع.. وقوله – صلى الله عليه وسلم-: التاجر الصدوق؛ مع النبيين والصديقين والشهداء.. رواه الترمذي….
* انطلاقاً من هذه التوجيهات الشرعية، ارتأينا أنه لابد لنا أن نذكّر الجميع – بهذه الكلمة المقتضبة – حول غلاء الأسعار، وتأثيره على واقعنا المعاش، علها تجد لها مكانا في النفوس، فتترجم ما فيها من معان، ومقاصد، ترجمة عملية، في واقع الحياة..
* 1/ يجب علينا جميعاً، وقبل كل شي، أن نشكر المولى جل في علاه، على نعمه المتجددة.. فشكر النعم سبب لبقائها ودوامها.. قال الله تعالى “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ”..
* فاذا أردنا لهذه النعم أن تبقى وتُحفظ وتُزاد وتُضاف إليها نعماً أخرى، فإن طريق ذلك شكرها..
* 2/ ينبغي على التجار وأصحاب الأعمال أن يعلموا أن شريعتنا الإسلامية العظيمة، جاءت برحمة العباد.. والراحمون يرحمهم الرحمن.. والمحسنون جزاؤهم الإحسان.. فكونوا من ذوي الشفقة والعطف بإخوانكم.. لا تغالوا في الربح.. ولا تبالغوا في التكسب.. ولا ترهقوا كواهل إخوانكم.. ففي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من يأخذ مالاً بحقه، يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه، فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع..
* والمؤمن الذي يرأف بالناس يرأف الله به.. ومن يرحمهم يرحمه الله.. ومن ييسر عليهم ييسر الله عليه..
3/ همسة إلى كل فقير ومحتاج وضعيف.. اعلم أن القناعة كنز لا ينفذ.. ومن أسباب القناعة: أن ينظر العبد المؤمن إلى من هو أسفل منه في أمور الدنيا الزائلة.. ولا ينظر إلى من هو فوقه.. قَالَ رَسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: انْظُروا إِلَى مَن أَسفَلَ منكم وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فوقكم، فَهوَ أَجدَر أَنْ لَا تزدروا نعمةَ الله عليكم..
* 4/ الواجب على الجهات المختصة التي أنابها ولي الأمر عنه في هذا الباب، أن تنفض التراب عن نفسها، وتشدد الرقابة، وتضع الخطط والاحتياطات لسد حاجات الناس، وإزالة الضرر عنهم.. فعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ.. رواه ابن ماجه..
وعن عبد الله بن عمر قَال: قَال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كلكمْ راعٍ وَمَسْئُول عن رعيته، فالإمام الذي عَلَى النَّاسِ راعٍ، وَمَسْئُول عَنْ رعيته، وَالرجل راع على أَهْلِ بيتهِ وَمسئول عنهم، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى مَالِ زوجها، والعبد رَاعٍ عَلَى مَالِ سيدهِ وَمسئول عنه، ألا فكلكم راع وَمَسئول..
* 5/ بُعْدَ الناس عن دينهم هو من أعظم الأسباب التي ساعدت على تفشي هذا الوباء العظيم.. ومن المشاهَد أن بعضا منا أصبح مُفَرِّطا في كثير من الأحكام الشرعية.. بل أصبح يقع في بعض الكبائر غير مبال بغضب الله تعالى وسخطه.. ومن المعلوم أن الذنوب والمعاصي تسبب هلاك الحرث والنسل، وتسبب انتشار الفساد في البر والبحر.. قال تعالى: “ظَهَر الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” وقال تعالى: “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير”… وربنا عز وجل يبتلي عباده ببعض ما كسبت أيديهم لكي ينتبهوا ويراجعوا أنفسهم…
* 6/ ختاما: العلاج لهذه الظاهرة يكمن في أن نتعاون جميعا على محاربة هذا الداء، كل بحسب استطاعته وقدرته، ولهذا جاء في الأثر أن الناس في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ جاءوا إليه وقالوا: نشتكي إليك غلاء اللحم فسعِّرْه لنا، فقال: أرخِصوهُ أنتم؟ فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر، واللحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة، فتقول: أرخصوه أنتم! وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال قولته الرائعة: اتركوه لهم. فدلهم -رضي الله عنه- إلى طريقة سديدة لمعالجة سعر هذه السلعة، وذلك بتركها فهل نعي ذلك ونترك ما غلا سعره إلى ما هو دونه كي يعلم هؤلاء المحتكرون أن الناس يمكنهم ترك سلعتهم فيرخصونها..
* من المحرر: رحمك الله وجزاك عنا خير الجزاء شيخنا السالك، فو الله لكأنك تخاطب بهذا الحديث ولاة أمرنا.. وتجارنا وتخاطبنا نحن.. فهل يا ترى نستلهم من حديثك هذا ما يفيدنا، ويضعنا في الطريق إلى الله، أم نمر عليه مرور الكرام.. ويشبه حينها حالك حال الشيخ المغربي الذي أذن في مالطا ولم يستجب له أحد..؟؟!!!!!
* وكفى.