خبير القانون الدولي للمياة ووكيل وزارة العدل الأسبق، د. احمد المفتي لـ(الصيحة)
ما تم الإتفاق عليه بشأن السد لا يتجاوز 10%
ملء بحيرة السد دون اتفاق “تهديد لمصالحنا المائية”
وصف خبير القانون الدولي للمياة، ووكيل وزارة العدل الأسبق، د.أحمد المفتي، مفاوضات السد الجارية بين الأطراف الثلاث بالفاشلة، ودعا لتبني مقترح “التكامل التنموي الاقليمي المستدام” موضحا أن المقترح حظى بموافقة أثيوبيا ومصر منذ 2011 ولحق بهما السودان.
وقال المفتي في حوار مع “الصيحة” ان ملء بحيرة السد دون اتفاق يمثل تهديد لمصالح السودان، وطالب باعادة صياغة مسودة السودان في شكل مذكرة وليس مشروع قرار.
حوار: جمعة عبد الله
ما تقييمك للمسودة التي قدمها السودان لاطراف التفاوض؟
المسودة التي قدمها السودان حتى ولو لم تتم الموافقة عليها ينبغي إعادة صياغتها في شكل مذكرة وليس مسودة مشروع قرار، وتوزيعها على أوسع نطاق، لأنها تتضمن الموقفين السوداني والمصري، من سد النهضة بصورة منصفة ومعقولة، وفي ذات الوقت الاعتراف بسد النهضة كأمر واقع، وتكملة المفاوضات حوله بصورة تحفظ حق كل الأطراف وفق ما سبق أن وافقوا عليه من تكامل وليس وفق تصور جديد.
– برأيك ما سبب تطاول أمد التفاوض دون التوصل لإتفاق بشأن سد النهضة؟
ان عدم تحديد وبلورة السودان ومصر لمطالبهما للمجتمع المحلي والإقليمي والدولي بصورة واضحة ساهم في تعقيد المفاوضات، بل أضعف تلك المطالب لأنها تقدم متقطعة ولذلك كادت أن تضيع وبعضها ضاع بالفعل.
ولعل أوضح مظاهر ما ذهبنا إليه أعلاه هو اعترافهما أمام القمة الإفريقية المصغرة التي انعقدت بتاريخ 26 يونيو الجاري بأن ما تم الاتفاق عليه بين الأطراف الثلاثة هو في حدود 90 – 95% وأنا متأكد أنهما يقصدان أن تلك النسبة تتعلق بالملء والتشغيل ولكنهما لم يوضحا أن ذلك لا يشمل الموضوعات الهامة الاخرى والتي لا يتجاوز ما تم الاتفاق عليه فيها 5 – 10% في تقديرنا وسوء الفهم ذلك يغل يد قمة الاتحاد الأفريقي المصغرة ثم الاتحاد الأفريقي نفسه ثم يد مجلس الأمن إذا فشل الحل الأفريقي لانه يفهم منه خطأ أن إثيوبيا متعاونة بنسبة 90 إلى 95 % مما يعني أنه لا يوجد أي مبرر للسودان ومصر لرفع الأمر إلى الاتحاد الأفريقي أو مجلس الأمن لأن ذلك الجزء البسيط المتبقي لا يمكن أن يهدد السلم والأمن الدوليين، لذا على السودان ومصر بلورة موقفهما في شكل مسودة مشروع قرار لتتبناه قمة الاتحاد الأفريقي المصغرة، ثم أن دعا الحال الاتحاد الأفريقي ثم مجلس الأمن إذا فشلت جهود الاتحاد الأفريقي.
ما خيارات بقية الأطراف بعد اعلان اثيوبيا بدء ملء بحيرة السد؟
تمسك السودان ومصر بحقهما في عدم بدء ملء السد إلا بعد وفاء إثيوبيا بكافة التزاماتها الدولية أو إبرام اتفاق ملزم بذلك يعطيهما الحق في الدفاع عن حياة مواطنيهما بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بكافة الوسائل.
لأن إثيوبيا قد انتهكت حقوقهما المائية بصورة جسيمة ومن ذلك عدم إعطائهما إخطارا مسبقاً قبل البدء في تشييد السد كما يقتضي القانون الدولي، وعدم اخد موافقة السودان المسبقة قبل بدء التشييد بموجب اتفاقية 1902، وعدم إجراء دراسات بيئية واقتصادية واجتماعية قبل بدء تشييد السد، وعدم إجراء تلك الدراسات لاحقاً، خلال 15 شهراً كما أوصت اللجنة الفنية الدولية عام 2013 والتزمت أثيوبيا صراحة بذلك في اعلان مبادئ سد النهضة لسنة 2015 ، وعدم “إستكمال” امان السد الذي تنص عليه الفقرة الثانية من المبدا رقم 8 من اعلان المبادئ، وعدم موافقة اثيوبيا على أن يتضمن الاتفاق التعويض عن الأضرار كما ينص القانون الدولي.
الا يعني ذلك هدر المزيد من الوقت للتفاوض؟
العودة إلي مفاوضات مباشرة بين الأطراف ثبت “فشلها” بعد ان استمرت منذ العام 2011 ثم دعمت بتدخل من الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي خلال نوفمبر 2019 وحتي فبراير 2020 ثم دعمت مرة ثانية بتدخل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوربي خلال يونيو الجاري.
وبسبب فشل المفاوضات فإن الأفضل هو عدم الرجوع إليها بل العمل علي “تكملتها”بما سبق للأطراف أن وافقوا عليه خاصة وأنه يشرك كافة دول حوض النيل في المفاوضات بما يضمن عدم نشوء أي نزاع حول نهر النيل مستقبلا.
كيف تكون التكملة؟
“التكملة” تستفيد من جهود ضخمة سبق أن بذلتها دول حوض النيل خلال
أكثر من 15 سنة بدعم مادي وفني من اكثر من 10 جهات دولية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي ودول من الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة وكندا وليس من المفيد إهدار كل تلك الجهود بل ينبغي البناء عليها.
يقوم مقترحنا لتكملة المفاوضات علي فكرة “التكامل التنموي / الاقليمي المستدام” الذي سبق ان أتفق عليه السودان ومصر وإثيوبيا في المبدأ رقم 2 من اعلان مبادئ سد النهضة ولم يفطن له أحد.
لكن الإتفاق على التكامل يحتاج وقت ايضا؟
سبق لمصر وإثيوبيا أن اتفقتا ثم لحق بهما السودان على فكرة التكامل وذلك في محضر اجتماع الرئيسين الأثيوبي ميلس زيناوي والمصري عصام شرف خلال اجتماعها في مايو 2011 باديس أبابا والذي كان هو أساس المفاوضات الحالية.
لكن السودان ومصر وإثيوبيا لم يستفيدوا من فكرة التكامل الموجودة في ذلك المحضر لذلك كان اقتراحنا أن تكمل المفاوضات الحالية بفكرة “التكامل التنموي الاقليمي المستدام” وليس الاستمرار في المفاوضات الفاشلة عبر اللجان الفنية الهندسية والتي ينبغي أن ياتي دورها لاحقا بعد الاتفاق على الإطار القانوني والمؤسسي لذلك التكامل والذي لن يتجاوز اعداده ثلاثة شهور في تقديرنا، إذا تعاملت الدول الثلاثة بالجدية المطلوبة، حيث توجد امور خلافية فنية، متعلقة بالملء الأول والتشغيل السنوي، فإن قبول التكامل هو أكبر حسن نية وكفيل بحل تلك الامور الخلافية.
ما هي خيارات السودان بعد بدء اثيوبيا في الملء دون إتفاق؟
من المهم على إثيوبيا أن توقف ملء السد إلي حين الاتفاق علي إطار تكامل اقليمي قانوني ومؤسسي، نهائي وملزم بين كل دول حوض النيل الثلاثة ينص على حقوقها التي ينص عليها القانون الدولي والاتفاقيات الثانية الملزمة.
وأن تشرع الدول الثلاثة وباقي دول حوض في “تكملة” المفاوضات التي جرت بين الدول الثلاثة منذ العام 2011 ومفاوضات اتفاقية عنتبي التي جرت بين كل دول حوض النيل منذ العام 1995 بمفاوضات تكامل تنموي إقليمي مستدام على ضوء ما اتفق عليه بينهم من قبل، والمنصوص عليه في محضر اجتماعات الرئيسين ميلس زيناوي وعصام شرف والمبدا رقم 2 من اعلان مبادئ سد النهضة لسنة 2015 المتفق عليه في اتفاقية عنتبي، وذلك خلال فترة لا تتجاوز الثلاثة شهور، وان تتفق الأطراف الثلاثة، علي الجهات التي ترعي تلك المفاوضات التكميلية.