الخرطوم- مريم أبشر
تصاعدت وتيرة الأحداث بملف سد النهضة بعد الخطوة المصرية، المتمثلة في رفع الملف برمته لمجلس الأمن للنظر فيه، في وقتٍ تتسارع فيه خُطى الخرطوم، الشريك الأساسي في المشروع للعب دور الوسيط بين الطرفين (المنبع والمصب) للعودة الى طاولة التفاوض المباشر باعتباره الخيار الأفضل بعد أن حسمت الأطراف أكثر من 95% من الملفات الشائكة وتبقى اليسير، ومستدركين أيضاً أن النزاعات المائية لم تسجل من قبل سابقة يتم حسمها عبر مجلس الأمن باستثناء اتفاقية هيلسنكي حول جزء من نهر الدانوب.
لا للمُواجهة:
الخرطوم، اتهمتها بعض الدوائر المراقبة بأنها (ماسكة العصاية من النصف).. ففي الوقت الذي ترتفع فيه نبرة الخطاب من الجانب الإثيوبي بالمضي قُدُماً نحو بداية ملء السد سواء تم الاتفاق أو لم يتم، وأن المشروع سيمضي نحو النهايات، وفي الجانب الآخر تصعد فيه القاهرة المواجهة وتطرق أبواب المؤسسة الأممية وآلياتها وتطلب وضع الملف على طاولة مجلس الأمن، مع تصعيد نبرة الآلة الإعلامية وتوجيهها نحو الطَرق على الموضوع، تسعى الخرطوم لإفراغ شحنة التوتر بين جارتيها اللتين تربطها بهما علاقات استراتيجية وعلاقات جوار حدودي لا فكاك منه. وبرغم أنّ السودان سيجني فوائد جَمّة من سد النهضة وفق الدراسات التي أعدّها خبراء منذ بداية الألفية، إلا أنه بالمُقابل قد يتعرض لأخطار بالغةٍ، خاصة وأن السد يبعد فقط 15 كلم من حدوده ومن سد الروصيرص أهم منشأة مائية للزراعة وإنتاج الكهرباء بالسودان.
وزير الدولة بالخارجية الدكتور عمر قمر الدين قال في تصريح إعلامي، إن السودان لن يدخل في مواجهة مع إثيوبيا في حال أقدمت على خطوة ملء خزان السد دون اتفاق، مشيراً إلى أن بلاده ستتعامل مع الأمر الواقع وتبحث عن حلول عبر الحوار، وأضاف أن الخرطوم ترفض أيضاً تصعيد القاهرة لقضية سد النهضة ولجوئها لمجلس الأمن الدولي. موضحاً أن من شأن ذلك أن يعقد الأوضاع التي وصفها بالحَسّاسة أكثر، ونفى في ذات الوقت نية السودان توقيع اتفاق ثنائي مع إثيوبيا بعد تحقيق شروطه المتعلقة بسد النهضة، مؤكداً أن الاتفاق الثلاثي المُلزم سيضع حلاً نهائياً للأزمة، وكشف عن اتصالات بين الدول الثلاث على مستوى وزراء الخارجية بالإضافة إلى تفاوض غير مباشر بين وزراء الري للتوصل إلى تفاهمات حول القضايا العالقة.
السلم والأمن:
مسؤول أصيل في المفاوضات الفنية ابدى استغرابه من ربط الجانب المصري للدفع بشكوته لمجلس الأمن الدولي بأن ما يجري في سد النهضة يمثل تهديداً للأمن والسلم الدولي، وقطع بأنّ نزاعات المياه بين الدول لم تشكل فى يوم من الأيام تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وليست هنالك سابقة لحرب نشبت بسبب المياه، وقال لـ(الصيحة)، إن شكوى مصر تحتاح لدولة عضو لرفعها للمجلس ومن ثم عقد مداولات غير رسمية خارجية، ثم من بعد طرحها على منضدة المجلس، وقال إن السودان دفع بخطاب للأمين العام للأمم المتحدة عبر وزيرة الخارجية وكان رده إيجابياً، وأبدى تقديره لجهود ومساعي السودان، وطلب مزيداً من السعي وصولاً لاتفاق عبر التفاوض.
مراقبون:
السودان كان يرغب في أن تكون المفاوضات ثلاثية، غير أنّ تحويل ملف التفاوض لواشنطن ودخولها كمراقب إلى جانب البنك الدولي في الجولات الأولى بموجب طلب مصري، دفع بإثيوبيا بأن تدفع هي الأخرى بجنوب أفريقيا كمراقب، الى جانب الاتحاد الأفريقي مؤخرا دخل الاتحاد الأوروبي ضمن المراقبين، غير أن المراقبين تحولوا في الجولات الأخيرة لوسطاء وهذا ما لا يرغب فيه السودان.
مُبادرة السودان:
السودان طوال فترة التفاوض يسعى دائماً لتفعيل الدبلوماسية وجرّ الأطراف نحو طاولة التفاوض المباشر بين الدول لتحقيق شعار كل الأطراف تكسب، غير أن الخطوة المصرية نحو رفع الملف لمجلس الأمن ومساعيها الراهنة حسب معلومات مؤكدة لاستصدار قرار جديد من الجامعة العربية، شبيه بالقرار السابق الذي تحفّظ عليه السودان، ربما يضيف مزيداً من التعقيدات على المشهد في ظل إصرار إثيوبي على مواصلة العمل ووضع الجميع أمام الأمر الواقع، وتوقّع أن تجري الخرطوم تحركات جديدة من أجل اتخاذ قرار سيادي من قبل القيادة السياسية في الدول الثلاث، خاصةً وأن اتفاق إعلان المبادئ الخاص بإنشاء السد، منح القيادة السياسية هذا الحق في حال نشب نزاع استعصى حله عبر الوفود المفاوضة، وفي حال فشلهم يمكنهم اللجوء للتحكيم الدولي.
وقطع سفير فضّل حجب اسمه أن تبادل المعلومات يُعد من الأهمية بمكان، وأن تشكيل آلية لهذا الغرض خاصة بالنسبة للسودان، حيث يوجد خزان الروصيرص على بُعد 15 كلم فقط من سد النهضة، وكشف عن نية مصر في فتح ملف اتفاق 59 الخاص بتقسيم المياه، وهي اتفاقية ثنائية بين مصر والسودان لا علاقة لإثيوبيا بها، وهي تسعى لإقامة مشروع تُريد من خلاله توليد الطاقة الكهربائية فقط.