التقرير الأمريكي.. عقبات وعُقُوبات صادمة!!
تقرير- عبد الله عبد الرحيم
رغم الخطوات الكبيرة التي خطتها الحكومة في اتجاه التقارب مع الإدارة الأمريكية، الاعتراف بمسؤولية السودان عن حادثتي البارجة والسفارة بنيروبي وما لزم ذلك من التزامات مالية وقعت على عاتق الخرطوم، بالإضافة للتماهي الكبير مع السياسات الأمريكية التي من شأنها تبييض وجه السودان، وللنأي به عن ما يُسمى الدول الراعية للإرهاب، في وقتٍ واجهت فيه الحكومة اعتراضات سياسية بالداخل جرّاء تلك المواقف.. وأكدت هذه القوى السياسية أن واشنطن لن تمنح الحكومة ما تريده قبل أن تنال أكثر مِمّا تمنحه، رغم حاجة الخرطوم لحلول سريعة لأزمتها الاقتصادية والدبلوماسية فيما يتعلق بسياساتها الخارجية.. وتأتي هذه المستجدات وقد جدّدت واشنطن عقوبات إضافية على السودان فيما يتعلق بالمُساعدات والمُوازنة، في وقت لا تزال الأزمة تحكم قبضتها على تفاصيل الوضع الاقتصادي بالداخل وزادت من التدهور الاقتصادي ورفعت حجم التضخم لأكثر من 117%، الأمر الذي يحتم على المجتمع الدولي ضرورة دعم الحكومة لعبور هذه الأزمة الاقتصادية وهي تسعى لتجاوز مطبات التحوُّل الديمقراطي الكبير الذي تسعى إليه.
تقريرٌ صادمٌ
يأتي هذا وقد باغتت واشنطن، السودان بعقوبات إضافية قد تعيق الخطوات التي قام بها السودان في الفترة الأخيرة، وهي خلو ساحته من العقوبات الدولية والأمريكية ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وقال د. الأمين الحسن الخبير الاستراتيجي لـ(الصيحة)، إنّ التقرير الأمريكي صادمٌ وهو قد وضع السودان ضمن القائمة المالية السوداء بحسب تقريرها للعام 2020، واتهمت من خلاله الخرطوم ضمن أخريات بالتلاعُب في المساعدات والموازنة.. وأوضح التقرير أنه خلال فترة المراجعة، جعلت الحكومة وثائق الميزانية والمعلومات حول التزامات الديون متاحة فقط عند الطلب. وثائق الميزانية لم تكن كاملة بشكل كبير، ولم تتضمّن الميزانية عائدات استخراج الذهب والنفط، ولم تصف بشكل كافٍ المخصصات والأرباح من الشركات المملوكة للدولة، كما أنه لم يكن لدى الشركات الكبيرة المملوكة للدولة، بما في ذلك بنك أمدرمان الوطني وشركة سين فلور، بيانات مالية مدققة بحسب التقرير الأمريكي الذي أكد احتفاظ الحكومة بحسابات خارج الميزانية لا تُخضع للتدقيق.. وزاد التقرير: إنه لم يتّضح مدى خُضوع الميزانيات العسكرية والاستخباراتية لرقابة مدنية كافية، بجانب أنه لم تكن المعلومات في الميزانية موثوقة، وكانت هناك تقارير عن نقص كبير في الإبلاغ عن النفقات والإيرادات في الميزانية، بما في ذلك الميزانيات العسكرية والاستخباراتية.. وقال الحسن إنّ السودان وهو يخطو هذه الخطوات كان يتطلّب وقوف المجتمع الدولي معه.. مُشيراً إلى أنّ أمريكا التي رحّبت بالتغيير في السودان كان الأولى أن تدعم هذا التغيير، لأنها هي من وضعت السودان في هذه المواقف المأزومة بالعقوبات المتكررة التي تنزلها إدارة البيت الأبيض على السودان، الذي بدأ يبحث بجد عن حلول لأزماته بطريقة ترضي إدارة ترمب أكثر من إرضاء الشعب السوداني.
الانتقال للمدنية
بينما أكّد د. محمد الخير مصطفى أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية لـ(الصيحة)، خلو التقرير الأمريكي من مميزات معالجة أزمات الضائقة الاقتصادية.. وقال إنّ تخندق واشنطن خلف دعاوى تقريرها جعلها ترمي بعقوبات إضافية، ناسيةً بأنّ الحكومة انتقالية ولم يمر عليها غير عامٍ وأنّ عدم إعلان مؤسسة التدقيق العليا بالسودان تقاريرها للجمهور، ربما ناتج عن ضيق المواعين وتفاقُم الأزمة التي تحتاج لتحرك سريع.. وقال: من حق الحكومة تحديد المعايير والإجراءات التي منحت بموجبها عقوداً أو تراخيص لاستخراج الموارد الطبيعية في القانون ولكن لم يتم اتباعها في الممارسة العملية.. لم تكن المعلومات الأساسية عن جوائز استخراج الموارد الطبيعية مُتاحة للجمهور.
انتقل السودان إلى حكومة مؤقتة يقودها مدنيون في أغسطس 2019 بعد ديكتاتورية استمرت 30 عاماً، والتي أعربت عن نيّتها في أن تكون أكثر شفافية مالياً ومُساءلة أمام الجمهور والشركاء الدوليين.. وقال إنّ ما حال عن عدم نشر المعلومات الأساسية عن جوائز استخراج الموارد الطبيعية للجمهور، سببه التركة الثقيلة التي ورثتها الحكومة من النظام البائد.. وأكّد التقرير أنّه سيتم تحسين الشفافية المالية للسودان من خلال جعل وثائق الميزانية ومعلومات الديون مُتاحة على نطاق واسع وبسهولة لعامة الناس، بما في ذلك عبر الإنترنت في جميع النفقات والإيرادات في ميزانيتها، وإلغاء الحسابات الخارجة عن الميزانية أو إخضاعها للمُراجعة والإشراف المُناسبين، وإنشاء رقابة مدنية أكبر على الميزانيات العسكرية والاستخبارية، إنتاج ونشر ميزانية تكميلية عندما لا تتوافق الإيرادات والنفقات الفعلية مع تلك المُدرجة في الميزانية المُعتمدة، مُراجعة جميع الشركات الكبيرة المملوكة للدولة، وجعل تقارير المُراجعة هذه علنية، التأكُّد من قيام مؤسسة التدقيق العليا بتدقيق المُوازنة التي تنفذها الحكومة ونشر تقاريرها، الالتزام بعملية منح عقود واستخراج الموارد الطبيعية والتراخيص على النحو المنصوص عليه في القانون، إتاحة المعلومات حول جوائز استخراج الموارد الطبيعية للجمهور.. وناشد مصطفى، إدارة ترمب لدعم الحكومة المدنية لتبلغ مبتغاها في تغيير الأُطر والتنظيم لتوارث حكم مدني ديمقراطي في مُقتبل الأيام للسودان، وذلك برفع العقوبات الاقتصادية السياسية الأمريكية عن السودان، ودعم سياساته الاقتصادية لتحسين الحال الاقتصادي، وتخفيض نسبة التضخم العالية التي بلغها السودان..!