عقب استلام “كوشيب”..الجنائيّة الدوليّة.. سِيناريوهات مُحتملة
تقرير- صلاح مختار
في 31 مارس 2005، أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الحالة في دارفور بالسودان إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بمُوجب القرار 1593 (2005). وبدأ الادعاء تحقيقاته في حالة دارفور في يونيو 2005. وفي 27 أبريل 2007، أصدر قضاة الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة أمر قبض بحق المُشتبه فيه، “السيد علي كوشيب”، بيد أن استسلام “كوشيب” ونقله إلى المحكمة، بعد ما يقرب من عقدين من جرائمه المزعومة، يعتبر تذكرة قوية ومُحزنة لضحايا الجرائم المُرتكبة في إقليم دارفور، الذين انتظروا تحقيق العدالة طويلاً.. وأخيراً، كما تقول بنسودا يستحق ضحايا حالة دارفور أن يروا العدالة تتحقق لهم.
ولكن المعضلة التي يراها البعض هي تسليم رموز النظام البائد مثل البشير وأحمد هارون وعبد الرحيم، في وقت يرى البعض ضرورة أن تكون للقضاء السوداني كلمته النهائية في مُحاكمتهم، بيد أن الأمر يصطدم بإجماع بين قوى سياسية داخلية وحركات دارفور التي تتفاوض حول الوصول لاتفاق سلام يجنب البلاد شر الانتهاكات الإنسانية .
كلمة القضاء:
وأتاحت بنسودا أمام القضاء المحلي أن يقول كلمته قبل أن تفصل هي في القضية، وكرّرت دعوتها للسلطات السودانية لضمان العدالة الملموسة للضحايا في دارفور دون تأخير لا مبرر له، حيث لا تزال أوامر القبض الخمسة المتبقية في حالة دارفور ضد عمر البشير وعبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون وعبد الله، بنوداً سارية المفعول، وبالتالي لا تزال حكومة السودان مُلزمة قانوناً بنقل المشتبه فيهم الأربعة المُتبقين إلى المحكمة لمُحاكمتهم. ولكن ترى الجنائية بدلاً من ذلك، يُمكن للسودان، بمُوجب نظام روما الأساسي أن يثبت لقضاة المحكمة أنه يجري تحقيقاً صادقاً مع الأربعة المشتبه فيهم الباقين ويقاضيهم على السلوك الإجرامي المزعوم نفسه الوارد في أوامر قبضهم الصادرة عن المحكمة.
وتقول بنسودا، عملاً بمبدأ التكامل وولايتي كمدعية عامة للمحكمة، أرحب بالحوار مع حكومة السودان لاستكشاف جميع الخيارات المُتاحة لتيسير الإجراءات القضائية الحقيقيّة بحق المُشتبه فيهم على خلفية الحالة في دارفور، الذين أصدرت المحكمة أوامر قبض بحقهم، إما في قاعة محكمة بالسودان أو في المحكمة بلاهاي.
الكرة في ملعب الحكومة:
بالقبض على “كوشيب”، وضعت المحكمة الجنائية الكرة في ملعب الحكومة السودانية والقضاء السوداني لإثبات حُسن نيِّتها وإبراء ذمتها أمام المُجتمع الدولي، بل في المقام الأول أمام أولياء الدم، خاصّةً بعد حديث رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قبل فترة بأنه لم يُسلّم المطلوب عمر البشير للمحكمة الجنائية، غير أن الأمور في جوبا التي تناقش ملف السلام والعدالة، وان وفد التفاوض حسم قضية تسليم البشير للجنائية بالإجماع .
سيناريوهات مُحتملة:
وتوقّع الخبير القانوني البرفيسور عثمان محمد الحسن في حديث لـ(الصيحة)، انعقاد محكمة هجين تشمل القضاء السوداني والقضاء الدولي وذلك لثلاثة أسباب، وهي أن المحكمة الجنائية الدولية تبدأ ولايتها عندما يُعلن القضاء السوداني عدم تمكُّنه من تحقيف العدالة وهو ما لم يقله القضاء، واعتبر القضاء بالمحكمة ليست فيها محاكم، أي ليست فيها نيابة، ولكن بالتالي مرحلة التقاضي يُمكن أن يمثل أمامها كل من يُريد أن يطعن أو يلتزم بالقانون، وقال احتمال حضور كوشيب الى الداخل للإدلاء بشهادته لتكملة الإجراءات، واعتبر تسليم الأشخاص المطلوبين افتراضياً أو حكماً وليس جسدياً، وأكد أن القضاء السوداني يُمكن أن يسلمه إذا قال إنه غير قادر على تحقيق العدالة، ورأي أن من السيناريوهات المُحتملة نقل البشير من سجنه الحالي إلى موقع المحكمة، وأضاف أن البشير الآن في السحن حكماً وليس في النيابة، ورأي بإمكانية الاتحاد الأفريقي أن يقوم بعملية المحكمة الهجين .
قلب الطاولة:
ويقول المحلل ياسر محمد محمود في مقال منشور، إن عملية تسليم “كوشيب” لنفسه طواعيةً خلطت الأوراق تماماً، وقلبت الطاولة رأساً على عقب، ولا سيما أن “كوشيب” هو الحلقة الأضعف في قائمة المطلوبين، بيد أنه يرى من السيناريوهات المُتوقّعة، حيث قال من الممكن أن يدلي بمعلومات من الأهمية والخُطُورة بمكان قد تجعله في خانة شاهد الملك وتبرئ ساحته من التُّهم المُوجّهة إليه كما برأت ساحة بحر إدريس أبو قردة من قبل، الأمر الذي يُمكن المحكمة الجنائية من تعضيد بياناتها التي تؤكد ضُلُوع بقية المُتّهمين في قضايا الإبادة الجماعية وجرائم حرب بإقليم دارفور..!