كتب- نيازي أبو علي
بفضلٍ من الله، ورحمة منه، وصالح دعوات المُحبين، تسربل عازف الكمان المُجيد إيهاب الشريف، بثوب العافية، بعد رحلة طويلة مع المرض.
غيّب المرض نجمنا كثيراً عن الساحة الفنية، حيث يتنفّس المُوسيقى ويستنشق الألحان، وقرّبه أكثر من نفوس طيبة، كطيبة أهل السودان، اقتسمت معه الألم وتبعات المَرض المادية والنفسية، وسقوه بلسم العافية دعوات وأمنيات وحباً كبيراً، ليقهر المرض بالثبات والصبر والجَلدِ، وحُب الحياة.
شارك إيهاب بكمانه في تقديم كَثيرٍ من الألحان الجميلة لعددٍ كبيرٍ من عَمَالقة الفن السوداني، فَضْلاً عن علاقة عمل خاصّة جمعته بالفنان الراحل محمود عبد العزيز، وهي الفترة التي حَكَى عنها إيهاب بفخرٍ ووفاءٍ وحفظ جميلٍ، وقال عنها: (كانت من أطول وأجمل الفترات، كُنّا مثل الأسرة الواحدة، لأنّ الفنان محمود عبد العزيز، كان شخصية مَحبوبة فيها كل صفات الشعب السوداني من طِيبةٍ ونخوةٍ وكرمٍ، وطيلة فترة عملي معه لم أشعر إلا وأنّه شقيقي لتواضعه، ربنا يتقبّله ويُعوِّض شبابه الجنة)، وأضاف إيهاب (أسمح لي عبركم، أن أشكر أسرة الفنان الراحل محمود عبد العزيز مُمثلة في والدته الحاجة فائزة التي قامت بزيارتي فترة مرضي، وأشكر جميع “الحوّاتة” الأوفياء لوقفتهم القوية معي فَهُم لم يُقصِّروا، لهم كل الود والتقدير).
المُخرج الصحفي، والقيادي بمجموعة أقمار الضواحي، الزميل محمد بابكر يحكي عن نجمنا: (الصدفة وحدها هي التي جعلتني أندهش والعازف الماهر إيهاب الشريف يعزف خلف عصام محمد نور في برنامج يلا نَغَنِّي لهذا الموسم بقناة الهلال، وتحديداً حينما أتت صولة جنونية من آلة الكمان “كمان مليان حنان”، فازداد تركيزي لمعرفة مَن هُو صاحب الصولة المجنونة، فوجدته المُبدع الحقيقي والمظلوم جداً إيهاب الشريف وما أدراكم ما إيهاب الشريف ابن كردفان المُبدع، عرفناها مع محمود عبد العزيز ومع زيدان إبراهيم لهما الرحمة والمغفرة فكانا يعرفان قدر إيهاب وملكاته الإبداعية المُدهشة.. مَرّ إيهاب بظروفٍ قاسيةٍ كادت أن تنهي حياته الإبداعية ولكن وقفة نفرٍ كريمٍ من الأعزاء أعادته تدريجياً للمسار الصحيح.. شكراً قناة الهلال وأنتِ تتيحين هذه الفرصة لمبدعٍ كبيرٍ، وأنا شخصياً اعتبره من أمهر وأفضل عازفي الكمان في السودان، وهذه المكانة الحقيقية التي يجب أن يتواجد فيها هذا المُبدع، وأتمنى من القنوات الأخرى أن تفسح له المجال أكثر وأكثر ليندهشوا أولاً بمكنونه الإبداعي الرصين ونستمتع جميعاً بأنامله الساحرة وقوس كمانه الذي لا يُجاريه أحدٌ).
وكتب أستاذ كلية الموسيقي والدراما، بدر الدين، عن نجمنا إيهاب الشريف: (إيهاب الشريف واحدٌ من الذين أنجبتهم هذه الأرض ليكون فنّاناً مُتكاملاً وذا سماحة تتجاوز حدود أعرافها الإنسانية، هذا الإنسان بل هذا الفنان قدم إلى العاصمة من موطن تعدُّد الأنماط الإيقاعية (Multiple rhythmic patterns) إنّه إقليم كردفان وبهذه الخلفية الفنية الرحبة التي تجعل من مُبرّرات الإبداع أمراً في غاية البساطة والإمكان لمن يشتغلون في مجال الفنون بشكلٍ عامٍ.
إيهاب الشريف، منحه الله سبحان وتعالى موهبتين فريدتين هما (إجادة العزف على آلة الكمان والإلمام بتقنيات لعب كرة القدم) وهو حريفٌ فيهما الاثنين بذات القدر من التجلي.
كان الراحل محمود عبد العزيز (الحوت) عليه الرحمة محظوظاً أن يكون خلفه فنانٌ بوزن إيهاب الشريف ضمن كوكبته الذهبية (الفرقة الموسيقية)، كيف لا وهو من قَامَ بأداء أجمل (عزف منفرد Solo) لآلة الكمان في الأغنية الشبابية خلال العشرين سنة الأخيرة، ويتّضح ذلك من خلال أغنية (ما تشيلي هَم) التي تمثّل واحدة من أنجح الألبومات الغنائية للراحل الحوت، وهذا الألبوم به علامة موسيقية بارقة وفارقة ربما كانت سبباً مُباشراً سَاهمت إسهَاماً كبيراً في نجاحه من حيث المُبيعات وهي وجود فقرة (المُقدِّمة المُوسيقية Intro) التي صاغها فنانٌ آخر وهو (كننو) بأنماله عزفاً على آلة الأكورديون، بالإضافة إلى فقرة الصولو داخل مَسَارات الأغنية التي تسيّدها ذلكم المهاب إيهاب الشريف قام بتأديتها في إجادة مُتناهية الدقة والسلاسة والخيال والاسترسال لتبقى معياراً علمياً ليستفيد منه عازفو آلة الكمان في تقنيات أداء العزف المُنفرد (الصولوهات).
في اعتقادي الشخصي، إنّ ما فعله إيهاب الشريف مع الحوت يرتقي محلياً بالمثل كما فعلت الأمريكية العالمية العملاقة عازفة الكمان (كارين بريغس Karen Briggs) مع الموسيقار ياني في حفلة التاج محل التاريخية بالهند، فالمقارنة هنا ليست لاستعراض التقارب أو فوارق المهارة الأدائية ما بين إيهاب وبريغس بطبيعة الحال، ولكن فقط أتت بموضوعية ومُسوِّغات السرد على سبيل إدراج البُعد الجمالي فقط.
إيهاب لم يبتكر من اسمه وإمكانَاته العزفية العالية (لقباً) يلازمه مثل ساحر الكمان أو أمير الأوتار أو غيرها من الألقاب التسويقية الشائعة، ولكن ظل إيهاب شريفاً مُحباً ومُخلصاً لمحبوبته الأولى (آلة الكمان).