العميد ركن فيصل جنقول يكتب: إذا ترنحت الجيوش فهذا من خمر الشعوب
(صدقاً وعدلاً).. إذا ترنحت الجيوش فهذا من خمر الشعوب.. فالجيوش هي صدور المحافل، ومجندلة الجحافل، لأن الشعوب هي سيوف الحق التي بها نصول وألسنة الصدق التي بها نقول.
والجيوش لم تخلق لتحلُم إنما لتحقق الأحلام الوردية الوضاءة لشعوبها الحرة، لأن الشعب هو الواحة التي تكتظ بالهاربين من هجير الرمضاء الغائظة، لذلك نُراهن على إعادة الرونق المفقود، لأن قصة الحب طويلة لكن الوقت قصير، لذا أقول الآن الآن وليس غداً أجراس العودة فلتقرع، ويتسرب إلى تلافيف شعوري رائعة فاروق جويدة: أشعر أن في الأيام يوماً سوف يجمعنا
وأن الدهر بعد الهجر سوف يزور مضجعنا
وأن الحب بعد الصد سوف يعود يسمعنا
ويمسح في ظلام الليل شكوانا وأدمعنا
غداً يا مُنية الأيام تجمعنا ليالينا
سنبني للهوى بيتاً ونلقي فيه ماضينا
ونكتب فيه ملحمة ونودعها أمانينا
غداً في الشط تجمعنا ليالي الصيف والنجوى
وفوق رماله الفرحى سننسى الحزن والشكوى
نُحقق فيه أحلاماً تركناها بلا مأوى
وهناك اشتهاءات نفترشها على سجاد التلاقي بشأوكم الذي لا يضاهى ونوركم الذي لا يخمده الدجى من بعد غلس وهما ما جعلنا شموخاً وجزءاً أساسياً من مشاريع القوة والحبور، وهي ذات اللحظة التي ننشدها والأرواح مشرعة للسقيا من نبيذ وجدكم وودادكم. فلتعلموا أن الشعوب هي رئة الجيوش وقلبه النابض، وإلا لأصبح جسداً بلا روح. لذا هو قطرة غمامنا ودرة نظامنا ونحن نستمد منه البهاء، ونستلهم منه المجد، وعزة الجيوش بشعبها وهوانها بسحب بساط الثقة من تحت أقدامها المخضبة بطين أديمها الطاهر، أنه السودان أرض محراب الأحبة، الذي جعل لنا شعباً كالوالدين أحدهما بالدعاء والآخر بالحنين.
ولا نريد أن تؤلف بين قلوبنا نائبات الدهر ونوازل الزمان والخطوب المدلهمات، حتى تتوحد جبهتنا الداخلية وتتماسك أشعة المحبة التي تطل من نوافذ الوطن، ومطلوب بشدة اللوم بلطف:
مرات أقول أديهو كلمة تزعلو حبة عذاب وكلام عتاب أنا عارفو ما بتحملو
علشان أشوف خدو الحرير الدمعة جارية تبللو
لكني قبال أبدا بلحظات أقيف أتاملو
هذا ما نريد من روح ومن نقاء الشعب الذي لا تحده حدود:
بضمو في قليبي انبساط
ومحبة فياضة وهنا
ما ردته غيرو ولا هو راد
زولاً سواي أبداً أنا
وهذا حالنا بمنتهى السمو الروحي، ولن تنتصر الجيوش إلا بشعب يؤمن بدورها. ولن تقوم الجيوش بدورها إلا إذا دعمته شعوبها وأمدته بالثقة. فالإيمان والثقة يوفران السخاء بالدماء من قبل الجيوش والتي لا تعرف الإنكسار في ظل شعب يلوم ويصفح، و جيش يقصر ويجيد، فكل عمل ابن آدم ناقص وإن اعتراه الكمال.
هؤلاء قومي فجئني بمثلهم يا جرير إذا جمعتنا المجامع
ويجب أن تكون الشعوب عنيدة وإلا لأصبحت بليدة، نحب الأولى و نلفظ الأخرى.
ويجب أن تكون الجيوش مهابة وإلا لأصبحت مهانة، وكلاهما بيد الشعب، مهابة بالإيمان بدورها والثقة فيها، ومهانة بالتخلي عنها في هذا المنعرج الحاد في هذه الحقبة المعقدة ويجعلها تكابد لوحدها وهيهات هيهات.
التحية للجيشين الأخضر والأبيض.. والنصر لنا..