البداية..!!
* نكتب اليوم في “الصيحة” بعد أن قذفت بي الأقدار وتصاريف الزمان لدارها وغداً لا نعرف أين المستقر والمقام والمهنة التي اختارها أو اختارتنا.. لا تعرف الاستقرار والحياة نفسها حراك دائم.. وانتقال من حال لأخرى ومن دار لدار حتى نبلغ الدار الآخرة التي باتت بالطبع أقرب لمن في أعمارنا من حبل الوريد..
في صحيفة “الصيحة” نلتقي عبر هذه النافذة، وقد خرجت بالأمس من صحيفة أخرى (المجهر) ولنا هناك أصدقاء وأحباب وقراء نعتذر لهم بالرحيل والانتقال إلى هنا.. ونطرق أبواب أهل هذه الدار للنزول عندهم ضيفاً نسعى لطول الإقامة وتُخفي الأيام ما نجهل..!!
في زمان تآكلت فيه الصحافة الورقية.. وانحسرت أعداد توزيعها.. وفقدت الكثير من بريقها، ولكنها لم تفقد تأثيرها وسط النخب وصنّاع السياسة.. وأندية المشاهدة في الأرصفة ومقاعد المراقبين لما يجري في بلد غادرها المستعمر عام 1956م، وأورثها واقعاً لم نُحافظ عليه مثل بقية الشعوب، وبات البعض يائساً من الحاضر يرمق بنظره للماضي ويضرب كفاً بأخرى حسرة على ما ضاع منا.. في مثل هذه المناخات المشحونة بالتباغُض تصبح الصحافة مهنة الرهق النفسي والعصبي وقدر القطاع العريض من مُمتهني الحبر.. والكيبورد والنقش على الورق دفع ثمن مواقفهم ونظرتهم لمآلات أوضاع البلاد..
في “الصيحة” نلتقي بأحد الرفاق القدامى في دروب المهنة الأخ الصادق الرزيقي رئيس مجلس إدارة الصحيفة والصحافي النبيل الإنسان عبد الرحمن الأمين.. وعلي الصادق البصير وهدية علي وهؤلاء من عصير ألوان في تسعينات القرن الماضي.. وشباب وبنات آخرين أبوعبيدة عبد الله ورشا التوم وأم سلمة العشا وعوضية.. ونجوم الصيحة القدامى والجدد.. ننحت في صخر المهنة ونمشي في دروبها.. وما بين الأمل في المستقبل القادم والواقع بكل تقاطعاته وهول ما نحن فيه من شظف عيش وهمّ وغم.. تبقى الصيحة خياراً نشارك في تطريز ثيابها الجديدة..
بلادنا تمر بظروف جد عصيبة وانقسام في الصف الوطني لم يبصره كثير من القابضين على جمر السلطة حتى استفاقوا على بيان الرئيس في الثاني والعشرين من فبراير الماضي ليعزفوا كعادتهم على منوال ما جاء على لسان الرئيس بأن البلاد حقاً في محنة وتنتظر من الجميع التسامي فوق الجراحات والإقبال على تسوية تنهي حالة الاحتقان والصراع الحالي حتى لا تذهب ريح وطننا مع البلدان التي أصبحت مُهددة في وجودها بسبب ذات الأمراض والعلل..
في مثل هذا المناخ نُسدي النصح جهراً لكل الأطراف.. ونكتب بما تمليه علينا ضمائرنا.. ولن نكتب ما يطرب له أهل الحكم من ثناء ومدح.. ولن نكتب ما يطلبه المعارضون من ذم وادعاء بطولات.. إذا كان الطالب يمتحن في العام مرتين.. فالصحافي يمتحن في العام (360) مرة، نسأل الله أن نكون مقبولين عند شعبنا الذي هو أذكى من الجميع، وهو يراقب من ضفاف النهر موج السياسة الهادر.. ونبدأ الخطوة الأولى لمشوار لا نعرف طوله أم قصره.. ولكن المهم أننا نكتب بما نراه في الساحة..