الحظر الشامل.. قرار مجحف
النذير إبراهيم العاقب
أعلنت الحكومة السودانية الإثنين الماضي فرض حظر التجول الشامل في كل أجزاء العاصمة الخرطوم لثلاثة أسابيع ابتداء من السبت، وذلك لمواجهة تفشي وباء كوفيد 19 بعد تسجيل عشر إصابات في يوم واحد، ولفت أكرم علي التوم وزير الصحة في بيان له إلى أن حالات المصابين بفيروس كوفيد 19 المعروف بـ(كورونا)، بلغت حتى منتصف ليل الأحد الثاني عشر من أبريل إلى عشر حالات من بينها أربع، وقال، بهذه الإصابات الجديدة وصلنا إلى مرحلة الانتشار المجتمعي، وفي الرابع والعشرين من مارس الماضي فرضت السلطات حظر تجول جزئيا يبدأ من الثامنة مساءً وحتى السادسة صباحاً، لتعود وتعدله بعد أسبوع من الساعة السادسة مساءً وحتى السادسة صباحاً، في جميع أنحاء البلاد، وسبق ذلك كله إعلان الحكومة في الثالث عشر من مارس الحالي رصد أول أصابة بفيروس ووفاة المصاب.
القرار شمل العديد من الاستثناءات من الحظر تمثلث في المصانع العاملة في المنتجات الغذائية وعربات التوزيع وعربات نقل الخضار واللحوم والدواجن والالبان والمخابز ومحطات الوقود، فضلاً عن ساعات أثناء اليوم يسمح فيها للمواطن بالخروج للتسوق داخل منطقته، كما شملت الاستثناءات العاملين في الحقل الطبي والصيدلي والنظافة والمطافئ والمياه والكهرباء والصرف الصحي، على أن تحصل البعثات الدبلوماسية على تصريح المرور عبر وزارة الخارجية.
وكان والي الخرطوم الفريق الركن أحمد عابدون حماد قد قال إن الحظر سيشمل قفل الكباري وسيكون التحرك قاصراً داخل كل منطقة على حدة، ولفت إلى أنه اطمأن على توفر السلع الغذائية يومياً داخل الأحياء، حتى لا يحتاج المواطن إلى تخزينها، وأعلن الوالي عن صرف راتب شهر أبريل للعاملين بالولاية اعتباراً من الأربعاء الخامس عشر من أبريل الجاري لكل الموظفين والعاملين الحكوميين بالولاية.
ولنبدأ من حديث الوالي الأخير الذي لفت خلاله إلى توفر كل السلع الاستهلاكية يومياً للمواطن وصرف المرتبات، فهل يا تُرى هذه الخطوة كافية لحفظ ماء وجه مواطني الولاية كافة، وخاصة عمال اليومية منهم؟.، والذين بأي حال من الأحوال لا يقل عددهم داخل العصمة عن (10) ملايين عامل، بحسبان أن سكانها لا يقلون عن (15) مليون نسمة!!.
وبنظرة فاحصة للواقع السكاني المعاش في كل السودان، نجد أن غالب سكانه هم من الفئة العمالية الضعيفة والتي تكتسب رزق يومها باليوم، وبالتالي فاعتمادها الكلي على خروجها اليومي إلى مراكز عملها لجهة توفير لقمة العيش الحلال للأسرة، حيث نجد الكثير من المهن الهامشية وفي ذات الوقت المهمة، مثل الحدادين والسمكرجية والغسالين وبائعات الأطعمة والشاي، والغسالين والورنيش وسائقي الحافلات وبصات المواصلات العامة وغيرها الكثير من المهن التي لا شك أنها سيتضرر أصحابها أيما ضرر جراء هذا القرار الذي وصفه الكثير من المواطنين بأنه مجحف في حقهم وجانبه الصواب، لاسيّما وأن الحكومة لم تخط أي خطوة إيجابية نحوهم، والمتمثلة في مدهم بالمعينات التي توفر لهم سبل توفير المعينات المطلوبة بكل ما تعني هذه الكلمة، سواء من غذاء أو دواء أو غيره، أو على الأقل تقيهم سؤال الناس إلحافاً، أعطوهم أو منعوهم أو أحرجوهم.
ولعل بكل الطاقم الحكومي، وأنه لحظة اتخاذه هذا القرار الجائر لم يكونوا مقتنعين به كل الاقتناع، وإنما ظني أنه جاء بمثابة (حاكو حاكو)، أو تقليد للدول التي سبقتها في ذات الخطوة في بلدانها، والتي لا شك أن الوضع في السودان لم يبلغ مبلغ ما وصلته تلك الدول من اجتياح لفايروس كورونا وسط سكانها، وبما أن هذه الخطوة التي اتخذتها الحكومة وأجبرت بالتالي كل مواطني الخرطوم على تنفيذها دون توفير أدنى حد من المعينات لمقابلة احتياجاتها خلال مدة فرض الحظر، وبما أن الواقع المعيشي المزري لمعظم سكان ولاية الخرطوم بعواصمها الثلاث لا يحتمل ولا يقوى على تحمل مطلوبات واحتياجات فترة الحظر، والكامل كذلك، خاصة وأن آخر يوم في الحظر يصادف الخامس عشر من شهر رمضان المعظم، والذي بدوره يزيد من ثقل كاهل المواطن المسكين، والذي بالطبع ترتجيه كل واجباته نحو أسرته، وخاصة الأطفال، لتوفير ملابس العيد.
إذن وبما أن ذلك هو الواقع المعاش بخصوص مقابلة مواطني الخرطوم لمقابلة قرار حظر التجوال الشامل، فالواجب يُحتِّم على الحكومة بكافة مكوناتها المدنية والعسكرية، ضرورة مراجعة هذا القرار اليوم قبل الغد، وتعديله من حظر شامل إلى تقليص لساعات الحظر من الساعة السادسة مساءً إلى الساعة الثالثة مساء، وبهذا تكون قد جنبت المواطن المسكين المشقة والعنت في سبيل توفير لقمة العيش الكريم لأسرته، أو فعلى الحكومة تحمل تلك المسئولية كاملة وتوصيل كل المعينات لكل بيت في العاصمة، على أن يتم ذلك قبل يوم السبت المقبل.