انتشار كورونا.. إغلاق الخرطوم
مُعتمد الخرطوم: الخطأ الذي وقعت فيه أمريكا أنّها لم تغلق نيويورك
تحقيق- محيي الدين شجر
قال وزير الصحة الدكتور أكرم التوم، الخميس الماضي عقب الاجتماع المشترك بين مجلس الأمن والدفاع واللجنة العليا للطوارئ الصحية بحضور مُمثلين عن قِوى إعلان الحُرية والتّغيير، إن وزارته طرحت الإغلاق التام للبلاد، أو على الأقل ولاية الخرطوم، لمدة ثلاثة أسابيع، بعد اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة فيما يتعلّق بتوفير الطعام للأسر الفقيرة والآليات اللازمة لذلك، والاستثناءات للعمل فيما يخص بعض السلع الاستراتيجية، إلى جانب إعطاء فرصة ثلاثة أيام للمُواطنين للاستعداد لفترة الإغلاق.
فهل يُمكن الإغلاق التام للبلاد؟ وإذا تعذّر ذلك ماذا يعني إغلاق الخرطوم؟ وما هي الآثار التي ستترتّب عليه؟ خاصة وأن رئيسة الهيئة القومية للاستثمار هبة محمد علي، أشارت في تصريح لها إلى أن إغلاق البلاد مكلف للغاية، وأن إغلاق الخرطوم وحدها لأسبوع فقط يحتاج ما بين 2 – 4 مليارات جنيه على أقل تقدير.
قرارات سابقة
لمكافحة وباء كورونا، أغلقت السلطات الأمنية في 14 يناير، المجال الجوي لمطار الخرطوم ومنعت إقلاع أو هبوط أيِّ طائرة.
وفي 18 مارس، أعلن وزير الصحة الدكتور أكرم التوم، أنّ اللجنة العليا للطوارئ الصحية المَعنية بإدارة أزمة فيروس كورونا، قرّرت التّوسُّع في قرار منع التجمُّعات بمختلف أنواعها، وإغلاق المواقع كَافّة من مطاعم وصالات أفراح وغيرها، دُون التأثير على وسائل كسب معاش المُواطنين.
وفي يوم 23 مارس، تم فرض حظر التجوال، من الساعة الثامنة مساءً إلى السادسة صباحاً، في إجراء لمنع انتشار فيروس كورونا في البلاد وأعقبه قرارٌ آخر بزيادة ساعات حظر التجوال لتصبح من الساعة السادسة مساءً إلى السادسة صباحاً.
ثم صدر قرارٌ بوقف جميع سفريات نقل الركاب البرية بين المدن.
ومن القرارات الأخيرة، تم إغلاق أسواق في العاصمة الخرطوم كالسوق الأفرنجي وسوق ليبيا بمُبادرة من أصحاب المحال التجارية.
منع انتشار المرض
معتمد الخرطوم اللواء معاش الطاهر عبد الله محمد صالح قال لـ(الصيحة) إنّ الإغلاق التام للبلاد يمكن أن يتعذّر في الوقت الراهن، والأفضل صدور قرار بإغلاق الخرطوم لأنه يمنع انتقال وباء كورونا للولايات والتي لم تسجل أي حالات إصابة، وبالتالي تحصر المرض بالخرطوم فقط، مضيفاً: سمحوا بمرور العربات الملاكي ويفترض أن يتم إيقافها وعدم السماح لمواطني الخرطوم بالسفر، وقال إن الخطأ الذي وقعت فيه الولايات المتحدة الأمريكية أنها لم تغلق نيويورك ولهذا انتشر فيها المرض، والصينيون حينما أغلقوا “ووهان” لمدة ثلاثة أشهر نجحوا في الحد من انتشار المرض.
وحول تأثير حركة البضائع للخرطوم، قال معتمد الخرطوم إن البضائع لن تتأثر لأنها تتم وفق إجراءات صحية محددة.
منع “الفرِّيشة”
إبراهيم الكناني المختص في شؤون السكان والهجرة قال لـ(الصيحة)، إن إغلاق الخرطوم لا يمكن ان يتم دون تدابير محددة، لأن أكثر من حوالي 50% من العمالة تعتمد على رزق اليوم باليوم، ولأن الإغلاق يتطلب توفير احتياجات الناس، والحكومة للأسف الشديد لا تملك حتى قاعدة بيانات في حالة أرادت دعم الأسر الفقيرة مثلاً، والتي تعتمد في معيشتها على الأعمال اليومية.. بل نجدها لا تملك الإمكانات الكافية للدفع لهم، وأضاف أنه قبل إغلاق الخرطوم ينبغي على الحكومة إيقاف صفوف الوقود والرغيف والغاز..
ورأي الكناني بإغلاق الأسواق المخصصة لبيع الملابس والأواني مثل سوق ليبيا، وأن تترك الأسواق المتعلقة بالمباني لإمكانية السيطرة عليها، ولأن قطاع البناء يضم عاملين كثراً يتأثرون بالإغلاق، كما رأي ضرورة تنظيم الأسواق المركزية للفواكه والخضروات ومنع “الفرِّيشة” تماماً ومنع الباعة الجائلين لمدة أسبوع.
دراسة
وقال الكناني: قبل إغلاق الخرطوم على الحكومة أن تعد دراسة لمواقع التجمُّعات، عندها ستجد نفسها غير مُحتاجة للإغلاق، وإذا اضطرت يُمكن الإغلاق مع السماح لحركة البضائع والمرضى، وأضاف في رأيي الشخصي، يمكن إغلاق الخرطوم من المداخل والأطراف بوجود الجيش والدعم السريع حتى لا يصل وباء كورونا الولايات، فتصعب السيطرة عليه، لأن الخرطوم إمكاناتها أفضل في مكافحته عكس الولايات التي لا تملك أية وسائل فاعلة، وقال الدكتور إبراهيم كناني: لايوجد أي تأثير على الولايات من إغلاق الخرطوم إلا تأثير اجتماعي في الحد من حركة الأفراد، لأن حركة البضائع لن تتأثر من الإغلاق وتتم وفق إجراءات محددة كما هو معمول به في كل العالم، وأوضح الكناني ان التعامل مع كورونا يحتاج لنوع من الجدية ومنع “الفرِّيشة” لأنهم يمارسون حياتهم الآن طولاً وعرضاً دون أي اشترطات.
حصر
فيما قال وزير المالية الأسبق بولاية سنار بشير الصادق، إن إغلاق الخرطوم يحتاج قبل تنفيذه إلى حصر الأسر التي قد تتضرّر من الإغلاق، لأنه يؤثر على الشرائح التي تعمل برزق اليوم باليوم، ثم إيجاد مُعالجات لها، وأضاف: أيضاً من المُفترض إيجاد مُعالجات بتسمية مراكز خدمات للاحتياجات اليومية من خضروات وسلع بالأحياء، وأن تتم بإشراف لجان المقاومة، وأوضح أن صدور قرار بإغلاق الخرطوم يبقى قراراً منطقياً، وقد تكون له آثار سلبية فيما يتعلق بتدفق الخضروات والفواكه، لأنّ الخرطوم تعتمد عليها بنسبة 80% ولكن تلك أيضاً يمكن ترتيبها ومنحها استثناءً، مشيراً إلى أن الولايات يمكن أن تتأثر أيضاً لأن كل منتجات الألبان والمنتجات الطبية والبسكويت تُصنع بالخرطوم، ودعا بشير إلى ضرورة تأمين الموسم الزراعي وتوفير مُعينات نجاحه.
آثار سالبة
الوالي السابق عبد الحميد موسى كاشا، قال إن إغلاق الخرطوم له آثار اجتماعية سالبة، ولا يمكن حجز سكان الولايات بالخرطوم وعدم السماح لهم بالمغادرة، كما لا يمكن أن تمنع مواطني الخرطوم من العودة إليها، وقال إن القرار أيضاً قد يؤثر على حركة النقل والوقود في الولايات ويخلق أزمة طاحنة وارتفاعاً كبيراً في الأسعار، لأن هنالك ضعاف نفوس ينتظرون هذا القرار لاستغلاله بزيادة الأسعار مما يفاقم الأزمة الحالية!!
حجر الخرطوم
الخبير الاقتصادي الدكتور عمار سيد أحمد شليعة، قال: “المتابع للعالم من حولنا يرى أنّ كل الدول التي دخلت المراحل الحرجة قامت بالإغلاق وكل الدول العربية مثال البحرين أغلقت حدودها قبل 45 يوماً والإغلاق من شأنه أن يقلل من خطورة انتقال المرض للولايات”، وأضاف لا بد من حجر الخرطوم عن باقي الولايات، موضحاً إن كان هنالك من ضرر جراء إغلاقها، فإنه يؤثر في دورة رأس المال السوداني، ولكنه ضرر غير مؤثر لأن رأس المال السوداني جبان وفاشل ويستخدم في تدمير المواطن، وقال عدم إغلاق الخرطوم هو من أتى بتلك الحالات التي وصلت الى 17 حالة، كما أن أكبر أسواق العالم تم إغلاقها وأيضاً الحرمين المكي والمدني، وأضاف أن القرار إذا تمّ فإنه نتيجة لعدم التزام المواطنين بالإجراءات التي اتخذتها اللجنة العليا للطوارئ، وبالتالي فإن القرار ينبغي أن ينفذ فوراً على أن تتم معالجات للشرائح التي قد تتضرر منه، مشيراً إلى أن الإغلاق يقي العاصمة، ويقي الولايات من العاصمة، وحسناً فعلت الولاية الشمالية بإغلاق حدودها، لا يدخل عليها أحد ولا يخرج منها أحدٌ، مبيناً ان الفيروس لا يعرف حظر التجوال ولا تفتيش الشرطة، وعلى المواطن أن يلزم بيته.