حكومة معزولة وأداء مضطرب
تقرير: مريم أبشر
بعزل الرئيس المخلوع عمر البشير بثورة شعبية عارمة تخطت الحواجز وتجاسرت على بارود الدوشكات والمدافع، طوى السودان آخر صفحة في حكم الحركة الإسلامية وواجهتها السياسية المؤتمر الوطني الذي امتد ثلاثة عقود متوالية تقلبت فيها الأحوال في عموم البلاد ما بين حرب جهادية داخل أرض المليون ميل مربع سابقاً، كان ثمنها فقدان ثلث السودان بعد القرار التاريخي لأبناء جنوب السودان ترجيحهم كفة الانفصال، وبين عزلة دولية كاملة الدسم أطبقت على السودان بسبب شبهات إرهابية وارتكاب مجازر وإبادة وانتهاك لحقوق الإنسان وكانت خلاصتها انهيار كامل للاقتصاد بعد أن أغلق كل العالم منافذه مع السودان بموجب تصنيف وضع السودان على لائحة الدول الإرهابية المارقة، دفع المواطن السوداني جراء ذلك الثمن باهظاً وما يزال يدفع، حيث شكل وضع اسم السودان على قائمة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب العقبة الكؤود أمام حكومة حمدوك الانتقالية بسبب الكلفة المالية التي يتوجب عليها دفعها ثمناً لأخطاء حصد السودان جراءها الهشيم .
لحظات حاسمة
معروف مراسمياً وفق الترتيب المدرج للبرنامج الرئاسي وبرنامج الحكومة عموماً أن برنامج المخلوع ولقاءاته واجتماعاته بطاقمة الوزاري يتوزع على مكاتبه المنتشرة ما بين القصر الجمهوري المكتب الرئاسي الأول ومكاتبه الرئاسية الأخرى في القياده العامة باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة وقصر الضيافة مقر سكنه، فضلاً عن مكتبيه اللذين يستخدمهما في أوقات معينة ومناسبات عامة لكنها ذات صلة بمناشط معينة وهما مكتبه بالمؤتمر الوطني باعتباره رئيس الحزب الحاكم ومكتب آخر رئاسي بقاعة الصداقة ويدير عبره لقاءات ذات صلة بإقامة فعاليات ومؤتمرات.
مصدر مسئول وذو صلة بدولاب العمل الراتب للحكومة، أكد للصيحة أن اللحظات الأخيرة لحكومة البشير شابتها ربكة عامة وأصبحت السمة العامة لها عسكرية، وأن المعزول كان يدير مهامه في الأيام الأخيرة من مكتبه الملحق بالقيادة العامة أو بقصر الصيافة مقر سكنه الدائم، وأضافت ذات المصادر أن البشير لفترة ليست بالقصيرة في أعقاب تزايد الاضطراب والمظاهرات لم يدر أي عمل له من القصر الجمهوري، وكذلك نائبه الأول الفريق أول ركن عوض ابنعوف، أشارت المصادر أنه ظل هو الآخر يجري لقاءاته ومهامه كنائب أول من القيادة العامة، حيث يشغل إلى جانب منصبه نائباً أول وزيرًا للدفاع وأضافت المعلومات أن ابنعوف قلّما يأتي لمكتبه بالقصر الجمهوري، وأن مجيئه للقصر ارتبط فقط بتسلم أوراق اعتماد سفراء إو إجرائه لقاءات مماثلة.
قبيل السقوط
أما البشير حسب ما نقله مقربون من دولاب الحكومة المخلوعة, ظلت كل لقاءاته بطاقم حكومته بما فيها الأجهزة الأمنيه والعسكرية والشرطية تتم بصورة مستمرة بالقيادة العامة أو قصر الضيافة الملحق بها، حيث يقال إن المخلوع أدى صلاة الفجر كعادته في يوم السقوط الكبير بالمسجد الملحق بمقر إقامته، في تلك اللحظات أطبق الثوار وسط هتافات تشق عنان السماء على محيط القياده بالكامل من كل الاتجاهات، ووصلت حالة التوتر مداها وشلت المظاهرات الحكومة تماماً.
الاجتماع الأخير
وتفيد المعلومات أن اللجنة الأمنية العليا التي شكلها البشير لمعالجة الأزمة ظلت في حالة انعقاد دائم وأنه في لحظة الصفر وعندما تبدى للجنة أن أمد نظام الإنقاذ قد انتهى وأن السقوط بات وشيكاً، ابتعثت بعضاً من عضويتها ترأسهم الفريق عبد الفتاح البرهان المفتش العام للقوات المسلحة سابقاً، ورئيس المجلس العسكري، حالياً وبرفقته بعض الأعضاء للمخلوع للجلوس والتحدث إليه بعد الصلاة، وأبلغوه لحظتها بأن اللجنة تشعر بخطورة الأوضاع في البلاد وتخشى من خروجها عن نطاق السيطرة، وأن اللجنة قررت تولي السلطة لفترة محدودة، ووضعه قيد الإقامة الجبرية، وحسب المعلومات المتواترة فإن المخلوع قابل الأمر بهدوء، وقال لهم قبل أن ينصرفوا: “خير.. على بركة الله.. فقط أوصيكم على البلاد والشريعة”. وفي تلك اللحظة أعلنت اللجنة الأمنية سحب الحرس الرئاسي والقوة التي كانت ترافق المخلوع في مقرّ إقامته، واستبدلتها بأكثر من تسعين عسكرياً تولوا حراسته في مقر إقامته الجبرية قبل أن يتم ترحيله لسجن كوبر .
فات الأوان
اختيار محمد طاهر إيلا لرئاسة مجلس الوزراء، المكون الأساسى لإدارة الشأن التنفيذي لأي دولة رئاسية ، في آخر أيام العهد البائد اعتبره متابعون للشأن العام أنه أتى متأخراً جداً وبعد فوات الأوان، حيث وصلت الأمور لطريق مسدود، وبات عصياً التراجع عن الأهداف التى من أجلها سالت دماء الشباب. مصدر مطلع بمجلس الوزراء أشار للصيحة، أنه رغم أن كل النذر تشير إلى أن الإنقاذ في أيامها الأخيرة، إلا أن رئيس الوزراء ومن خلفه طاقمه الوزاري ظل يؤدي مهامه بشكل رسمي، بل إنه شكل لجنة إعلامية وزارية برئاسة وزير إعلام العهد البائد حسن إسماعيل، لمتابعة تطورات الأحداث في البلاد، ولجنة أخرى لمراجعة المؤسسات الحكومية وكانت تعمل بشكل سريع وتمكنت من حل عدد من المؤسسات من بينها حل صندوق الشرق، وغيرها من مؤسسات رأى رئيس الوزراء أن شبهات فساد تحوم حولها، وأكدت ذات المصادر أن إيلا كان لآخر لحظة يجري لقاءاته واجتماعاته بمجلس الوزراء رغم الانهيار الكامل الذي أطبق على البلاد من كل الاتجاهات.