الاعتداء على (الجيوش البيضاء)… جائحة المرحلة
الخرطوم: منال عبد الله
في الوقت الذي يكثف فيه الأطباء والكوادر الطبية كافة بالبلاد مجهوداتهم لمجابهة جائحة كورونا، والتنسيق مع الجهات المسؤولة لتوفير احتياجات الكوادر الطبية وأخذ الاحتياطات اللازمة حتى يتمكنوا من تأدية الدور المنوط بهم في المرحلة الراهنة وحال انتشار الوباء، وبينما تمثل الجيوش البيضاء (الأطباء) حالياً، خط الدفاع الأول في جميع دول العالم للحد من انتشار الجائحة وتوفير الخدمة الطبية التي من شأنها تقليل حصد مزيد من أرواح البشر، وفي ظل كل الظروف الشائكة التي تنتظم القطاع الصحي المتهالك بالسودان، يتعرض أطباء للاعتداء والتنكيل قولاً وفعلاً، الأمر الذي يجعل استنكار السلوك حاضراً لدى المواطن العادي قبل الطبيب، ويطرح سيلاً من الاستفهامات حول بروز الظاهرة على السطح في هذه المرحلة الحرجة التي تنتظم العالم وليس السودان.
أحداث متلاحقة
قبل أن تستجمع الكوادر الطبية أنفاسها من واقعة إيداع طبيب بمستشفى إبراهيم مالك بالحراسة بعدما تم توقيفه أثناء عودته من المستشفى بموجب قانون الطوارئ، ليتم خلال الأسبوع الجاري الاعتداء على طبيب (نائب اختصاصي) بولاية شرق دارفور بمستشفى الضعين من فرد يتبع لقوات نظامية ما دفع الأطباء للانسحاب نهائياً من المستشفى وإخلائه احتجاجاً على تكرار الاعتداءات على الأطباء من منسوبي الأجهزة النظامية، وقالت لجنة أطباء مستشفى الضعين إنّ الأطباء يعملون في ظل انعدام أبسط مُقوِّمات المُمارسة الطبية، وأضافت في بيان حصلت (الصيحة) على نسخة منه: “رغم هذه التحديات والصِّعاب، لم يبخل الطبيب عن تقديم الخدمة لإنسان الولاية”، لكنها نوّهت لتكرار ظاهرة الاعتداء على الأطباء من قبل الأجهزة الأمنية التي يُرجى منها تأمين الحياة وبسط الأمن وتطبيق القانون، وفي السادس والعشرين من مارس المنصرم إعتدت مجموعة مرافقين بالضرب والشتم بمستشفى نيالا التخصصي على نائب جراحة العظام واثنين من الممرضين وطبيبة بنك الدم مما نجم عنه جروح متفاوتة، كما تعرض أطباء حوادث مستشفى جبل أولياء للاعتداء من قبل نظاميين مسلحين مما أدى إلى إصابات بليغة إحداها في الرأس وفقدان للوعي لحظياً لأحد نواب الجراحة بعد فشل أفراد التأمين في السيطرة على الوضع، وقد حدث الاعتداء إثر اعتراض أحد المرافقين على الإجراءات الاحترازية لمجابهة فايروس كورونا، واعتدى مرافق على طبيبة بالضرب بميزان الضغط بمستشفى الخرطوم بعدما أسلم المريض الروح إلى بارئها.
مطالبات بالقانون
قطع معظم الذين استنطقتهم (الصيحة) من أطباء وحقوقيين بأن ظاهرة الاعتداء على الأطباء أخذت في الازدياد والتصاعد لسببين رئيسيين متمثلين في الواقع الصحي المتدهور وأن الاستثمار فى النظام ظل محدودًا لعقود طويلة ،كما أنه يعانى من ضعف البنيات التحتية ويفتقر إلى المعدات والإمدادات الدوائية، فضلاً عن عدم وجود قانون قوي يحمي الأطباء من الاعتداءات المتكررة، وناقش اجتماع مشترك انعقد خلال الأسبوع الحالي بمجلس الوزراء ما بين تنسيقية النواب التخصصية ووزير الصحة الاتحادي ووكيل الوزراة المذكرة المرفوعة من تنسيقية النواب التخصصية العديد من البنود المهمة والعاجلة المتعلقة بحماية الكادر الطبي والوسائل التي تحقق ذلك خاصة فيما يتعلق بقانون حماية الطبيب واستثناء الكوادر الصحية أثناء ساعات الحظر لتأدية أدوارها، وشددت لجنة الأطباء المركزية بعد أن دقت ناقوس الخطر على ضرورة تمرير قانون يحمي الأطباء والكوادر الطبية والمهنة ويضمن استمراريتها في ظل الظروف الذي يشهدها العالم بسبب كورونا.
وأكدت لجنة أطباء السودان المركزية على أنه بعد الاعتداءات المتكررة أصبح لا مجال للشجب والإدانة بعد اليوم، ودعمت اللجنة خطوة الأطباء العملية بمستشفى الضعين، وحمل مجلس السيادة وقيادة القوات النظامية ومجلس الوزراء ووزارة العدل والنائب العام والسلطة القضائية المسؤولية كاملة بسبب التلكؤ في تمرير قانون حماية الأطباء، وحمايتهم لمنسوبي القوات النظامية وإفلاتهم المستمر من العقاب
واقع حال
يؤكد مراقبون لظاهرة الاعتداءات المتكررة على الكوادرالطبية، أن الكوادر تتحمل مسؤولية التواصل المباشر مع المرضى ومرافقيهم، إذ أنها تصبح في (وجه المدفع) لتتحمل قلة الإمكانيات في معظم المشافي لتقديم الخدمة الطبية العاجلة والكاملة للمرضى وعدم التأمين الكافي بكوادر مدربة، الأمر الذي يثير حفيظة الكثير من المرافقين ليأخذوا حق مريضهم من الكوادر مباشرة بالاعتداء بالضرب وتسبيب الأذى الجسيم، ويوضح تتبع (الصيحة) للظاهرة أن غرف الحالات الحرجة والطوارئ في كثير من المستشفيات أصبحت ساحات للمعارك والاشتباكات والتراشق بالألفاظ والصفعات بالكف والعبارات النابية.
وبينما تقر الحكومة الحالية والبائدة بضعف الاستحقاقات المالية التي تتقاضاها الكوادر الطبية مقابل ما يقدمونه من خدمة لإنقاذ حياة الناس، في وقت تزخر فيه المضابط بأقسام الشرطة المختلفة بالعاصمة والولايات بالعديد من البلاغات التي تكشف عن هذه الأزمة المتفاقمة والقضية التي تقتضي ضرورات المرحلة التي تمر بها البلاد أن تسعى الدولة ووزارة الصحة خاصة باعتبار أنها الجهة الأساسية التي تعلم بكافة مسببات الأزمة لحلها والاستعانة بشركاء آخرين لكي يتمكن المواطن من تلقي الخدمات الطبية دونما إذلال، وكذلك الكوادر الطبية لكي تعمل في مأمن خاصة العنصرالنسائي.
إحساس موحد
أتت ذكرى اليوم العالمي للطبيب هذا العام والأطباء حول العالم يعيشون فترة حرجة جداً في تاريخ الإنسان والصحة، فترة يضحون فيها بأرواحهم ووقتهم وجهدهم، واحتسبت البلاد د. عادل الطيار ود. أمجد الحوراني اللذين توفيا في المملكة المتحدة بعد إصابتهما بفيروس كورونا أثناء تأدية واجبهما، وبينما يقف العالم أجمع لتحية جيشه الأبيض الباسل الذي يتصدى للجائحة، ووضعت صانعة عطور إيطالية شهيرة قميصاً باللون الأبيض مكتوباً عليه (شكراً لكم) في إشارة للأطباء في شرفات المنازل في جميع إيطاليا، كما يقوم الجيش الصيني بتقديم التحية العسكرية للأطباء والكوادر الطبية الأخرى، وأصبحت الآن مشاعر العالم تجاه الأطباء والكوادر الطبية على هذه الشاكلة، لأن العالم يعي حجم التضحيات التي يقدمونها في سبيل إنقاذ شعوبهم، الأمر الذي يستدعي أي مواطن وأي نظامي بالسودان أن يستدرك قبل أن يشرع في الاعتداء على طبيب ولو لفظياً.