رفع الدعم.. هل يُباعد المسافات بين البدوي والتغيير؟!
تقرير- عبد الله عبد الرحيم
تَفَاقمت الخلافات حول رفع الدعم عن البنزين والجازولين والكهرباء بين قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة، ووزير المالية إبراهيم البدوي. وتُشير الدوائر إلى أن البدوي أعلن خلال اجتماع عُقد مُؤخّراً بين رئيس الوزراء ولجنة الخُبراء بالتغيير، عن حاجة الوزراء لتوفير 200 بليون جنيه، وكشف عن طلب البدوي، رفع الدعم عن البنزين والجازولين والكهرباء فوراً بغية الصرف بشكلٍ أكبر على قطاع الصحة بمُعدّل 30 مليون جنيه، ونبه الى ضرورة وضع مبلغ 25 مليون جنيه كاحتياطي لمقابلة التّطوُّرات، إضافةً إلى توفير 80 مليون حَال تنفيذ الإغلاق الشامل وتأمين 45 مليون جنيه لمحدودي الدخل وبائعات الشاي، ولعل تلك القرارات هي التي اتّخذتها قِوى التّغيير لفحص خُطة البدوي التي تقوم عليها المُوازنة، بينما يصر البدوي على دراسات ومبادئ اقتصادية قد تجد تأييداً واسعاً من قبل صناديق الأمم المتحدة والبنك الدولي والجهات ذات الصلة بالطريقة التي تجعل من الدعم للسودان مُمكناً، وما بين هذين المَوقفين تتصاعد بسرعة بوادر الخلاف بينهما.. فمن سيقنع الآخر في هذه الفترة المفصلية؟!
اهتمامات الوزير
وقال عضو لجنة الخبراء الاقتصاديين بالحرية والتغيير عادل خلف الله، إن وزير المالية تمسك في الاجتماع بأطروحاته المقدمة في 28 ديسمبر الماضي، وأكد أن قوى التغيير لم توافق على أطروحات البدوي، وزاد: بناءً على ذلك تمّ تشكيل لجنة ثلاثية من قوى التغيير ومؤسسات الحكومة ومُمثلين لوزارة المالية لمراجعة بنود الموازنة، على أن ترفع توصياتها خلال 72 ساعة.
ويرى الخبير والاستراتيجي السر محمد حسن لـ(الصيحة) أنّ وزير المالية ظل يدفع بهذا الطلب “رفع الدعم عن الوقود والكهرباء”، حسب قوله من أجل قطاع الصحة والشرائح الضعيفة التي يرى بأنها ما زالت تقتصر الخدمات دونها، وأشار إلى أن السيد الوزير وضع 25 مليون جنيه كاحتياطي لمواجهة الطوارئ والمستجدات خارج الميزانية المرفوعة، وأضاف حسن أن وزير المالية اهتم بالشرائح الضعيفة وأفرد لها مبالغ كبيرة قرابة الـ80 مليون جنيه عند تنفيذ الإغلاق الشامل. بينما لم تغفل خُطة الوزير حتى محدودي الدخل وبائعات الشاي.
رؤية التغيير
فيما رفضت قوات التغيير أن توافق على الطلبات التي رفعها وزير المالية بشأن ميزانيته المنظورة، وقال حسن إنّ اللجنة الثلاثية التي تم تشكيلها من قبل قوى التغيير، الغرض منها هو محاولة الوقوف أكثر أمام رغبة السيد الوزير التي تقف دونها آمال أخرى لقوى الحرية والتغيير، خَاصّةً فيما يتعلق برفع الدعم عن الوقود والخبز والكهرباء والغاز لتأثر شريحة كبيرة من المواطنين بهذا القرار، الذي يُمكن أن يكون كارثياً بمعنى الكلمة. لكن بروف السر يرى بأنه لا مناص إطلاقاً من اتباع سياسة البدوي في ظل هذه الظروف المُعقّدة، وقال إنّ الوضع الداخلي لا يختلف كثيراً عن أوضاع الكثير من البلدان في دول العالم الخارجي والدول ذات الجوار، لكنه أكد إن كانت هناك طرق وسياسات أخرى غير التي ترتبط برفع الدعم، فعلى الوزير أن يتنازل عن تلك الخُطة الجهنمية، ولكنه إذا لم تمد قوى التغيير بخطة أكثر نجاعةً فلا مناص من اتباع خطة السيد الوزير، لأنه يمثل روح دولة وقيادتها في هذه البحار المتلاطمة الأمواج، السياسية والاقتصادية.
اختلافات جوهرية
ويرى الأكاديمي والمحلل السياسي د. أبوبكر آدم موقف قوى التغيير والسيد وزير المالية بأنه ناتج عن الحرص الكبير لكليهما، حفاظاً على مكتسبات الثورة وآمال إنسانها وشبابها الذين قدموا أرواحهم لأجل التغيير، بينما تظل سياسة رفع الدعم عن الوقود والمحروقات والخبز وغيرها، واحدة من الأشياء والسياسات التي دفعت هؤلاء الشباب للخروج بقوة ضد حكومة النظام البائد. وقال أبوبكر لـ(الصيحة) إنه وإن كان حرص السيد الوزير أكبر من القوى السياسية التي تمثل الحاضنة السِّياسيّة لحكومة السيد الوزير، لكنه يبقى من الضروري التفاهُم بين المكونين لعبور مطبات المرحلة بطريقة سلسة ودون مصاعب، وقال إن واحدة من مطبات هذه المرحلة هو الخلافات الجوهرية التي واجهت موازنة العام 2020 التي بُنيت على موقف ومؤتمر دول أصدقاء السودان بالخرطوم، بيد أن ظهور وباء كورونا، دفع تلك الدول إلى التأجيل القسري، الشيء الذي ألقى بظلاله السالبة على الأوضاع داخل السودان. وقال أبو بكر إنّ نتيجة ذلك لا بُدّ للسيد الوزير من التحرك بفاعلية لتجاوز هذه الأزمة والتي تواجه الحكومة بصورة قاسية في ظل إحجام دول المجتمع الدولي الذي انشغل بنفسه أكثر من تقديم المساعدة والعون للخرطوم، وهي تعاني أزمات مختلفة اقتصادية وسياسية ووبائية كبقية دول العالم. وطالب أبوبكر، البدوي وقوى التغيير بضرورة الحرص على اتباع النهج الاقتصادي الذي يُعبِّر عن طموحات الشعب السوداني، وقال: لا بُدّ من الاتفاق على طريقة ونموذج يُعالج أمر الاختلافات الجوهرية بين الحاضنة السياسية للحكومة والسيد وزير المالية إبراهيم البدوي الذي يصر على تمرير أطروحته الاقتصادية شاءت الحاضنة السياسية أم رفضت وهو ما يمثل عملية “صب الزيت على النار”!
تصفية التمكين
يأتي هذا، بينما طالب آخرون بضرورة تعديل وتغيير سياسة الحكومة فيما يختص بإجراءات تصفية مرتكزات التمكين والنهب الذي ما زالت تمارسه بعض أذيال النظام السابق. ويرى متابعون أنه لا بُدّ من عودة الدولة لممارسة وظيفتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية بصورة سليمة بعيدا عن هوى السياسيات الحزبية التناحرية، وأن يكون السودان فقط هو المناص لكل هذه السياسات والبرامج الاقتصادية، فيما يرى البعض الآخر بأنّه لا مخرج من الأزمة الناشبة بين الطرفين إلا بالتواضُع نحو خُطة ورؤية واحدة يجمع عليها كل الأطراف وتكون ذات ردود إيجابية على الدولة في هذا المنعطف التاريخي.