لم تكن لي قبل عامين علاقة بالواتساب. كنت أحمل هاتفاً من ماركة نوكيا طيب الله ثراها فلم يعد يحملها الناس بعد أن تحولوا بكل عقولهم وأفئدتهم للأجهزة الذكية الجديدة التي تختصر العالم في دفقة والمسافات البعيدة في غمضة وتدخل في كل الثنايا.
وبخني ابني حين كنت قبل عامين في كندا وعتب متسائلاً لماذا استخدم هاتفاً عادياً أصبح في عداد ذكريات الاتصال .
صحبني لمول (يورك ديل) وهو من أكبر المراكز التجارية في كل الشمال الأمريكي فالعربات التي تصطف حوله يقارب راكبوها سكان مدن عربية كبيرة وله في تورنتو برق وسؤدد لأن أسعاره تبلغ ضعف أسعار المتاجر الأخرى وتتهم الصحافة إدارته بأنها تسهل البيع لتجار المخدرات لأنها تتعامل بالنقد في مبالغ تتجاوز الألفي دولار بما يتعارض مع السياسات التي يحاول فرضها النظام المصرفي الكندي.
اشتري لي ابني هاتفاً من ماركة جلاكسي ظللت لأسبوعين كاملين أتعلم طريقة استخدامه وكم من محادثات مهمة ضاعت علي وأنا في مدرسة تعليم استخدام الهاتف ولا أجزم بأنني تخرجت في هذه المدرسة التي ربما أمكث طويلاً فيها.
انتقلت مباشرة لعالم الواتساب وعرفت فقه القروبات وكلما سمعت بقروب تقدمت بطلب لعضويته حتى تحولت من كاتب لـ (قروباوي) وبلغ عدد القروبات التي أشارك فيها أكثر من عشرين مجموعة وهكذا أصبحت مهمتي الأساسية هي متابعة هذا السيل النابع من كل أركان الدنيا المتدفق نحوي وأنا لهذا السيل إناء.
مهمة أخرى كنت أنجزها بهمة وتوثب هي متابعة بطارية الهاتف كي لا تفوتني رحمات السيل فكلما بلغت النصف مددت ثدي الكهرباء لفم الجهاز كي يرضع وتلك رضاعة بلا فطام إذ إنها تتكرر في اليوم عشرات المرات .
كنت عضواً في الخليج ومصر وهولندا وامريكا وكندا وفي معظم بوادي السودان ولأن فروق الوقت تتفاوت بين قارة وأخرى أصبحت أعيش توقيتاً مجازياً.
حين عدت للسودان تبين لي أن هذه العادة التي في طريقي لإدمانها تتطلب شروطاً قاسية لتلبية متطلباتها أهمها أن تكون غير مرتبط بعمل معلوم حتى تتابع وتتخير وتنتخب وتشارك وأن تكون أيضاً قد بدأت خطوات الانفصال عن عوالمك الاجتماعية الأخرى كالأنس المباشر وبيوت الأفراح والعزاء ورياضة المشي ومتابعة مباريات برشلونه والتفرس الحميد في الوجوه الجميلة.
إزاء هذه المهمات انسحبت من عدد من تلك القروبات وأبقيت على أربع مجموعات فقط وتلك هي التي لا يمكنني الاستغناء عنها منها قروب (الجمل الما شايف عوجة رقبتو) وهو قروب يجمع كتاب وصحفيين وساسة وسفراء ومسؤولين وفيه حوارات رفيعة وتثاقف عالٍ ومكايدات مستحبة . وأبقيت أيضاً علي قروب الممر الذي يديره الأستاذ مامون التلب لأنه يمثل الحداثة السودانية في الكتابة والإبداع وأجمل ما فيه أنك تحس بأنك على سجية الطفولة وتتابع منتوج الأدب المعاصر والنظريات النقدية الجديدة وأبقيت علي قروب الدوريات الأوروبية فمثلما أنا أحد مرضى السياسة فأنا أعاني من سرطان الكرة المعافي. يدير هذه المجموعة الرياضية الأستاذ محمد حامد تبيدي الذي اكتشفت أنه يصلح لتدريب فريق الهلال لأنه يراكم تجارب مشاهدة نقدية وأبقيت أيضاً علي قروب المعتمد الأستاذ مجدي الذي ينقل الأخبار الرسمية دون زيادة ودون نقيصه .
هكذا تحررت من حالة الرضاعة المستمرة لهاتفي الذي أصبح فطامه الآن ساعتين.
من ارشيف الكاتب علاقة بالواتساب. كنت أحمل هاتفاً من ماركة نوكيا طيب الله ثراها فلم يعد يحملها الناس بعد أن تحولوا بكل عقولهم وأفئدتهم للأجهزة الذكية الجديدة التي تختصر العالم في دفقة والمسافات البعيدة في غمضة وتدخل في كل الثنايا.
وبخني ابني حين كنت قبل عامين في كندا وعتب متسائلاً لماذا استخدم هاتفاً عادياً أصبح في عداد ذكريات الاتصال .
صحبني لمول (يورك ديل) وهو من أكبر المراكز التجارية في كل الشمال الأمريكي فالعربات التي تصطف حوله يقارب راكبوها سكان مدن عربية كبيرة وله في تورنتو برق وسؤدد لأن أسعاره تبلغ ضعف أسعار المتاجر الأخرى وتتهم الصحافة إدارته بأنها تسهل البيع لتجار المخدرات لأنها تتعامل بالنقد في مبالغ تتجاوز الألفي دولار بما يتعارض مع السياسات التي يحاول فرضها النظام المصرفي الكندي.
اشتري لي ابني هاتفاً من ماركة جلاكسي ظللت لأسبوعين كاملين أتعلم طريقة استخدامه وكم من محادثات مهمة ضاعت علي وأنا في مدرسة تعليم استخدام الهاتف ولا أجزم بأنني تخرجت في هذه المدرسة التي ربما أمكث طويلاً فيها.
انتقلت مباشرة لعالم الواتساب وعرفت فقه القروبات وكلما سمعت بقروب تقدمت بطلب لعضويته حتى تحولت من كاتب لـ (قروباوي) وبلغ عدد القروبات التي أشارك فيها أكثر من عشرين مجموعة وهكذا أصبحت مهمتي الأساسية هي متابعة هذا السيل النابع من كل أركان الدنيا المتدفق نحوي وأنا لهذا السيل إناء.
مهمة أخرى كنت أنجزها بهمة وتوثب هي متابعة بطارية الهاتف كي لا تفوتني رحمات السيل فكلما بلغت النصف مددت ثدي الكهرباء لفم الجهاز كي يرضع وتلك رضاعة بلا فطام إذ إنها تتكرر في اليوم عشرات المرات .
كنت عضواً في الخليج ومصر وهولندا وامريكا وكندا وفي معظم بوادي السودان ولأن فروق الوقت تتفاوت بين قارة وأخرى أصبحت أعيش توقيتاً مجازياً.
حين عدت للسودان تبين لي أن هذه العادة التي في طريقي لإدمانها تتطلب شروطاً قاسية لتلبية متطلباتها أهمها أن تكون غير مرتبط بعمل معلوم حتى تتابع وتتخير وتنتخب وتشارك وأن تكون أيضاً قد بدأت خطوات الانفصال عن عوالمك الاجتماعية الأخرى كالأنس المباشر وبيوت الأفراح والعزاء ورياضة المشي ومتابعة مباريات برشلونه والتفرس الحميد في الوجوه الجميلة.
إزاء هذه المهمات انسحبت من عدد من تلك القروبات وأبقيت على أربع مجموعات فقط وتلك هي التي لا يمكنني الاستغناء عنها منها قروب (الجمل الما شايف عوجة رقبتو) وهو قروب يجمع كتاب وصحفيين وساسة وسفراء ومسؤولين وفيه حوارات رفيعة وتثاقف عالٍ ومكايدات مستحبة . وأبقيت أيضاً علي قروب الممر الذي يديره الأستاذ مامون التلب لأنه يمثل الحداثة السودانية في الكتابة والإبداع وأجمل ما فيه أنك تحس بأنك على سجية الطفولة وتتابع منتوج الأدب المعاصر والنظريات النقدية الجديدة وأبقيت علي قروب الدوريات الأوروبية فمثلما أنا أحد مرضى السياسة فأنا أعاني من سرطان الكرة المعافي. يدير هذه المجموعة الرياضية الأستاذ محمد حامد تبيدي الذي اكتشفت أنه يصلح لتدريب فريق الهلال لأنه يراكم تجارب مشاهدة نقدية وأبقيت أيضاً علي قروب المعتمد الأستاذ مجدي الذي ينقل الأخبار الرسمية دون زيادة ودون نقيصه .
هكذا تحررت من حالة الرضاعة المستمرة لهاتفي الذي أصبح فطامه الآن ساعتين.