مشاعر من حالة حزن خاص ذرفتها من داخلي وأنا أقرأ نبأ رحيل ثور من فصيلة “الهولستاين”؛ لبى نداء الله بعد أن ملأ الدنيا بقراً ولبناً وضروعاً وفحولاً مثله؛ وأثداء و(سناكيت وعكو).
كان الثور الراحل المولود في العام 1994م يسمى جوكو، واسم والده الذي سبقه لدار الخلود بيسن، رحمهما الله معا بقدر ما أحسنا للبشرية.
لجوكو عليه الشآبيب الندية ذرية يفوق عددها أقاصي الأخيلة فمن الأبناء الذكور- ولله الحمد والمنة- له ما يقارب الـــ200 ألف ثور حر ذكر بالغ، وله من الإناث الثاديات أكثر من 400 ألف بقرة حلوبة.
قد يتماثل للقارئ أنه ثور مزواجٌ أو زانٍ؛ لكن معاذ الله؛ فالراحل جوكو كان من أكثر الثيران أدباً واحتشاماً وعفّةً؛ ولم يواطئ بقرة إلا بما يُرضي الله؛ وبما يخدم الأهداف الإنسانية ويرفدها باللحم واللبن.
تنتشر ذرية جوكو في 60 دولة من أنحاء العالم، وهنا قد يتبدّى أنه سافر لكل هذه البلاد متسلحاً بفحولته في رحلاته (القاصدة)، لكن المدهش أنه لم يغادر موطنه فرسخاً، فقد قام البياطرة الذين يشرفون على خيره العميم بتصدير مليوني جرعة من حيواناته المنوية لكل تلك البلاد؛ فتلقحت أبقارها وحملن عجولهن وهناً على وهن؛ دون أن يرين جوكو مفجر أخصابهن وملقّحهن من بعيد بتصويبه الفحل ونطفته النابتة.
حين توسد جوكو (الباردة) وفاضت روحه المفعمة بحفظ النوع والشعوب والقبائل، قدَّر الاقتصاديون أن ملاك جوكو جنوا من ورائه عائدات مالية تقدر بــــ16 مليون يورو!!
ألا يستحق هذا الثور الرثاء، فمن من بني البشر كان في همته؟ ثور ملأ الدنيا عجولاً دون أن ترتبط حياته بزوجة واحدة، وكان رغم ذلك عفيفاً في مسلكه وغاضاً طرفه وحافظاً لفرجه.
ربما لا تصدقون أنني ذرفت دمعتين وأنا أسترجع اللحن الحزين الذي غاب عن مسامعنا (من أمس الضحى توري أب زنود ساقو)؛ كان اللحن يأتيني من غور سحيق من أرشيف التاريخ حاملاً نبرة الحزن من هزيم صوت امرأة فاستثار شجاي.