الأزمات الاقتصادية..شح الوقود والدقيق والنقود
زيادة رصيد المعاناة
الخرطوم: رشا التوم
إصلاح الوضع الاقتصادي مرهون بالاستقرار السياسي بالبلاد، فمنذ انطلاق الثورة التي أطاحت النظام السابق، حيث كان تدهور الوضع الاقتصادي الشرارة والدافع الرئيس لانطلاق تلك الثورة، بعد أن شهد الوضع في البلاد تدهوراً مريعاً أوصل الاقتصاد السوداني إلى طريق وعر، وكانت أبرز ملامحه الأزمات المعيشية وإهمال كامل للقطاعات الإنتاجية، إذ لم تستطع الحكومة السابقة تسخير الموارد الطبيعية الهائلة في البلاد ما نتج عنه بروز عدد من المعوقات لعبت دوراً في انفجار الشارع السوداني، وبالتالي حلم الناس بآمال عراض عاشوها على أمل أن تفلح الحكومة الجديدة في معالجة الاختلالات بتوفير سبل العيش الكريم للمواطن البسيط والتي مضى عليها عام كامل منذ توليها أمور البلاد، إلا أن الناظر للوضع يرى ـن الاقتصاد السوداني ما زال يقف في ذات النقطة السابقة، فمشهد اصطفاف المواطنين أمام الصرافات وطلمبات الوقود والمخابز ومحلات الغاز مازالت تراوح مكانها، أضف لذلك ارتفاع سعر النقد الأجنبي حيث تجاوز الدولار الـ140 جنيهاً.
ويرى عدد من الخبراء أن مرحلة ما بعد الثورة وبعد مضي عام كامل على فترة توليها مقاليد الأمور كان لها أن تشرع في إيجاد الحلول المناسبة للمعضلات الاقتصادية وإحداث التغيير المنشود في الأوضاع السياسية والاقتصادية.
بالخبز وحده يحيا الإنسان
ورغم تزايد الدعم الحكومي للدقيق ما تزال مشكلة الخبز قائمة دون حل، ويرجح مختصون أن الأزمة إدارية في كثير من جوانبها، وقصور في الدور المرسوم للجهات ذات الصلة خاصة انعدام الرقابة، وترجع أسباب الأزمة بحسب الجهات الرسمية لضعف الرقابة على الدقيق وعدم فعالية الآليات الرقابية السابقة، وهو ما تسبب في تسرب أكثر من 25% يومياً من حصص الدقيق، تباع في السوق السوداء بالسعر التجاري أو تهرب لخارج البلاد.
وفي اتجاه موازٍ، طالب اتحاد المخابز بتعديل تعرفة الخبز لمواكبة الزيادات الهائلة في مدخلات الإنتاج بواقع 2 جنيه للقطعة الواحدة، ويبرر اتحاد المخابز هذه المطالبة بأن تكلفة إنتاج الخبز الحالية “غير مجزية” ويقول إنها أدخلت عدداً من المخابز في خسائر وأدت لتوقف بعضها عن العمل مع توقع خروج مخابز أخرى قريباً حال استمرار العمل بالتكلفة الحالية وعدم حل مشكلات التشغيل التي تواجهها المخابز في الغاز وأجور العمالة ونقص حصص الدقيق والإنقطاع المتكرر للكهرباء.
وحسب سياسة الترشيد والتقشف التي اتبعتها الدولة بغرض توفير الأساسيات من السلع ألا يجد المواطن معاناة في شتى المجالات للحصول على السلع، حيث أثرت سياسة التقشف عليه سلباً بصورة كبيرة، خاصة وأن المواطن واجه معاناة كبيرة بسبب السياسة الانكماشية وأثرها السالب في توفير السلع والخدمات الخاصة حتى الأدوية في ظل غياب الإنتاج والإنتاجية، فضلا عن الأثر البالغ جدًا لأزمة الجازولين والوقود امتداد لآثار نفسية على حياة الناس، وعبر عدد من المواطنين عن سخطهم من الوضع الذي يزداد كل يوم سوءاً.
ندرة المشتقات البترولية
أزمة البنزين أطلت من جديد، أُرجِعت إلى انعدام الرقابة على الوقود بما أن كميات الوقود التي تستهلكها العاصمة ما بين 4 آلاف إلى 4.200 لتر يومياً من الجازولين وبين2500 إلى 3000 يومياً للبنزين ونفس حصة العاصمة للولايات.
ومنذ بداية الازمات التي شارفت على عامها الثاني حتى يومنا هذا كان كل شخص يحصل على حصته من السلع والخدمات، ولكن في الأشهر الأخيرة صعب الحصول على السلعة والتي قد يمتد أوان الحصول عليها إلى أيام وأسابيع دون جدوى.
وأضحت هناك حالة من عدم اليقين والطمأنينة لدى المواطنين،
وفي تصريحات سابقة أكد مدير الإدارة العامة للإمدادات بوزارة الطاقة والتعدين جمال حسن حدوث عطل في خط الأنابيب الناقلة من بورتسودان تسبب في ازمة البنزين معلناً عودة الخط واستقرار الأوضاع بصورة طبيعية، مؤكداً انتهاء الأزمة التي شهدتها العاصمة، وعزا الأسباب إلى حدوث هلع وتكالب على المحطات العاملة وتخزين الوقود بكميات كبيرة، نافياً أي أزمة في الجازولين واستمرار تدفق الكميات المحددة لمحطات الخدمة، وأرجع الأزمة إلى تفاوت الأسعار واختلافها في الطلمبات للوقود التجاري والتعدين وسعر اللتر بالدولار.
المواصلات.. محلك سر
ويكتمل مشهد الأزمات بالتطرق إلى أزمة المواصلات، حيث شهدت المواقف العامة انعداماً تاماً لوسائل النقل والمواصلات بالمدن الثلاث جراء شح وندرة الوقود في الطلمبات، وتضاعفت على إثر ذلك تعرفة المواصلات ثلاثة أضعاف التعرفة المقررة في كافة الخطوط العاملة، دون وجود لأي جهة مسؤولة.
وشكا مواطنون من تأزم أوضاع قطاع النقل والمواصلات، وخلو المواقف نتيجة الأزمة الخانقة في الوقود.
توفر الكاش
وفي الفترة الماضية استحكمت الدائرة وضاقت حلقاتها على من يبحثون عن الكاش في المصارف والصرافات دون جدوى لفترة شهور عدة مضت، وأصبح من المستحيل الظفر ولو بمبلغ زهيد من المال لقضاء الحوائج اليومية والمتطلبات الأسرية وتنامى معدل الاستياء والمعاناة لدى المواطنين وانهارت التعاملات المالية في المصارف بمزيد من انعدام الثقة بين الطرفين، بيد أن الأحوال تحسنت في المصارف وشهدت السيولة انفراجاً كبيراً لاحقاً، وبالتالي تراجعت صفوف المواطنين أمام الصرافات والبنوك، وحدث تحسن كبير في موقف الكاش بالبنوك وضخ بنك السودان المركزي مبالغ مقدرة للبنوك لتسهيل إجراءات العملاء بجانب توفير السيولة الكافية للصرافات العاملة عقب حدوث أزمة مفتعلة بسبب المضاربات وتخزين العملة.
ارتفاع مخيف للدولار
تباينت أسعار الدولار بالسوق الموازي خلال 2019 بين الارتفاع والثبات، وتراوحت ما بين “55- 85” جنيهاً، وطوال العام المنصرم هيمن السوق الموازي على سوق العملات الأجنبية بسبب الفراغ الحكومي واستمرار أزمات القطاع المصرفي، ما جعل سعر الصرف يتحرك وفقال لأمزجة التجار.
وفي مطلع العام المنصرم في يناير 2019 كان سعر الدولار بالسوق الموازي 54 جنيهاً، ثم قفز في فبراير إلى 71 جنيهاً، وواصل الصعود في مارس إلى 73 جنيهاً، وفي أبريل كان 72 جنيهاً، ثم هبط في مايو عقب إسقاط الحكومة السابقة إلى 64 جنيهاً، وعاود الارتفاع في يونيو إلى 71 جنيهاً، وفي يوليو عقب تشكيل الحكومة الانتقالية هبط السعر إلى 68 جنيهاً، واستقر في ذات السعر في أغسطس وسبتمبر، قبل أن يزيد قليلًا في أكتوبر إلى 70 جنيهاً، وشهد شهر نوفمبر زيادة حادة في سعر الدولار فوصل إلى 81 جنيهاً، ولم ينخفض مجدداً في ديسمبر حيث تراوح بين 83 إلى 86 جنيهاً. واليوم وصل حدود 140 جنيهاً، وهناك توقعات بالارتفاع إلى مستوى أعلى.
فيما يرجع البعض السبب إلى المضاربات بين التجار، حيث لا توجد أسباب حقيقية للارتفاع.
وطوال العام المنقضي كانت أسعار الدولار مرتفعة باستثناء الفترة التي أعقبت سقوط النظام السابق، حيث هبطت الأسعار في شهر مايو، أما الانخفاض فحدث عقب تكوين الحكومة في يوليو فانخفض السعر بنسبة 15%.
ولا تعد أسعار الصرف في السودان “واقعية” حتى في الظروف العادية، لكونها تعتمد على عدة مؤشرات لا علاقة لها بالاقتصاد، وهو ما يجعلها ترتفع وتنخفض ثم تعاود الارتفاع مجدداً، كما تعتبر المضاربات ونشاطات الوسطاء أحد أسباب ارتفاع أسعار الصرف، وفي المقابل تُشكل التدابير الحكومية ولو كانت صورية من دون تنفيذ، سبباً لانخفاضها، كما تتسع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي لما يقارب 50% من قيمة العملة الحقيقية، وهو ما يجعل تحديد سعر واقعي أمراً بعيداً من المعطيات.
الغاز.. الاختفاء الغامض
أزمة جديدة تضاف إلى رصيد المواطن من الأزمات التي تجابهه يومياً حدوث ندرة في غاز الطهو والتي استفحلت الأيام الماضية دون مبررات واضحة، وقد تشهد البلاد أوقاتاً حرجة في توفير السلعة مع اقتراب شهر رمضان بحيث تزداد معدلات الاستهلاك، ووصل سعر الأسطوانه 12.5 ما بين 250 إلى 400 جنيه في العاصمة.