الشاعر السوداني الشاب “خالد التني”.. الثورة حاضرة في كتاباتي
حوار: محمد جادين
ضيف مختلف الشاعر السوداني الشاب “خالد التني”.. الثورة حاضرة في كتاباتي المره يُطل على ملف “جيلي أنا” نُحلق معه إلى عوالم الأدب والشعر، نتخطى معه حدود الزمان والمكان نسافر إليه بلا “تذاكر” وتأشيرة دخول نجتاز “المطارات” المغلقة حالياً، تحملنا الوسائط الحديثة ونحط رحالنا بـ (الأندلس) الفردوس المفقود، وبين رمزية المكان وعراقة الماضي الضارب في تاريخ الأدب نقلب معه صفحات الحاضر والمُستقبل، ونغوص في كتاباته المختلفة، اليوم في ضيافة الشاعر السوداني الشاب مُتعدد المواهب “خالد عمر مصطفي التني” الفائز بجائزة “بيفرلي” الدولية للآداب لعام 2019م، يكتب بـ “اللغة الإنجليزية” ويتحدث ست لغات، ظهرت قصائده في مجلات شعرية عالمية عديدة، تُرجمت أشعاره إلى العربية واليونانية والفارسية والإسبانية، يُقيم حالياً في إسبانيا، أصدر وحرّر في غرناطة مجلة “21 الشعرية” التي كانت تصدر باللغتين الإنكليزية والإسبانية.
تخرج “خالد التني” في كلية الآداب جامعة الخرطوم، تخصص في الأدب الإنجليزي، قبل أن ينتقل لمتابعة دراسته العليا في فرنسا واليونان وإيطاليا، وحصل على درجة الماجستير في الثقافة الأدبية الأوروبية، عمل مخرجاً في فرنسا، ومذيعاً تلفزيونياً ومراسلاً صحافياً في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وراوياً للعديد من الأفلام الوثائقية بعضها حول الصراع في دارفور، عمل أيضاً مدير مسرح ومدير إنتاج أفلام، وعُـرضت بعض أعماله السابقة في مقابلة مع “BBC” أفريقيا في عام 2008م.
متى بدأ خالد الكتابة
حكاياتي مع الكتابة بدأت بصورة غريبة جداً منذ الصغر، لم أكتب على الورق مثلما هو معتاد، كنت أستخدم أصبعى وأكتب في الهواء فيأتي التداعي وتُطل خواطر الكتابة، لكن كانت هذه الكتابات معرضة لآفة النسيان ووقتها لم أفكر في تدوين ما أكتب، ومن طرافة وغرابة الكتابة في الهواء كانت تحاصرني بالنقد من المحيط الذي حولي وببساطة هنالك من يفكر بأني مجنون أو “غريب الأطوار”، وكانت هذه بداية تحول في حياتي ليس من باب كيف يفكر الناس فيما أفعل بل لفتت انتباهي فيما يُفكر الناس بصورة عامة ما منحني موضوعات للكتابة لأن الشعر أصلاً هو انعكاس لحياة الناس.
عن أي موضوعات تُزهر كتاباتك
أشعاري هي مزيج من انفعالات وأحاسيس بالطبع “الغربة” حاضرة فيها بقوة، “غربة” تختارها بحكم السفر والبعد عن الوطن والأسرة والأصحاب، وغربة تختارك هي من تُشكل حياتك بصورة مختلفة منذ نشأتك خاصة إذا وجدت نفسك مختلفاً عن المحيط الذي تعيش فيه، فأنا من أسرة اهتمامها بالجانب العلمي أكثر من الأدبي وكونك الوحيد الذي اختار أو اختاره عالم الأدب والشعر والفنون تجد نفسك في عالم مختلف واهتمامات مغايرة عن البيئة التي نشأت فيها ما يمنحك أحساساً غامراً بالسعادة.
إذن الكتابة تأخذك إلى عوالم سعيدة
نعم، الكتابة تأخذني إلى عوالم ومعالم تفتح عندي أبواباً جميلة وتقودني إلى سرداب يتسلل إلى فضاءات سعيدة، وبالنسبة لي السعادة هي أن أتعرف على ناس مختلفة عني وآراء مغايرة وأن تُجرب كيف تضع نفسك في مكان إنسان لا يشبهك وأن أعكس كل ذلك في كتاباتي.
من أين تأتي القصائد
قصائدي تأتي من الناس والحياة بجانب تجربتي وطريقي الذي شققته وحدي ومازلت أواصل حلمي فيه، الكتابة ليست بالضرورة أن تكون ذاتية أحب أن أناقش الأفكار بصورها العامة وتجارب الآخرين تكون ملهمة لكتاباتي أيضاً، مثلاً تستهويني الكتابة عن أشخاص ولدوا في أماكن وأسر ومجتمعات لا تشبههم وكيف تصالحوا مع هذا الواقع، وفكرة الديوان الذي فاز بجائزة “بيفرلي” الدولية للآداب كان بعنوان “الحكم الأخلاقي للفراشات”، وهو يأتي مُتسقاً مع هذه الموضوعات والأفكار، وفكرة تسمية الديوان وارتباطه بالفراش تأتي من المقاربة بأن الفراش يتنقل بين الأزهار ليجد أكثر من رحيق واحد.
حدثنا عن الجائزة العالمية
جائزة “بيرفلي” العالمية للآداب، هي إنجليزية مقرها في إنجلترا تهتم بموضوعات الفنون المختلفة شاركت فيها بديوان شعر من “64” قصيدة باللغة الإنجليزية بعنوان “الحكم الأخلاقي للفراشات” ستتم طباعته إن شاء الله من قبل الجهة المُنظمة في العام2021، شارك في الجائزة “3” آلاف كاتب من مختلف دول العالم وفي المرحلة الأولى فاز الديوان بالقائمة القصيرة المُحددة بـ “15” عملاً، والحمد لله فاز ديوان “الحكم الأخلاقي للفراشات” بالمرتبة الأولى.
وأسعدني جداً رأي رئيس محكمة الجائزة “تود سويفت” عن ديوان “الحكم الأخلاقي للفراشات” بقوله “كانت جميع الأعمال المدرجة في القائمة القصيرة ممتازة وكان من المستحيل تقريباً الاختيار لكن كان هنالك كتاباً واحداً برز لحسن الحظ وكان الفائز.. فمن الصعب أن تكتب بشكل جميل وذكي مع التعقيد والصدق حتى الآن حول قضايا الهوية والمجتمع والثقافة فكانت مجموعة الشعر هذه خالية من العيوب تقريباً في نطاقها الخيالي وذوقها الإبداعي وتنوعها المذهل”.
موضوعات ناقشها “الحكم الأخلاقي للفراشات”
الديوان تحدث عن موضوعات كثيرة، وناقش قضية “الهوية” وتطرق إلى نشأة أطفال في بلاد لا تشبه هويتهم، عاشوا تفاصيل متناقضة نشأوا داخل منازلهم وبين أسرهم في عالم مختلف بعادات وثقافات لا تشبه التي يجدونها في المدرسة والشارع والمجتمع الذين هم جزء منه بالضرورة والمُعايشة ما يضعهم في مواجهة عوالم مُتناقضة، ولكن إذا نظرنا إلى هذا الوقع بزوايا أخرى نجده يفتح لهؤلاء أبواباً وشبابيك ومتنفساً آخر لهم، فالقصائد تتناول أشياء وتفاصيل كثيرة، ولدي قصيدة أسمها “نفسي” تتحدث عن إنسان عمره لن يستطيع أن يحب م الم يحب نفسه أولاً.
أين خالد من تنازع الهوية خاصة وأنت تكتب بلغات مُتعددة
صراحة، أجد نفسي شاعراً أفريقياً أكثر من عربي، وبأمانة أحس أن هنالك صعوبة في ترجمة أعمالي للعربية، ورغم ذلك العربية حاضرة بقوة في كتاباتي أتناولها في أشعاري كرموز وموضوعات، مؤخراً كتبت من على البعد عن حادثة غرق الأطفال في السودان “تلاميذ المناصير” الذين ابتلعهم النيل في منطقة “كبنة”، ومثلما قلت “العربية” أجدها في كتاباتي أسمي بها قصائدي أحياناً وأستخدمها كرموز أبدأ بيها الأبيات حتى وإن كتبت بلغة مختلفة، ولدي قصيدة حملت عنوان “حروف الجر” تتضمن رسائل خاصة إلى مجموعة من الناس وذكريات أليمة تجرني إلى الماضي دائماً.
هل يعني ذلك أنك تجد نفسك في الأدب الأفريقي
أنا أكتب بالإنجليزية في الغالب، وأحب أن تكون أشعاري بروح أفريقية، خاصة وأن الكتابة بالعربية لها مُحددات ومضامين وشروط مثل القافية، نعم هنالك شعر حر بالعربية لكن لم يجده حظه من الانتشار مُقارنة بالمُقفى.
لمن يكتب خالد
يكتب خالد للشعب السوداني داخل وخارج السودان وللعالم والإنسانية، فأنا أستخدم لغة عالمية “الإنجليزية” ولدي قصيدة بعنون “الحب من غير شروط” كذلك أكتب من غير شروط .
أفكار حاضرة في كتاباتك
صعب أن أعدد أو أحصي الموضوعات التي أكتبها أو تكتبني، فأشعاري كما قلت هي مزيج من انفعالات وأحاسيس وتجارب خاصة وعامة وأيضاً نافذة مفتوحة على العالم والإنسان، ولكن تجد في كتباتي قضايا مُلحة مثل “العنصرية” ورؤية بعض المُجتمعات للآخر ونظرتهم لحياة الإنسان الأسود، فالعالم ما زال ينظر إلينا بأن حياتنا رخيصة، وللأسف حتى داخل بلداننا نظلم أنفسنا ولا نُقيّم بعضنا ولا يمنحنا الخارج القيمة التي نستحقها، لذلك تجد في كتاباتي أيضاً فكرة “الإنسان غير الشرعي” أي النظرة التى يرانا بها الآخر.
كتبت كثيراً عن الغربة
كثيرة هي القضايا في أشعاري، وبالطبع الغربة تظهر بصورة أو أخرى في كتاباتي، تحدثت عن اللجوء وإحساس المنفى والترحال والصمت وكيف في لحظات كثيرة من حياتنا لا نتكلم عن الحقيقة ونلتزم الصمت ونتغافل عن خطورة السكوت عن الواقع، والتعامل بمبدأ “مشي حالك” .
لدي قصيدة بعنوان “بلكونة” أو يمكن أن تترجم أيضاً إلى “إطلالة” فكرتها تناقش العزلة التي يمكن أن يضعك فيها المجتمع أو الأسرة بأن يُرسم لك مساراً محدداً يجب أن تمضي فيه وهي تناقش أن أسرة توفر كل شيء لأطفالها وتقودهم لاكتشاف العالم وتنوعه ولكنها بعد ذلك تسلبهم حق الاختيار وتضع لهم “خط سير”، وفي ذات المضامين لدي قصيدة أخرى عن معاناة الإنسان المختلف “من يسبح عكس التيار”، لدي قصيدة أخرى فازت في مسابقة عالمية اسمها “خطط” وهي تتناول فكرة الغربة الداخلية.
الحب في كتابات خالد
الحب موجود في كتاباتي حتماً هو عاطفة تُزهر حروفاً وأشعاراً، ولكن أولاً يجب أن نحب أنفسنا بكل ما فيها بمعنى أن نتصالح مع ذواتنا، حتى نكون قادرين أن نمنح الآخرين هذا الحب الصادق الذي ينبع من دواخلنا، نعم كتبت عن الحب، والمُسامحة والكبرياء.
أين خالد من قضايا السودان والثورة
السودان حاضر في أشعاري وأفكاري ورغم قصر الفترة التي أمضيتها في البلاد بحكم الدراسة في “الجميلة ومستحيلة” جامعة الخرطوم والتدريس بها ظللت مُتابعاً للأوضاع هناك بعد هجرتي للخارج ومازلت، وأثناء وجودي في السودان اشتغلت أفلاماً وثائقية عن دارفور وهي ما تدفع كثيرين للسؤال الذين ظل يلاحقني أن خالد كتب عن “دارفور” فقط وأنتهز السانحة وأقول كتاباتي لم تقتصر على دارفور فقط، تفاعلت مع العديد من القضايا في السودان وأشعاري مفتوحة على العالم بأسره، تابعت الثورة السودانية الأخيرة بكل تفاصيلها فالبعد الجغرافي حتماً لن يفصل الوجدان عن المعايشة، فكنت بروحي وعقلى وقلبي مع الشباب الثائر في ميدان الاعتصام وفي الشوارع التي لا تخون، وهي ذات القضايا الإنسانية في محيطنا الأفريقي والعربي فالإنسان ولداً حراً وتواقاً للحرية والانعتاق من الظلم والقيود، أيام فجر وتفجر الثورة كتبت قصيدة بعنوان “حرية” وأخرى حملت اسم “بكرة” نعم تحدثت عن ثورة ديسمبر المجيدة فهي علامة مضيئة في نضالات الشعب السوداني.