المدنيون في انقلاب الإنقاذ.. أدوار ومهام (1)
علي عثمان: مهندس الاتفاقيات والأفكار برفقة الترابي
نافع: ينفذ رغبة حزبه دون مواربة ومثير للجدل
عوض الجاز كُلّف بالعمل التنظيمي السري بجانب الملف الاقتصادي
علي الحاج التمويه بالسفر للخارج
الخرطوم: صلاح مختار
في شهر مايو الماضي، تقدم محامون سودانيون بعريضة قانونية إلى النائب العام بالخرطوم ضد البشير ومساعديه، بتهمة تقويض النظام الدستوري، عبر تدبيره انقلاب عسكري عام 1989، ثم توليه السلطة الذي أطاح بحكومة رئيس الوزراء آنذاك، الصادق المهدي، وتولى منصب رئيس مجلس قيادة ما عُرف بثورة الإنقاذ الوطني، وخلال العام ذاته أصبح رئيسًا للسودان. وفي الشهر ذاته، بدأت النيابة تحقيقًا في البلاغ. وأخيرًا تسلم كل من الرئيس المعزول عمر البشير و(15) من ضباط القوات المسلحة وثمانية مدنيين اتهام النيابة العامة لهم رسمياً بتقويض النظام الدستوري، وقال رئيس لجنة التحقيق والتحري في انقلاب 30 يونيو 1989 رئيس النيابة العامة سيف اليزل محمد سري، في خطاب موجه إلى المتهمين (ثبت للجنة التحقيق في انقلاب 30 يونيو 1989، توافر بينة مبدئية تؤسس الاتهام، بموجب المادة 56 من قانون الإجراءات الجنائية لعام 1991).
وثيقة الاتهام في مواجهة القيادات العسكرية والمدنية
وبموجب وثيقة الاتهام يواجه كل من قيادات حزب المؤتمر الشعبي الأمين العام د. علي الحاج وإبراهيم السنوسي وعمر عبد المعروف، إضافة إلى قيادات النظام السابق، علي عثمان، نافع علي نافع، عوض الجاز، أحمد محمد علي الفششوية، والأمين العام للحركة الإسلامية الزبير محمد الحسن. كما شملت الاتهامات كلاً من الفريق بكري حسن صالح نائب البشير، واللواء التيجاني آدم الطاهر والعميد عثمان أحمد حسن وعدداً من الضباط العسكريين تهماً بالمشاركة في تقويض النظام الدستوري بالبلاد.
الانقلابات يخطط لها السياسيون وينفذها العسكريون
ولأن الانقلابات كما يعرفها البعض يخطط لها السياسيون وينفذها العسكريون، فإن العسكريين في كثير من الأحايين ينفذون التعليمات من رؤسائهم في القيادة العليا حتى وإن كانت خطأ ولهم العذر في ذلك باعتبار أن أدوارهم تظل معلومة بالضرورة لكثير من المراقبين، ولكن في الجانب الآخر من المكون المدني في الانقلابات تظل محل تساؤل وسراً ومبهماً وغير واضح، تلك الادوار التي يتطلبها الشق المدني لإنجاح الانقلابات العسكرية.
(الصيحة) حاولت تحسس تلك الأدوار وإن كانت شاقة للحصول عليها.
علي عثمان: مهندس الاتفاقيات والأفكار
يعتبر علي عثمان محمد طه أحد أبرز القيادات في الحركة الإسلامية السودانية وهو كما يقال عنه من المفكرين في انقلاب (1989) شارك في عملية التمويه عندما توجهوا إلى سجن كوبر برفقة قيادة الحركة وذهب البشير لاستلام الحكم، وإذا كان الأمين العام الراحل للحركة الإسلامية د. حسن عبد الله الترابي هو عراب المشروع الإسلامي والمخطط له ومفكره لكن طه لا يقل عن الأخرين في عملية تثبيت أركان الدولة وتوجهها الإسلامي، لقد شغل عدة مناصب حكومية رفيعة، يوصف بمهندس اتفاق السلام بنيفاشا عام 2005 مع زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق. ظل نائباً أول للرئيس البشير حتى يوليو 2005 حيث أصبح نائباً ثانياً بعد انفصال الجنوب وتولى جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان منصب النائب الأول. وفي ديسمبر 2013 أعلن استقالته لإفساح المجال أمام تشكيل حكومة جديدة بعدما وصفه بأنه “رأس الرمح وقائد التغيير في التشكيل الوزاري الجديد”. بيد أن منتقديه ينتقدونه بأنه أضعف الحركة الإسلامية السودانية وساهم في تقسيمها في التسعينيات في وقت كان يمكنها أن يقوم بدور نموذجي.
نافع .. ينفذ رغبة حزبه دون مواربة
يعدّ د.نافع علي نافع من الشخصيات المثيرة للجدل بسبب مواقفه التي يصفها بعض خصومه بالعدائية والمتشددة تجاه المعارضة، في حين يراه آخرون عنصرًا فعالاً ينفذ رغبة حزبه دون مواربة. لم يكن فعّالاً في تيار الحركة الإسلامية بجامعة الخرطوم بالقدر الذي يجعله قائدًا طلابياً حينها. بيد أنه بعد انقلاب (89) عُيِّن مديراً لجهاز الأمن العام مع قيام ثورة الإنقاذ بسبب خلفيته الدقيقة في المعلومات ورصدها، ثم مديرًا لجهاز الأمن الخارجي برتبة لواء، قبل أن يعفى من منصبه. وكان نافع قد قاد تياراً رافضاً لترشيح الرئيس عمر البشير لدورة رئاسية جديدة خلال انتخابات عام 2020، لدواعٍ يراها (ضرورية ومهمة تتعلّق بإكمال عملية الإصلاح والتجديد التي دشنها الحزب منذ عام 2013).
معارضون: فترة نافع الأسوأ
وبحسب تقديرات المعارضين للحكومة تُعد فترة نافع في المنصب الأسوأ، إذ يلقون عليه مسؤولية التضييق على النشاط الحزبي والاعتقال التحفظي الطويل، وتعذيب المعارضين والناشطين والتنكيل بهم في معتقلات عُرفت في بواكير حكومة البشير بـ”بيوت الأشباح”، ويُعتقد أن الرجل هو أول من أسّس لها. وبسبب منهجه في العمل، غادر الحزب أبرز قيادات الحزب الحاكم، أو أجبروا على المغادرة، مثل غازي صلاح الدين، الأمين العام السابق للحزب، كما اشتبك نافع مع الفريق صلاح قوش، الذي كان يشغل منصب مسؤول مستشارية الأمن، وكذلك برز خلافه الصامت مع النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية، علي عثمان محمد طه. وقفت ضده قيادات الحزب عندما توصل إلى اتفاق سلام، في عام 2012، مع المتمردين في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق فيما عُرف باتفاق (نافع-عقار)، إذ لم يجد الاتفاق دعماً داخل الحزب ولا الحكومة، فتدخل الرئيس البشير لإلغائه في خطبة له داخل مسجد.
عوض الجاز.. التكليف بالعمل السري والاقتصادي
ولم يشارك د. عوض الجاز منذ انضمامه للإخوان المسلمين في عمل تنظيمي مفتوح نسبة لاختياره للعمل التنظيمي السري. وطبقاً لمصادر أن الجاز كان مشرفاً على الجانب الاقتصادي في المرحلة التي أعقبت قيام الإنقاذ، وهو الذي ارتبط اسمه بقطاع التعدين والطاقة، بالإضافة إلى أنه عين وزيراً للمالية إضافة إلى مهامه الحزبية والتنظيمية، فهو عضو هيئة شورى المؤتمر الوطني منذ تأسيسه، وعضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني ورئيس القطاع الاقتصادي والاجتماعي مسؤولاً عن ملف الصين. بيد أن (الاندبندنت) نقلت عن و(يكيليكس)، أن الجاز يملك أصولاً خارج السودان تبلغ (21) مليار دولار، منها اسطنبول، إضافة إلى منتجع town house في جزر مايوركا الإسبانية، وآخر في مدينة أنطاليا التركية. وأضافت الصحيفة، أن حساباته في مصارف بسنغافورة تقدر 7مليارات دولار، وفي كوالالمبور 13 مليار دولار، إضافة إلى أسهم لمجموعة شركات عاملة في قطاع التعدين وتكرير النفط في العالم لم يحصر تقديرها.
علي الحاج.ز دوره في الإنقاذ التمويه بالذهاب للخارج
بعد المصالحة الوطنية في عهد نميري عاد إلى البلاد, وعقب العودة عمل عضواً باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي 1978, وبعد الانتفاضة الشعبية على نظام الرئيس جعفر نميري في 6 أبريل 1985، كان من ضمن ثلة من الأعضاء المؤسسين للجبهة الإسلامية القومية التي كلفته بإدارة الجنوب. يقول علي الحاج في حوار له مع صحيفة (الانتباهة) (إن مسؤوليته في انقلاب الإنقاذ كانت التمويه بأن يذهب للخارج ضمن وفد حول قضية الجنوب)، وأضاف قائلاً: (كانت لدي توجيهات في حال نجاح أو فشل الانقلاب ماذا أفعل)، وأضاف قائلاً: (تركت السودان في (12) يونيو 1989م، وكان من المفترض أن يكون الانقلاب يوم (21) يونيو لكنه تأخر أسبوعاً لظروف ما)، وأكد أنه لأول مرة يعرف أن الاسم الحقيقي لقائد الانقلاب هو عمر حسن أحمد البشير من الترابي قبل وداعه للسفر للخارج). أمسك علي الحاج بملف السلام والمفاوضات في الجنوب وشكل حضوراً في التشكيلة الوزارية وزيراً للصناعة والاستثمار.
المفاصلة قادت علي الحاج ليكون معارضاً قوياً للإنقاذ
تم ترشيح الحاج ليشغل منصب نائب رئيس الجمهورية عقب وفاة الشهيد الزبير محمد صالح النائب الأسبق لرئيس الجمهورية لكن الرئيس اختار علي عثمان محمد طه نائباً له، وتم تعيينه نائباً للأمين العام للمؤتمر الوطني، وظل في هذا المنصب حتي حدوث المفاصلة الشهيرة عام 1999/2000 لينحاز إلى حزب الترابي وتم تعيينه نائباً للترابي. وبعد المفاصلة استمر نائباً للترابي في المؤتمر الشعبي حديث النشأة وبعد خروجه من البلاد أسهمت علاقته بالحركة الشعبية في فتح نوافذ حوار معها انتهت في العام 2001م بالتوقيع على مذكرة تفاهم وتّرت العلاقة أكثر ما بين الوطني والشعبي، فيما آثر علي الحاج البقاء في الخارج معارضاً قوياً لنظام الإنقاذ.