رؤية (الثورية) للترتيبات الأمنية.. قراءة من الداخل!
تقرير: صلاح مختار
إن صح ما جاء في ورقة المقترحات الخاصة بالترتيبات الأمنية التي دفعت بها الجبهة الثورية في مفاوضات جوبا فإنها تحتاج إلى وقفة وتأنٍّ ودراسة عميقة من الداخل ربما لأن ما ورد في المقترحات أنها تمثل سابقة خطيرة وتدويراً لقضايا لم يُشف منها جسد الدولة من خلال التوقيع على اتفاقية أديس أبابا عام (1972) ونيفاشا عام (2005) وبسببها مازالت آثار الحرب تراوح مكانها والأزمة مستمرة، ولكن يرى البعض أن ورقة (الثورية) ما هي إلا مقترحات لرفع سقف التفاوض أمام الحكومة للحصول على أكبر مكاسب خلال الجولة الحالية، وقد لا يرى البعض تلك المقترحات من الثوابت باعتبار أنها ورقة تفاوضية يتم إخضاعها للنقاش والأخذ والرد والجرح والتعديل، ولذلك لا يمكن التعويل عليها واعتبارها من المسلمات. إذ تعتبر بداية التفاوض حول الترتيبات الأمنية (أم القضايا)، ولكن كيف نقرأ ورقة الجبهة الثورية؟.
مقترحات الورقة
كانت الجبهة الثورية قد كشفت عن ورقة حول الترتيبات الأمنية المقترحة في مفاوضات السلام بجوبا مع الحكومة الانتقالية فيها تفاصيل ومقترحات للوقف الدائم لإطلاق النار ونزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج ووضعية قوات الأطراف وطبيعتها خلال الفترة الانتقالية، وكشفت عن احتفاظ فصائل الجبهة بقواتها لمدة عشر سنوات، بالإضافة لتكفل الحكومة بالدعم اللوجستي غير العسكري، وأقرت تشكيل قوات مشتركة تشمل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى جانب ما يسمى بقوى الكفاح المسلح لتكون أساساً للقوات الوطنية مع معالجة وضعية قوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة. ووفقاً لورقة الجبهة الثورية المنشورةز تشير الورقة التي تحدثت عن اتفاق الأطراف على اعتبار القوات غير المندمجة من قوات حركات الكفاح المسلح قوات نظامية ويتم التعامل معها على قدم المساواة مع القوات النظامية الأخرى.
قراءة ثانية
وطبقاً للورقة، فإن الاتفاق يتم على تكوين مجلس دفاع مشترك، وإقرار مشاركة ما عرف بقوى الكفاح المسلح الموقعة على الاتفاق خلال الفترة الانتقالية بعدد من قواتها في العاصمة وعواصم ولايات, في المقابل إعادة نشر كل القوات المسلحة والدعم السريع إلى رئاسات الفرق بدارفور وفي بند ولا يجوز دخول القوات الحكومية إلى أي منطقة منزوعة السلاح أو منطقة عازلة أو منطقة تجمُّع دون إذن خطّي من اليوناميد. وقالت الورقة إن على حكومة السودان ألا تقوم بنشر قوات في أي منطقة تسيطر عليها قوات إحدى الحركات دون إذن خطّي من اليوناميد أو أي آلية تابعة للأمم المتحدة، ويعتبر تحرك القوات الحكومية في هذه المناطق دون إذن انتهاكاً لاتفاق وقف إطلاق النار.
خطوط حمراء
وانتقد الورقة الخبير العسكري الفريق الركن حسن يحيى كثيراً باعتبارها تجاوزاً للخطوط الحمراء للجيش وظل يردد أنها مرفوضة جملة وتفصيلاً, حيث قال لـ(الصيحة) لا يمكن تكرار التجارب السابقة من خلال احتفاظهم بقواتهم لمدة (10) سنوات قائلاً: (يكفينا نيفاشا وفي اتفاقية 1972) مؤكداً أن الاتفاقيات أعادت لهم الحياة ولا يمكن خلال الترتيبات الأمنية تكافئ الحركات من خلال الاستيعاب في الجيش أو الأمن وإنما من خلال الدمج والتسريح وإعادة الإدماج يمكن أن يتم توظيفهم في أي وظيفة، لجهة أن هؤلاء ولاؤهم ليس للقوات المسلحة وليس للوطن، وإنما لأشخاص وقبائلهم وجهوياتهم، وبالتالي هؤلاء مرفوضون جملة وتفصيلاً. وقال: في رأيه من الأحسن الاستمرار في الحرب بدلاً من التوقيع على مثل هذه الاتفاقية .
قرار سياسي
ووصف يحيى الورقة بالخطيرة جداً ولا أحد يقبلها قائلاً (والله مستجد ما يقبله)، وأضاف: هؤلاء ليسوا منتصرين حتى يطالبوا بذلك، ولا يمكن المطالبة بإعادة هيكلة الجيش على أساس استيعاب حركات مسلحة بمعنى أنك تكافئ التمرد، ويرى أن إعادة الهيكلة بقرار سياسي يعني تصفية للجيش، وذكر أن إعادة الهيكلة تتم بقرار عسكري، وبالتالي فإن إعمالها بقرار سياسي عين الخطأ، وتدوير لصمام أمان السودان. وأكد أن إعادة الهيكلة قرار عسكري بحت يتم على أسس عسكرية وليست سياسية. ودعا إلى عدم تكرار التجارب الفاشلة، وأن القوات المسلحة من حقها أن تنتشر في أي منطقة وليست هنالك مناطق تسمى في قاموسها محررة، ووصف الاتفاق بالسياسي، وقال: السلام الذي يأتي بحلول سياسية سلام بارد وهش ربما ينفجر في أي لحظة مثلما حدث في اتفاقية أديس أبابا ونيفاشا.
مفتاح الحل
وأشار يحيى إلى أن الحل العسكري هو مفتاح للحل السياسي والحل السياسي يأتي بعد هزيمة عسكرية ساحقة للحركات، وبالتالي يفرض الحل المستدام. والمطالبة بالهيكلة هو حديث شخص منتصر يملي شروطه على شخص مهزوم والقوات المسلحة لم تعرف الهزيمة في تاريخها رغم انهيار كل الجيوش الأفريقية حول البلاد، وأكد أن العقيدة العسكرية ليست مسؤولية المتفاوضين، وإنما تضعها القيادة السياسية العليا للدولة. وقال: لا استيعاب لضابط أو جندي للحركات في الجيش حتى لا نكافئهم، مبيناً أن مثل هذه الاتفاقيات القصد منها إحياء حركات التمرد لأنها تكون في حالة ضعف وانهيار كما حدث في نيفاشا وأديس، وهي اتفاقيات مشبوهة حتى تستمر حرب الاستنزاف وليس القصد منها تحقيق السلام.
حرث في البحر
ولأن أي تفاوض تطرح فيه سقوفات تطمح الأطرف أن تلحق بها، فإن تلك السقوفات التي دفعت بها الجبهة الثورية للتفاوض بشأن الترتيبات الأمنية كما يراها المحلل العسكري اللواء ركن عبد الرحمن أرباب عالية جداً، بيد أنه قال لـ(الصيحة) إنه من خلال التفاوض يمكن أن تصل إلى منطقة وسطى، وجدد بأن ما ورد في الورقة سقف أكثر من عالٍ، ورأى من ضرورة أن تحدد كل حركة حجم قواتها وفق اتفاقية (2005) باعتبار أن أي قوات تأتي من بعدها لا تكون تابعة لها. وقال: مبدئياً أن عملية دمج قوات الحركات مع الجيش غير عملي ولا يحقق الاستقرار والسلام، بيد أنه استدرك إذا كان لابد من إدماجها يكون في أضيق نطاق وبشروط وفق قانون القوات المسلحة، بمعنى أن يراعى فيها مسألة العمر واللياقة البدنية ومستوى التعليم بعدها يمكن أن تعامل مثل القوات المسلحة، وفي نطاق ضيق أما بقية القوات فتسرح وفق قانون(دي دي آر). وأكد أن مسألة احتفاظ الحركات بقواتها لمدة (10) سنوات لا يعتبر حلاً وإنما تعقيداً للمشكلة، مشيراً إلى أن عملية انتشار القوات مسؤولية الجيش ومن غير المقبول مطالبة القوات بذلك، وقال أعتقد بهذه الطريقة هنالك حرث في البحر وليس سلاماً.