صناعة الصفوف..!!
* ومن روائع الوصف، إبراهيم العبادي، على لسان ود دكين، في مسرحية المك نمر :
الشجر إن وقع بتكسرن فرّاعو
وقمحان الطلب للما بجيبو ضراعو
ليه يا أخوانا للبيناتنا ما بتراعو؟
البقول راسو موجعو بربطولو كراعو ؟ ..
وهكذا أيضاً تجتهد دولة رئيس الوزراء في معالجة أزمة غلاء الأسعار .. أي صداع الأزمة بالأسواق والبيوتات (حاد جداً)، ولكن السلطات المسؤولة، وزير التجارة نموذجاً، تجتهد في ربط (كُراع الأزمة).. !!
* وعلى سبيل المثال، وكأن البلاد تعاني من جشع التُجار فقط، هناك اتجاه بتسعير السكر ومراقبة التسعيرة، مع تشكيل لجنة لإصدار أسعار تأشيرية للسلع تباشر مهامها اعتباراً من هذا الأسبوع .. وهي ذات الوزارة التي وعدت قبل أشهر بقرار يُلزم المصانع والمستوردين بالإفصاح عن أسعار بيع السلع في الأسواق المحلية، وعلى أن تفصح المصانع والمستوردين عن أسعار بيع السلع في قائمة أسعار يحدد فيها اسم السلعة ومواصفاتها وسعرها، ثم يُلزم محلات البيع المباشر للمستهلك بوضع ديباجات توضّح أسعار البيع ..!!
* مثل هذه القرارات ربط مَحكم لـ (كراع الأزمة).. فالحقيقة التي تعلمها دولة رئيس الوزراء، بما فيها وزارة التجارة، ثم تغض الطرف عنها هي: ما لم تخرج شركات الأجهزة الحكومية من أسواق الناس (نهائياً)، وما لم يتم تفكيك كل أنواع الاحتكار، وما لم تتقن أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدني الرصد والرقابة، وما لم تُحسن السلطات النيابية والقضائية تحقيق العدالة الناجزة، فبجانب السياسة الاقتصادية العاجزة عن الإنتاج، فإن المصطلح الاقتصادي المُسمّى بتحرير الأسعار سيُصلي الناس سعيراً، أو كما يفعل وباء الكورونا..!!
* ونعم لتحرير الأسواق والأسعار، ولكن لهذا التحرير شروط لم تلتزم بها السُلطات منذ عهد النظام المخلوع وحتى عهد دولة رئيس الوزراء.. ولعدم تمسك السُلطات بشروط التحرير، كان – وما يزال – حال الناس مع تحرير الأسعار كمن ألقوه في اليم مكتوفاً من الأيدي مع التحذير بأن لا يبتل بالماء، فتجاوز الحال مرحلة الابتلال إلى مرحلة (الغرق).. تحرير الأسواق والأسعار – في بلاد الآخرين – يعني التنافس بالإنتاج والجودة والسعر لصالح المواطن، ولكن هذا التحرير يعني – في بلادنا – تحالف رداءة السلع مع ارتفاع أسعارها ضد المواطن.
* ورغم أنف ثورة التغيير، ما يزال قُبح الاحتكار يطغى على أوجه التجارة لحد توزيع بعض السلع بتعليمات وحدات حكومية، الدقيق والسكر نموذجاً، والقمح على الطريق.. وما تزال شركات أجهزة الدولة الرسمية تزاحم العامة في أسواقها، أي لم تسقط بعد.. وما يزال المواطن يسأل الباعة عن سعر السلعة بدلاً عن قراءة الديباجة التي توضّح السعر، وهذا لا يحدث إلا في بلادنا رغم القانون الذي يُلزم البائع بوضع تلك الديباجة على كل سلعة بغرض المنافسة بالجودة والسعر.
* فالحماية مسؤولية جماعية تبدأ بالسياسات الاقتصادية التي تخططها وتنفذها الحكومة، وهذا ما لا نراها ولا نشعر بها.. ثم تأتي الرقابة بقوة القانون وفعالية الأجهزة العدلية، ثم بالتثقيف والتوعية في شوارع المجتمعات وأزقتها، وبواسطة منظماتها وجمعياتها وإعلامها..هكذا المسؤولية .. جماعية.. ولكن معاناة الناس تؤكد بأن كل مسؤول بحاجة إلى مسؤول آخر يُعلمه كيف – وماذا – يعمل؟.. ولأن الحكومة ماهرة في صناعة الصفوف، فبتدخلها المرتقب، باحتكار أحدهما وتسعير الآخر، نترقب ميلاد صفين آخرين .. صف القمح وصف السكر ..!!