تقرير: عوضية سليمان
الإقالات والاستقالات، التي بدأت بالظهور هذه الايام بمواقع مختلفة من مكونات ومؤسسات الدولة، تركت آراءً كثيرة واتهامات على الشارع السياسي الذي سارع في البحث عن الأسباب التي تقف وراء تلك البوادر. وأرجع البعض ذلك إلى تدخل بعض أظافر وأصابع الحكومة السابقة في العملية التي تدار بها الحكومة الحالية بما يوحي بأن عناصر النظام السابق مازالت مسيطرة على المكون الوظيفي بمؤسسات الدولة، بجانب ما يلقى على عاتق لجان إزالة التمكين لإنجاز مهمتها والتي تجد الكثير من المواجهات الصعبة مع مؤيدي النظام البائد. وهذا دفعها لضرورة إيجاد مخرج لها يساعدها في إنجاز تلك المهام بالسرعة المطلوبة وبذات الكفاءة، في وقت يرى فيه البعض أن الطريقة التي يتم بها تكليف المسؤولين غير كافية لتحقيق الرضا الوظيفي، كما أنها تمضي بطريقة سلفحائية رغم أن بعض الاستقالات كانت بسبب بعض الضغوط التي مورست على بعض مكونات الدولة التنفيذية من لجان وغيرها.. بيد أن بعض الذين تقدموا باستقالاتهم عن مهامهم الجديدة لم ير ظناً أن التكليف الذي أسند إليه، ما يؤكد بأن “مهمته” في طريقها للإنفاذ كما هو الحال في استقالة د. مريم المهدي من اللجنة الاقتصادية وحالة وزير الدولة بالعمل.. أمر الاستقالات والإقالات الفجائية التي بدأت تطرأ على الساحة السياسية يقول عنها محللون وسياسيون بأنها بادرة جديدة تستدعي النظر والقراءة لما لها من تأثير على الحياة السياسية واستقرارها مستقبلاً قبل أن تكون ظاهرة صحية في مقامها الأول.
أعذار واعتذارات
في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد وما تشهده الساحة الاقتصادية والسياسية والصحية خاصة من تفشي وباء الكورونا الذي ينذر بكارثة بعد أن أحدث ربكة في دواليب الدولة الوظيفية تأتي هذه الاستقالات والإقالات لتكون مفاجأة الساحة السياسية. فاستقالة وزير الدولة بالعمل والتنمية الاجتماعية د. استيفن أمين من منصبه، بعد أن دفع بها الى رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك أدت إلى الكثير من ردود الأفعال بعد أن قال فيها إنه طيلة فترته في الوزارة لم يتم تسليمه ولا ملف للعمل، يقابله اعتذار وزيرة العمل لينا الشيخ من تلبية طلبه. وقال إن وجوده كوزير كان بمثابة ديكور فضلًا عن تأكيده بأن الوزارة لا تزال تدار بأيدي الدولة العميقة، وهذا ما دفع الوزير لأن يسلم استقالته إلى مدير مكتبه لإيصالها إلى رئيس مجلس الوزراء ويغادر إلى خارج البلاد..
بينما تأتي قضية إنهاء تكاليف نائب رئيس الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول ونقله مستشاراً لقطاع المعادن، وفقاً لمصادر داخل الوزارة، من أن وقوع خلافات بين أردول ومدير شركة الموارد المعدنية حول عدة قضايا مثل تباين وجهات النظر بينهما فيما يتصل بالتوافق عبر المعاينات ولجنة الاختيار، وتم بناء على ذلك تهميش أردول، ومن ثم توالت الخلافات بينهما بناء على المصادر التي أكدت أن الخلاف احتدم حول مؤتمر قضايا التعدين بعطبرة.
أما استقالة المنصورة مريم الصادق من الآلية الاقتصادية، فإن بيان الاستقالة كشف المزيد من الصراعات السياسية التي تجري داخل حوش الحكومة بين المكونين السيادي والمدني من جهة، والمدني والعسكري من جهة أخرى، إضافة إلى مكون قوى الحرية والتغيير كلاعب أساسي، بوجود بعض آثار الدولة العميقة.
غياب القاعدية
القاعدة الصحيحة هي وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ولكن بروفيسور حسن الساعوري خلال إفادته لـ(الصيحة) يقول إن هذه القاعدة غائبة، وزاد إن هذه القاعدة غائبة في سلوكنا منذ النظام البائد وداخل المجلس السيادي الآن، لأنهم لا يبحثون عن الرجل المناسب وحتى لو وجدوا لها الرجل المناسب لا يجدون له المكان المناسب، لذلك إما أن وجد نفسه غريباً عن المكان أو وجد نفسه عاجزاً عن المهام.
وأكد أن الخلل الوظيفي يأتي من أن يجد الموظف نفسه دون صلاحيات، لذلك لابد من إعادة النظر في الوظيفة بعد التعيين خاصة الوظائف الوزارية. وقال إن الدولة العميقة أصبحت شماعة فشل للجميع، ولكل من يريد أن يخرج من فشله ومن مشكلته، بيد أنه أضاف أن الحكومة الآن أصبحت لديها سلطة وقانون وقضاة، وهي بذلك قادرة على ردع الكل بمن فيهم الدولة العميقة المسبب الأول والعنصر الأساسي لهذه التأويلات.
وأشار الساعوري إلى أن مشكلة الوضع الآن تقع في التعيين دون دراية بالأمر، وقال إن انسحاب مريم ذكرت فيه الأسباب وإن الآلية لحل المشاكل وليس تعقيدها، ويرى بروف حسن، إن هناك عجزاً ولدينا توصية بأن تقوم الآلية بمهامها التي أوكلت إليها دون تدخل من أي جهة.
تساؤلات ورهان
وكشف الساعوري عن أن اللجنة عجزت عن القيام بالأمر، ولكن لم تقل أعذارها الواضحة عما تم، بيد أن المستقيلين أو المقالين وجدوا أنفسهم غرباء عن المنصب والمكان، وأدى هذا لازدياد المشاكل العملية التي تختص بالموظف والمنصب المعني. وأكد الساعوري أن ما يجري لا يزيد عن كونه محاصصات بين القوى السياسية المختلفة وعملاً للترضيات دون النظر للقاعدة العريضة الواجبة النفاذ، وهي “الشخص المناسب في المكان المناسب”. في الوقت الذي يرى فيه البعض الآخر أن الاستقالات ظاهرة صحية وهي وإن برزت اليوم في هذه الحكومة، إنما تؤكد المسار الصحيح الذي تسير عليه دون سابقاتها من الحكومات الشمولية.
ويرى بعض المحللين أن بعض الجهات المختلفة والمغرضة تسارع للنيل من الحكومة الانتقالية بطرق أو بأخرى خاصة بظهور هذه الظاهرة والتي كثيراً ما تجدها في الدول ذات الصبغة الديمقراطية، ولم تستغرب من أن مثل هذه التأويلات قد تجد صدى لها لجهة أن الشعب السوداني لم يعش تجربة حكم ديمقراطي حقيقي منذ الاستقلال، ولذلك فإن كل الممارسات الديمقراطية من شأنها أن تكون ممجوجة خلال الفترة الراهنة لغرابتها.